ظاهرة الطلاق تتعمق.. الفوضى تفكك العائلات السورية



صدرت عن “القصر العدلي” في دمشق مؤخرًا إحصائية جديدة، حول معدلات الزواج والطلاق في المدينة، حيث أكد التقرير الصادر أن نسبة الطلاق ارتفعت عام 2017 إلى 31 بالمئة، وبلغ عدد حالات الطلاق في دمشق 7703 حالة عام 2017، فيما بلغت حالات الزواج نحو 24697 حالة. ويبدو أن ارتفاع نسبة الطلاق، على هذا النحو، يشير إلى ما تركته الحرب وظلم النظام على الناس في دمشق، بل في كل سورية.

طلال المصطفى، الباحث في وحدة الأبحاث الاجتماعية، في مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة، قال لـ (جيرون): “الطلاق ظاهرة مرضيّة بشكل عام، وفي حالات خاصة قد تكون حالة صحية للزوجين، وهي موجودة تاريخيًا في كل المجتمعات، ومنها المجتمع السوري. وتتعدد أسباب هذه الظاهرة (الطلاق)، وقد اشتغل عليها الباحثون المتخصصون تاريخيًا، وتبين أن هناك أسبابًا عديدة، منها ما هو رئيسي، ومنها ما هو ثانوي، وأحيانًا تتداخل الأسباب الرئيسية بالثانوية، ومن تلك الأسباب الخيانة الزوجية، فارق العمر بين الزوجين، تدخل أهل الزوج والزوجة في حياتهم، والخلافات العائلية، عدم الانسجام الاجتماعي والنفسي بين الزوجين.. إلخ. هذا في الحالة الطبيعية، أي ما قبل الحرب في سورية، التي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا”.

أضاف: “أما الظاهرة غير الطبيعية، فهي الزيادة الكبيرة في نسبة حالات الطلاق، في فترة الحرب، وأعتقد أن هناك عوامل جديدة غير السابقة الذكر تقف وراء ارتفاع نسبة الطلاق؛ منها التشتت الأسري الكبير والتهجير القسري إلى كل دول العالم، الذي فسح المجال لحالات عديدة من الزوجات اللواتي رفضن السفر مع أزواجهن، وآثرن البقاء إلى جانب أهلهن، خوفًا من الغربة، واستفراد الزوج بالزوجة دون وجود أهلها، وعادة يكون وجود الأهل -بالنسبة إلى الزوجة- مصدر قوة للزوجة في علاقتها الزوجية. وأيضًا وجود آلاف الحالات من المفقودين والمخطوفين قسرًا من الأزواج، وعدم معرفة مصيرهم، وهو ما أدى إلى طلب العديد من الزوجات الانفصالَ، وكذلك انزياح القيم الاجتماعية التي تصبغ ظاهرة الطلاق بالعيب الاجتماعي والحرام الديني، نتيجة تفكك المجتمعات المحلية، على إثر التهجير أو اللجوء؛ ما يفسح المجال لغياب القيم الاجتماعية المحلية التي تضبط الأفراد، ضمن المنظومة القيمية الخاصة بالمجتمع المحلي”. لفت مصطفى النظر إلى “ظاهرة زواج (القاصرات) اللواتي لا يمتلكن النضج الاجتماعي النفسي الخاص بالعلاقة الزوجية؛ ما يؤدي إلى الميل إلى الرغبة في الانفصال أكثر”. ولحظ الباحث حالات طلاق حصلت نتيجة الخلافات السياسية، حول الموقف من الثورة بين الزوجين، وبين أهل الزوج وأهل الزوجة.

القاضي المستشار حسين حمادة أكد لـ (جيرون) أن “قانون الأحوال الشخصية السوري الذي ينظم حياة الأسرة المسلمة السورية، صدر عام 1953، وهو يستمد أحكامه من مبادئ الشريعة الإسلامية، وهناك قوانين خاصة تنظم حياة العائلة السورية لبقية الأديان والطوائف، ولا شك في أن تزايد ظاهرة الطلاق أمرٌ سلبي، في حياة المجتمع السوري، ولا أعتقد أن سببها هو القوانين الناظمة للأسرة السورية، سواء في مدينة دمشق أو غيرها من المدن السورية، وإنما سبب تنامي هذه الظاهرة هو الاضطراب السياسي الذي تعاني منه سورية، وانعكاس ذلك على الحياة الاجتماعية والاقتصادية؛ الأمر الذي كان له تداعيات سلبية على حياة الأسرة السورية، أدت إلى تنامي هذه الظاهرة، ولا شك في أن النظام السوري مسؤول بشكل رئيس، ليس عن تنامي هذه الظاهرة السلبية فحسب، وإنما عن تدمير سورية أرضًا وشعبًا”.

من جانب آخر، يرى الاختصاصي النفسي عبد الرحمن دقو أن ظاهرة الطلاق وارتفاع نسبتها “هي حصيلة واقع سياسي واجتماعي وديني واقتصادي مسيس مسبقًا، وبالتالي، يمكن لي القول إن اتخاذ قرار الطلاق هو بفعل العوامل السابقة، وبالتالي فإن الزوجين والأسرة هما ضحية ذلك التسييس المقصود، في ترتيب بنية المجتمع ونظمه الاجتماعية ومحددات علاقاته الزوجية”.

أضاف في حديث إلى (جيرون): “الضغوط النفسية متباينة الشدة ومتعددة المصادر، وتُعدّ السلطة هي العامل الأساس بوجودها، فقد ساهمت في تفكك الأسرة عبر الطلاق، ومن تلك الضغوط، أن يكون الزوج إما مقاتلًا أو عسكريًا، معتقلًا أو مفقودًا أو مخطوفًا، لاجئًا أو نازحًا، إضافة إلى القلق الناجم عن الحاجة إلى الأمن والأمان، خوفًا من بطش وإجرام الأجهزة الأمنية، أو المجموعات التي تقتات على لحوم البشر، خلال الأزمات والنكبات، وكل ذلك مما يدفع إلى طلب الطلاق والزواج، بمن يوفر تلك الاحتياجات، بفعل غياب أحد الزوجين، كما أن هناك حاجات إلى الإصغاء والدعم النفسي وتربية الأطفال وتعليمهم، في ظل تشرذم الأسرة وعيشها منفصلة في بقاع الأرض”.

إن طبيعة الحرب الدائرة في سورية، وقد اتخذ فيها النظام الأمني في سورية أساليب العسكرة والعنف، من قتل وتدمير واعتقال وإخفاء وترهيب مريع، أدت إلى تغيرات كان أهمها، على مستوى الأسرة، نشوء جيل من الأطفال المحرومين من العيش في أسرة فيها أم وأب، سواء بفعل موت أحدهما أو فقدانه أو موته أو هروبه ولجوئه، أو غير ذلك من الأسباب.

كما أن لحالة الفوضى التي انتشرت في سورية دورًا، في العبث بمستوى الالتزام الأخلاقي والروحي والقانوني، تلك الضوابط المحددة للسلوك والتي تساهم في بنية اجتماعية متماسكة. وأعتقد أن هذه الظاهرة ستنخفض نسبتها، بزوال مسبباتها والعوامل التي أدت إليها، وبعودة الحياة الطبيعية إلى الشعب السوري، ضمن دولة يسودها القانون وتكون ذات مؤسسات فاعلة ديمقراطية، توفر عوامل العيش الكريم لأبنائها.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون