on
من أنا اليوم..
اعذروني!
أصبح الحرف ثقيلًا..
لغة التعبير قد صارت عصيّة!
والقوافي..
لم تعد تجري بإلهام لديّ!
واستحال الشعر كالقفر!
لم تعد أزهاره تزهو نديّة!
فرسول الوحي قد خرّ قتيلًا!
يسأل الإنسان فيّ:
ما ترى جدوى القصائدْ؟!
أفتجدي عند فيض النار أنفاس القصيدة؟!
أفتحمي ضحكة الأطفال من ساطور حاقد؟
أوتعطي اللاجئ المنهار آمالًا جديدة؟!
وأمامي يضحك الشيطان في هزء عليَّ..
غير دارٍ أن شعري هو نزف ما تبقى من أثير الروح والقلب لديَّ!
يعبر الأمس بقربي..
ها هنا كان رفاقي!
هذا بطرسْ..
ذاك أحمدْ!
كنا نحيا..
لم تفرّقنا كنيسة!
لا ولا باعدَنا مسجدْ!
أين صاروا؟
ضاع في الأنقاض أحمدْ..
وغدا بطرس مشرّدْ!
أنظر الآن أمامي..
فأرى في كل دربٍ..
ألف سمسار وقاتلْ!
هذا بالوطن يتاجرْ..
ذاك بالدين يقاولْ!
هذا باسم الوطن حابلْ..
ذاك باسم الله نابلْ!
وأرى في كل حدبٍ..
رقص صناع المقاصلْ!
فاعذروني..
يا رفاق الأمس إن أعلنت أنّي..
لم يعد عندي بهذي الأرض دينٌ..
واعتزلت الوطنية!
وهجرت المعبد الدامي..
ووقعت طلاقي للقضية!
هائمًا أمضي شريدًا..
بين أنقاض المدائن والمعابدْ..
ليس في دربي كنائس أو مساجدْ..
ليس قدامي مدارس أو معاهدْ!
ليس عندي إلا ظل..
يمشي خلفي مثل لص سارقًا مني القصائدْ!
من أنا اليومَ..
وكلّي..
ما تبقى منه شيء إلا ظلي!
هاربًا أمشي..
ويمشي في خواء العالم المنهار نعشي!
وعلى الدرب ورائي..
صامتًا يزحف يأسي..
تابعًا عاري الذي يغتال قبلي!
اعذروني!
جفت الكلمات عندي..
وانتهى الشعر لديّ!
أصبح القلم شريدًا..
أصبح الحبر وحيدًا..
وأنا اليوم المشرّدْ..
دون وطنٍ..
دون معبدْ!
يقطن التشريد روحي!
تنزف الأنقاض من عمق جراحي!
صرت والتشريد والأنقاض ثالوثًا موحّدْ.
رسلان عامر
المصدر
جيرون