بين مطرقة التكفيريين والمتطرفين وسندان الاحتلال والاستبداد



سبع سنوات مضت على الثورة السورية، والحلم الثوري السوري يبدو أبعد من أي وقت مضى، كيف لا وسورية والسوريون يرزحون اليوم تحت رحمة المتطرفين الإثنيين والعرقيين، وتحت رحمة قوى الاحتلال المتعددة الأسدية منها والخارجية. هذه القوى المتحالفة والمتوافقة على قتل الثورة السورية والسوريين، كي لا يعاودوا الصراخ والمسار الثوري، فهم يعلمون أن الثورة باقية طالما هناك سوريون أحرار ووطنيون، واستمرار الثورة السورية سينهي أحلام ومصالح جميع هذه القوى في سورية، بل إن عودة الثورة السورية لمسارها الصحيح والواضح سيحمل في طياته احتمالات كبيرة لتفجر الثورات، في غالبية الدول المحتلة لسورية اليوم.

لا ينطلق الصمت الدولي من العجز عن التدخل، أو من تعدد الأولويات الدولية وتباينها، بل ينطلق من الحقيقة الوحيدة المثبتة عمليًا في سورية، وهي حتمية إفشال الثورة والقضاء عليها، على اعتباره الطريق الوحيد لتأبيد قوى الاحتلال والاستبداد والتخلف، واستمرار الهيمنة والسيطرة الدولية والإقليمية. وهو ما احتاج إلى تكريس سيطرة القوى الجهادية والمتطرفة، إثنيًا وعرقيًا، على مجمل الأراضي السورية، كي تفتح الباب واسعًا أمام جميع قوى الاحتلال والاستبداد، لتمضي قدمًا في حربها الشعواء والمستعرة على السوريين وعلى ثورتهم المغدورة.

فبعد مضي عدة سنوات على دعم سيطرة القوى العنصرية والاستبدادية داخل البلدات السورية، كسيطرة PYD في عفرين ومحيطها بدعم أميركي، أو سيطرة الجهاديين والمتطرفين في الغوطة الشرقية كـ “النصرة” و”جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن”.. إلخ، بدعمٍ تركي وخليجي؛ نشهد اليوم صمت الداعمين على إجرام المحتلين، حيث تصمت أميركا عن التدخل التركي السافر في محيط عفرين، تمامًا كما تصمت دول العالم أجمع، مرورًا بتركيا والدول العربية والخليجية، عن المجزرة الروسية والأسدية في الغوطة. في المقابل، نشهد غضبًا شعبيًا من حجم المجازر المرتكبة بحق السوريين، فضلًا عن غضب شعبي معلن أحيانًا، ومكبوت أحيانًا أخرى، على جميع قوى الاستبداد والعنصرية المسيطرة على الأرض السورية، والتي ساهمت ممارساتها وسياساتها القمعية خصوصًا، والإرهابية عمومًا، في تأجيج وقائع المجزرة السورية وإطالة زمنها.

فلا حدود زمانية أو مكانية واضحة للمجزرة حتى لو شهدنا قريبًا وقفًا لجميع الأعمال القتالية، عبر تنفيذ القرار الأممي رقم 2401، أو عبر إعادة تفعيل مناطق “خفض التصعيد” المتفق عليها في أستانا، أو عبر اتفاقات دولية وإقليمية جديدة. وأيًّا كان السبب السياسي والإعلامي الكامن خلف وقف المقتلة السورية مؤقتًا؛ فإنه سيبقى مجرد لعبة إعلامية وسياسية لامتصاص الغضب والاحتقان الشعبي السوري والعالمي الراهن، قبل عودة آلة الإجرام والقتل للدوران وبقوة أكبر، سواء في تلك المناطق أو في مناطق جديدة، كجنوب سورية وحماة وإدلب، وأرياف حلب وحماة وحمص ودير الزور.. حيث تطول قائمة المناطق والبلدات السورية المعرضة لخطر المجازر حتى يصعب استثناء أي منها، بما فيها بعض المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، عاجلًا أم آجلًا.

لذا، ومن أجل الوصول إلى وقف دائم للمجزرة السورية؛ لا بد من موقف واحد وثابت وحاسم، من جميع قوى الاحتلال والاستبداد والقمع الأسدية والدينية والعرقية والخارجية دون تمايز فيما بينها، فنحن في مرحلة تتطلب منا التصدي لهم جميعًا، من دون مراوغة أو تأجيل. فقد أثبتت الأيام والوقائع السورية خطأ دعوات توحيد الجهود على إحدى المخاطر، مع إهمال البقية أو تأجيلها إلى مرحلة لاحقة، كتأجيل التصدي للقوى المتطرفة والأصولية، من أجل حشد جميع الجهود، حتى جهود المتطرفين والأصوليين، لمواجهة الأسد والقوات الحليفة معه، أو تأجيل التصدي لقوى الاحتلال الأخرى، حتى الخلاص من المتشددين والعنصريين الإثنيين والعرقيين، ومن ضمنهم القوى المحسوبة على الإيرانيين، والتي تنطلق غالبيتها من قاعدة “عدو عدوي صديقي”، وقد أوضحت تفاصيل الحالة السورية أن الثورة السورية هي العدو الوحيد المشترك بين جميع هذه القوى والأطراف والجهات. الأمر الذي يفرض على الثورة وعلى السوريين الانتقال، من اللهاث خلف أوهام الحلول الآنية والسريعة لوقف المجزرة في هذه البلدة أو تلك، والتي يثبت فشلها سريعًا بعودة آلة القتل والإجرام للدوران، إلى الخيار الأصعب والأطول زمنيًا، والمتمثل بضرورة التصدي والمواجهة الإعلامية والسياسية (والعسكرية إن أمكن) لجميع القوى والجهات المذكورة سابقًا، والمسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن المجزرة السورية ككل.

حيث لا مجال للاستمرار في زرع الأوهام والأكاذيب في نفوس وأفكار السوريين، من قبيل التعويل على إنسانية المجتمع الدولي، أو التعويل على موقف دولي حازم وجاد من استمرار المجزرة الأسدية والروسية، أو على تناقض المصالح الروسية والأميركية، أو تناقض المصالح الروسية والتركية، والإيرانية والأوروبية، أو من الاعتماد على موقف إقليمي ودولي ينهي سيطرة وتحكم الجهاديين والمتطرفين الدينيين والعرقيين، فقد باتت الصورة واضحة لنا جميعًا، صورة لا لبس فيها: إنهم جميعًا يسعون خلف مصالحهم الفردية والضيقة القائمة في سورية والمرتبطة بها.

فقد تتعارض مصالحهم كثيرًا فيما بينها، إلا أن مصدر الخطر الأساس والأبرز عليها يأتي من عودة الثورة السورية إلى مسارها الصحيح، فقد تحمل في طياتها بذور التمدد الثوري لداخل دول الاحتلال ذاتها، إلى درجة قد يصعب على أي طرف دولي أو إقليمي أو محلي حصارها، والسيطرة عليها لاحقًا.

وعلى ذلك؛ لم تعد الثورة السورية مجرد تعبير عن إرادة السوريين، في الانتقال من حياة الذل والهوان والاستعباد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلى حياة الحرية والعدالة والمساواة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فقط، بل إن الثورة السورية الحقيقية، لا المزعومة في بعض بيانات ومواقف المجتمع الدولي، وبعض قوى الاحتلال وبعض الفصائل والقوى العسكرية الإسلامية والكردية، هي حلّ السوريين الوحيد لوقف آلة القتل والإجرام والاستبداد الأسدية والتكفيرية والتركية والإيرانية… إلخ، فضلًا عن كونها الحامل الوحيد والحصري لأحلام وآمال السوريين التي باتت اليوم طي النسيان، نتيجة لمدى وحشية وفظاعة وبشاعة وقائع قتل السوريين.


حيّان جابر


المصدر
جيرون