إيران تطالب الأسد علنًا بتسديد الحساب



مطلع ثمانينيات القرن الماضي، طلبت إيران من نظام دمشق أن يُغلق خط النفط الذي كان يستخدمه العراق لتصدير نفطه، من أجل الضغط على بغداد إبّان الحرب؛ فلم يعترض الأسد الأب حينئذ على الفكرة، وإنما ساوم على الثمن، كي يُعوّض خسارته التي ستنجم عن إغلاق الخط العراقي، وكان له أن منحته طهران خمسة ملايين طن نفط سنويًا: أربعة ملايين طن منها بنصف الثمن العالمي ومليون طن مجاني، على أن يُسدّد نظام دمشق الثمن بعد البيع، لكن النظام أخلّ بالإنفاق، وباع النفط في روتردام، وتهرّب من دفع الثمن، فكانت هناك تسوية: أن تستقبل دمشق أربع طائرات تنقل ألفي حاج، أسبوعيًا، لزيارة (العتبات المقدسة)، وكان لإيران ما أرادت.

تطالب إيران اليوم بتسديد الفاتورة الجديدة التي تراكمت، حتى وصلت إلى ما يُقارب واحدًا وعشرين مليار دولار، ثمن وقوف إيران إلى جانب النظام، والجديد هو ما نشرته وسائل الإعلام الإيرانية على صفحاتها، وآخرها تصريحات اللواء الإيراني يحيى رحيم صفوي (المستشار العسكري لرأس الهرم الإيراني الخامنئي) الذي طالب الأسد علنًا بتسديد فاتورة حماية نظامه من السقوط وبقائه في السلطة، الأمر الذي كلّف إيران أموالًا طائلة.

قال صفوي، في أثناء ندوة في معهد الدراسات المستقبلية في العالم الإسلامي: “نحن جادون في الدفاع عن سورية وسلامة أراضيها، لكن على النظام تسديد فاتورة التكاليف”، وذلك بحسب ما نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا)، مضيفًا أن “في سورية نفطًا وغازًا ومناجم فوسفات، ويمكن لهذه الثروات الطبيعية تسديد الفاتورة المطلوبة”.

عرض صفوي إقامة اتفاقات طويلة المدى، بين إيران وسورية، لضمان تعويض ما خسرته إيران هناك، مشيرًا إلى أن المناجم السورية بدأت بتصدير الفوسفات إلى إيران فعليًا. وتابع: “لقد رغب جيران سورية في سقوط نظام الأسد، ومن بينهم الأردن و(إسرائيل) والولايات المتحدة الأميركية والسعودية، لكن تحالفنا هناك لم يسمح بسقوط النظام، كما أننا وسعنا نفوذنا في العراق”.

انتقاد صفوي ليس الأول من نوعه للنظام السوري؛ إذ سبق أن انتقد موقع (تابناك) نظام الأسد، بسبب تهميش دور إيران في مرحلة الإعمار، وطالب كذلك بعقد اتفاقات طويلة المدى، تغطي تكاليف التدخل الإيراني لصالح الأسد. كما سبق لصحيفة (قانون) الإيرانية أن وجهت النقد الحاد لرأس النظام في سورية، ووصفته بـ “الجبان ناكر الجميل”، بسبب منحه جميع الصفقات الاقتصادية الكبرى للحكومة الروسية متجاهلًا إيران.

ربما لم تلاحظ حكومة الملالي أن النفط والغاز لم يعد تحت سيطرة نظام الطاغية الذي وقفت إلى جانبه، وزودته بكل ما يمكن لقتل شعبه، وأن الثروات التي يتحدثون عنها قد أصبحت تحت السيطرة الأميركية إلى أجل غير مسمى، وما تبقى من خيرات سورية لا تكفي لتسديد جزء بسيط من الفاتورة الروسية ثمنًا للعتاد الحربي الذي شحنته موسكو لقتل الشعب السوري مستثمرةً بدماء السوريين، حالها حال إيران.

روسيا التي ما زالت تمنع الأسد من زيارة مدينة حلب، المدينة الاقتصادية والصناعية الأكبر في سورية، ليست في وارد أن تُقاسم إيران الغنائم، وعمليًا منحَت حكومة الأسد، خلال زيارة وزير خارجية النظام الأخيرة لموسكو، النسبةَ الكبرى من العقود الضخمة ذات المردود المقبول لروسيا، بل إنها فوضت روسيا بالنظر في عقود الدول الأخرى مع الحكومة السورية، وبات على أي دولة، تريد المشاركة في العقود، أن تمرّ من خلال الحكومة الروسية، لأخذ الموافقة قبل أن تُقرها حكومة دمشق.

هل بقي للأسد الابن ما يبيعه من سورية، كي يُسدد فواتير طهران؟ هل سيتنازل عن بعض الأصول السورية؟ وهل ستكتفي إيران بذلك؟ طهران التي تعيش اليوم على حافة انهيار اقتصادي تريد سدادًا سريعًا، يُنقذها من ورطتها الداخلية، بينما المواطن السوري يُكافح من أجل الكفاف فقط.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون