يوم الأم في سورية.. طقوس الألم



إنه اليوم الذي تهفو إليه قلوب السوريين، يجمعهم بطقوسه، ويلفهم بحنان الذكريات والأمل، إذ تتدفق عاطفة الأبناء لتحاول الاقتراب من دفء عاطفة الأم، أو الارتقاء إلى علياء عطائها، كدليل على أن هذه الأرض السورية هي أمّنا التي تفيض طباع أبنائها بالنقاء والحب والعطاء، مجبولة بثقافة بناءٍ لا هدم.

جاءت الحرب التي شنها نظام الأسد على السوريين منذ 7 سنوات، كابوسًا ثقيلًا، أول ما حط رحاله في قلب الأمومة، فقد طحنت آلة الحرب مئات آلاف الأبناء، وحولتهم إلى ضحايا، منهم من قُتل ومنهم من أصيب بإعاقة أو اعتُقل أو أخفي قسريًا، وهناك اللاجئ والنازح والباحث عن مساحة أمن، والطفل الذي لا يجد غذاء أو دواء، كل هذا ترقبه قلوب أمهات تعيش حالة ترقب وألم، يحذوها الأمل.

كان من الملفت قبل عيد الأم كيف نعَت أم الشهيد غياث مطر، شهيدًا جديدًا من أبنائها، هو الشاب حازم، وقد كتبت على صفحتها في (فيسبوك) “شهيدًا جميلًا.. وبس”، فهل هناك متسع من المساحة للمتأمل، ليملأ تلك الفراغات بين هذه الأحرف القليلة والكلمات الثلاث! هنا في تلك المساحات التي لا تنتهي، تسكن الأم. وكتبت سناء السعدي تعزيها: “على أعتاب عيد الأم، أم الشهيد أصبحت اليوم أم الشهيدين، لقلبك الصبر، أم غياث الغالية، والعار لكل القلوب الطافحة بالحقد”.

كتب زياد أبو صلاح، في عيد الأم على صفحته: “لعنة الله والبشر على كل من سرق وحوّل ضحكة أمّ إلى نحيب، في بلدنا وسائر أرجاء المعمورة”، وكتب مصطفى المصطفى: “سبع سنوات، والأم السورية لم تفرح بعيدها؛ فهي بين حزن وألم وتشرد وغربة أبنائها”، وكتب محسن سلوم: “على الرغم من الجرح الدامي، أقول: كل عام وأنتن بخير، يا أمهات العالم”، وتساءل: “ماذا أقول لخنساوات سورية؟”.

في هذا الموضوع، قالت مدرّسة اللغة العربية سميرة البهو لـ (جيرون): إن “تحديد يوم للاحتفاء بالأم لا يعني الاقتصار عليه فقط في تذكرها، فهي تعيش العيد يوميًا، مع ضحكة أبنائها، في برهم لها وتواصلهم وسؤالهم عنها”، وأضافت: “الحديث عن الأم حديث ذو شجون خاصة أيامنا هذه، فهو يأخذنا إلى آلاف الأمهات اللواتي يعانين من لوعة فراق أبنائهن، بسبب الهجرة والهرب من نيران الحرب”، أوضحت البهو أن “المعاناة الأقسى لكثير من الأمهات هي فقدان أبنائهن، سواء بالموت أو الاعتقال”، وتابعت: “بعد مرور سبع سنوات من المرارة والألم، يزداد ألم الأم السورية ألمًا، ومهما قدمنا لها في هذا اليوم؛ فلن نعوضها ما فقدته”.

إلى ذلك، عبّرت سميرة أبو سعدى، من (هيئة سورية الفتاة)، عن الحالة التي مرت على سورية بالتوازي مع عيد الأم، بقولها: “يا عيدُ هل مررت على سورية، وسألتَها: لماذا ترتدين السواد؟ والشجرة لماذا ذبلت واصفرت أوراقها، ولماذا توارى الياسمين؟ أحزنًا على السورية الثكلى على ولدها؟”، وتابعت: “يا عيد، ألا تخجل من حزني، ومن وجعي ودموعي، ومن آلام أمهاتنا في غياهب المعتقلات، ومن نحيب أمهات الشهداء الجاثيات، يلثمن تراب الوطن المعطر برائحة دماء أبنائهن، أم أنك تهت في الزمان والمكان، ولم تكن عيدًا لكل الأمهات”.

أشارت أبو سعدى إلى الأمهات التائهات في هذا العيد، وهن في “المخيمات تحت الثلج والصقيع والجوع، يحتضنّ أطفالهن، خوفًا من ظلم المتاجرين بمصيرهم، ومن الذهاب إلى بلدان اللجوء، على متن قوارب المطاط في البحار، حيث تنتظرهم أفواه القرش والأسماك”، وتتابع “أرضنا يا عيد جُبلت بدماء شعبنا، وسماؤنا تصخب وتتلاطم بأرواحهم”.

استنكرت أبو سعدى، باسم الأمهات السوريات، “التخاذل الدولي وتآمره على شعب كل ذنبه أنه طالب بالحرية”، وأكدت أن هذا العالم نسي “مبادئه وميثاقه الدولي، وكل المبادئ الإنسانية التي تغنّى بها، ولهذا تناشد الأمهات السوريات كلَّ المنظمات الحقوقية والدولية ومنظمة حقوق المرأة والطفل وحقوق الإنسان، الوقوفَ مع الشعب السوري البطل المطالب بالتحرر من الاستعباد”.


جيرون


المصدر
جيرون