مبادرة تركية قطرية تحفظ بذور القمح السوري من الاندثار



أعلنت تركيا، أول أمس الخميس، أنها أطلقت، بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري، مشروعًا يهدف إلى الحفاظ على الأصول الوراثية لأصناف القمح السوري، وحمايتها من الاندثار. وبحسب (الأناضول)، فقد خصصت الحكومة التركية من أجل هذا الأمر مساحات في قضاء (أقجة قلعة)، في ولاية شانلي أورفا، تحت إشراف معهد الأبحاث الزراعية، بمشروع (تنمية جنوب شرقي الأناضول).

قال مدير المركز إبراهيم خليل جتينر: إن “الكثير من النباتات باتت عرضة للاختفاء في سورية، وإن الأنشطة الزراعية وصلت إلى نقطة التوقف”، وأكد أن هناك “أكثر من 20 صنف قمح على وشك الاندثار، بسبب الأزمة”، وهذا ما دفع تركيا “إلى التحرك سعيًا للتخفيف من عواقب الأزمة على مستقبل البلد الجار”.

يسعى المشروع حاليًا لزراعة “17 صنفًا من القمح السوري، بهدف حمايتها والإبقاء على فرص إعادة زراعتها في سورية، مستقبلًا”، ويعمل أيضًا على “تحقيق زيادة الإنتاج وتوزيعها داخل سورية التي دمّرت الحرب معظم أراضيها الزراعية”. لفت جتينر النظر إلى أن سورية “تحتضن نحو 24 صنفًا من القمح، وأنه سيتم جلب بذور من بقية الأصناف، في إطار المشروع ذاته”.

أضاف جتينر أن المركز التركي، بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري، أحضر تلك الأصناف الـ 17 من القمح المهددة بالاختفاء، منها 9 أصناف خاصة لصناعة المعكرونة، و8 أصناف لصناعة الخبز”، وقد اعتمد المكان في قضاء (أقجة قلعة)، “لتشابه خواص أراضيه الزراعية مع تلك الأصلية، كونه محاذيًا للحدود مع سورية”.

المهندس سامر كعكرلي، مدير عام اتحاد الغرف الزراعية الأسبق في سورية، ومدير الاستثمار السابق في وزارة الزراعة، قال في حديث إلى (جيرون): “إن هذه الخطوة مهمة جدًا للحفاظ على تلك الثروة التي تمتلكها سورية، والتي أهدرها نظام الأسد، ليس في أثناء الحرب فقط، بل طوال 50 عامًا، عمد خلالها إلى الاستهتار بحفظ الأصول الوراثية لكثير من النباتات المهمة”.

أوضح كعكرلي أن في سورية نوعين أساسيين من القمح: القمح الطري الذي يُستخدم بشكل أساسي في صناعة الخبز الأبيض، والقمح القاسي وهو القمح السوري الحوراني الذي يتمتع بصفات وراثية عالية، ويتميز بنسبة رطوبة منخفضة 8 – 11 بالمئة، ونسبة مرتفعة من البروتين، ما يعطيه قيمة غذائية عالية، ويتمتع بميزة سهولة النقل والتخزين والتصنيع، وهذان النوعان تندرج تحتهما أصناف القمح المختلفة”.

تعود أهمية القمح السوري -بحسب كعكرلي- إلى “امتلاكه صفات فريدة، من حيث القساوة والبلورية للحبوب، ونواة صلبة توفر له خصوصية في أسواق القمح العالمية”، وهذا مهم للصناعات الغذائية كصناعة “المعكرونة والسميد، وغيرها من المنتجات”.

لفت كعكرلي إلى أن إقامة “بنك وراثي” للمحافظة على هذه الأصناف، سيكون له فوائد كبيرة لسورية بالمستقبل، وخاصة أن “آلة حرب النظام لم تترك شيئًا لم تفسده حتى المحاصيل الزراعية، وقد شاهدنا كيف كان النظام يمنع المزارعين من الوصول إلى محاصيلهم، كما أنه تسبب بحرق كثير من المحاصيل، في أكثر من منطقة: أرياف حماة وإدلب ودرعا وغيرها”، وتابع: “إن نظام الأسد استخدم المحاصيل كسلاح ضد الشعب، ومنها القمح بشكل رئيس، وكانت إحدى وسائله بالعقاب الجماعي للمواطنين، ولم يحرص عليها لا كغذاء ولا كثروة وطنية”.

أشار كعكرلي إلى أن سورية “عُرفت منذ القدم بأنها (مستودع القمح) في الإمبراطوريات القديمة، ويُنسب الفضل في هذه الإنتاجية العالية إلى الإنسان السوري الذي عُرف عبر التاريخ بنشاطه وعمله الدؤوب لزيادة إنتاجيته”، وهذه الخطوة التركية لها “قيمة على الصعيد الاقتصادي والحضاري أيضًا”، وتمنى أن تشمل بقية الأصناف والمحاصيل الزراعية السورية، مثل “العدس والحمص والفول والذرة والشعير وغيرها”.

تمنى كعكرلي على المركز التركي “الإفادة من الخبرات والكوادر السورية الموجودة في تركيا، فهناك عدد من المهندسين الزراعيين السوريين، لهم خبرات في ظروف وطرق تنمية تلك المحاصيل واحتياجاتها”، ولعل تثبيت “الخارطة الوراثية لأصناف القمح السوري ستُثبت هوية هذا المحصول المهم، فالدول تدفع الكثير لتثبيت الأصول الوراثية للنباتات بكافة أنواعها، وكذلك للثروة الحيوانية”.

لن يتوانى نظام الأسد الذي استقدم المحتل والميليشيات الغريبة إلى سورية، ودمّر المجتمع والمدن والاقتصاد السوري، وعملت عناصره على نهب الآثار والثروات وتهريبها، عن هدم واستباحة كل شيء، حتى النباتات ومنها القمح كمحصول استراتيجي، في بلدٍ عُرف إنسانه بأنه أول من زرع الأرض وأنتج المحاصيل. وإنّ حفظ الأصول الوراثية لتلك الثروات النباتية هو بأهمية حفظ الآثار والتراث والثقافة، فكل له قيمته في الدول التي تستند إدارتها إلى مؤسسات وطنية سليمة. (ح.ق)


جيرون


المصدر
جيرون