نيو يورك تايمز: تركيا الجريئة تندفع عميقًا في سورية، لكن المخاطر تكثر



جنود أتراك في عفرين، شمال غرب سورية، بعد سيطرتهم على المدينة في نهاية الأسبوع الماضي. تصوير عمر حاج قدور/ وكالة الصحافة الفرنسية –صور جيتي

بعد شهرين من القتال الملتبَس؛ تبدو تركيا فجأة واثقة وناجحة في حملتها العسكرية للسيطرة على جزء كبير من شمال سورية. على طول الحدود، المرصوفة بأزهار الربيع والفستق الحلبي وكروم الزيتون، صمتت مؤخرًا المدفعية والطائرات المقاتلة، التي كانت تدكّ التلال حتى وقت قريب، منذ أن استولت القوات التركية على منطقة عفرين، في نهاية الأسبوع الماضي.

لقد تم الاحتفال بهذا الانتصار على نطاقٍ واسع في تركيا، كما شجع الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تعهد بالقيام بحملته في كل شمال سورية، وحتى إلى العراق. ومع ذلك، فإن الطريق أمام تركيا في سورية غير مؤكد ومحفوف بالمخاطر.

لقد تم التغاضي حتى الآن عن الانتهاكات العميقة لتركيا وحلفائها، من قبل القوتين اللتين تسيطران على المجال الجوي السوري: روسيا والولايات المتحدة. لكن قد تواجه تركيا مقاومةً؛ إذا ما تمادت أبعد من ذلك بكثير.

هناك كل الخطر من أن تركيا، التي لديها تاريخ غير مشرف في تعاملها مع سكانها الأكراد، يمكن أن تجد نفسها متورطةً في حرب عصاباتٍ في سورية، وهي امتدادٌ لمعركة عمرها عقود ضد التمرد الكردي في الداخل، بقيادة (حزب العمال الكردستاني).

قال أوزغور أونلوهيسارجيكلي، مدير في تركيا لصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة: “عفرين ليست منطقة سهلة القيادة بالنسبة إلى تركيا، ليس فقط لأن غالبية السكان هناك من الأكراد، ولكن لأن جزءًا مهمًا من السكان يتعاطف مع (حزب العمال الكردستاني)”.

5

متمردون سوريون مدعومون من تركيا ينهبون المتاجر، بعد سيطرتهم على عفرين. بولنت كيليج/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور جيتي.

حتى نشوة الأتراك التي أحاطت بفوزهم المفاجئ في عفرين، سرعان ما خفت حدّتها نتيجة للفوضى التي أعقبت المعركة.

ما إن دخل وكلاء تركيا إلى الميدان، واستولى (الجيش السوري الحر) على مدينة عفرين، حتى اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو والرسائل التي تصور النهب من قبل مقاتليه.

البيئة لا تزال غير مستقرة. حيث أسفر انفجار شاحنةٍ مزروعة في عفرين عن مقتل سبعة مدنيين وأربعة من جنود (الجيش السوري الحر) هذا الأسبوع، من بينهم صحفي سوري، حسب لجنة حماية الصحفيين. ومع ذلك، فإن سقوط عفرين قد وضّح أكثر أن تركيا وحلفاءها يجب أن يُؤخذوا بالحسبان في أي مفاوضاتٍ، قد تؤدي في النهاية إلى إنهاء الصراع المستمر منذ سبع سنوات.

“لقد أصبحت تركيا و(الجيش السوري الحر) قوة لا يمكن تجاهلها في سورية”، كما قال السيد أونلوهيسارجيكلي، بإشارةٍ إلى (الجيش السوري الحر).

إن التورط/ الاشتراك العميق يضع تركيا في وسط المعركة بين حكومة الرئيس بشار الأسد في سورية، المدعومة من روسيا، والجماعات المتمردة المصممة على إزاحته عن السلطة. حيث تدعم الولايات المتحدة بعضًا من هذه الجماعات المتمردة، ولكنها تعارض بشدة تركيا ووكلائها.

نساء كرديات سوريات في مدينة القامشلي، شمال شرق البلاد، يبكين مقاتلي (وحدات حماية الشعب) الذين قُتلوا في معركة عفرين. ديليل سليمان/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور جيتي.

يغير استعادة عفرين الأشياء على الأرض، ويفتح حلقة وصل بين أجزاء من شمال سورية، حيث تحافظ القوات التركية على وجودها، مع محافظة إدلب الغربية التي يسيطر عليها المتمردون، حيث تقوم تركيا بتوسيع وجودها على نحو مطرد.

يعيش نحو مليوني شخص في إدلب، نصفهم نازحون من أماكن أخرى من سورية، ويتعرضون لهجومٍ يومي من الغارات الجوية الحكومية السورية والروسية.

تسيطر الجماعات الإسلامية المتطرفة على المعارضة، وتضغط روسيا على تركيا لاحتواء المتمردين، لكن تركيا كانت مترددة حتى الآن، في مواجهة الفصيل الأقوى بينهم، وهو الجماعة المرتبطة بالقاعدة: (تحرير الشام).

في غمرة النجاح، أطلق حليفها (الجيش السوري الحر) الهجومَ باتجاه الشرق من عفرين، ومن ثم إلى مدينة منبج. على طول الطريق، هناك مجموعة من 15 قرية عربية، شارك العديد من مقاتلي (الجيش السوري الحر) منها، في العملية.

رجال سوريون في كفر بطيخ، محافظة إدلب، يوم الأربعاء بعد غارة جوية قاتلة. تصوير عمر حاج قدور/ وكالة الصحافة الفرنسية- صور جيتي

وتسيطر الآن على تلك القرى الجماعة الكردية التي طُردت من عفرين، والمعروفة باسم (وحدات حماية الشعب)، والتي دعمتها الولايات المتحدة لمحاربة (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش).

وكما قال سنان أولجن، رئيس مركز دراسات السياسة الاقتصادية الخارجية في إسطنبول: “السؤال هو هل يمكن تسوية الأمر عن طريق التفاوض مع الولايات المتحدة؟”.

يقول المسؤولون الأتراك إنهم وافقوا على الخطوط العريضة لخطة عملٍ مع الأميركيين، بخصوص انسحاب (وحدات حماية الشعب) إلى الشرق من نهر الفرات. وقد يسمح ذلك لتركيا والولايات المتحدة بالقيام بعملية مشتركة في منبج، ولتجنب المواجهة بين حليفي (الناتو).

ولكن السيد أولجن قال: إن الولايات المتحدة كانت ترسل إشارات متضاربة، حيث تعمل وزارة الخارجية على حلٍّ وسط، بينما يقاوم البنتاغون والقادة الأميركيون في المنطقة أي تحركات ضد (وحدات حماية الشعب). يمكن للاتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا حول منبج أن يبشر بعهدٍ جديد من التعاون بينهما في سورية، بعد تصاعد التوترات.

مخيم الهلال الاحمر في جرابلس. أصبحت المدينة الحدودية واجهة لجهود تركيا لتأمين المناطق التي يمكن للسوريين العودة إليها وإعادة بناء حياتهم.

قال السيد أونلوهيسارجيكلي: “إن منبج مهمةٌ لإعادة الثقة بين الولايات المتحدة وتركيا، وإذا تم التوصل إلى اتفاقٍ مع الولايات المتحدة بشأن منبج؛ فسيكون لذلك تأثير كبير على العلاقات التركية الأميركية”.

يبدو أن السيد أردوغان يشير إلى أنه مستعدٌ للعمل مع الولايات المتحدة، في خطةٍ مشتركة لتأمين المدينة والمنطقة. إذ قال أردوغان يوم الثلاثاء 20 آذار/ مارس، في اجتماعٍ أسبوعي للمشرعين من حزبه: “إذا كنتم شركاء استراتيجيين معنا؛ فعليكم أن تظهروا لنا الاحترام وتساعدونا”. كما أنه أصرَّ على أن هدف تركيا هو تأمين المناطق التي يستطيع فيها مئات الآلاف من النازحين السوريين (الذين يعيش الكثير منهم الآن في تركيا) العودةَ، وإدارة حياتهم الخاصة.

ومن بين استعراضات هذا المسعى، مدينة جرابلس التي تبعد نحو 100 ميل شرق عفرين، والتي تعدّها تركيا قدوةً لعفرين. وحرصًا على إظهار إدارتها الناجحة لمناطق شمال سورية الواقعة تحت الحماية التركية، رتبت الحكومة التركية زيارةً نادرة لصحفيين من (نيويورك تايمز).

صورة للرئيس رجب طيب أردوغان في مستشفى جرابلس. تصوير إيليف نجيوكيكتنجي لصحيفة (نيويورك تايمز)

بعد تحريرها من (داعش) في عام 2016، يدير جرابلس الآن مجلس محلي سوري من المعلمين والمهندسين، الذين شارك معظمهم في الانتفاضة الأولى ضد حكومة الأسد.

يعمل أحد الموظفين الأتراك، الدكتور يسار أكسانيار، نائبًا لرئيس المجلس، حيث يقوم بتنسيق إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، بينما يوفر الجيش التركي، إلى جانب (الجيش السوري الحر)، الأمن. حيث قال: “المجلس المحلي يتخذ القرارات، لكننا نقدم الخبرة”. وأضاف، وهو طبيب ومسؤول الشؤون الإنسانية: إن التحدي الرئيس هو البنية التحتية، ونقص الخدمات الحكومية مثل المياه والكهرباء، وإن أولويته هي مساعدة الفئات المحرومة.

تضخمت المدينة الحدودية الصغيرة لتضم أكثر من ضعف سكانها الأصليين، مع نزوح أشخاص من جميع أنحاء سورية، حيث لا تذهب المساعدة التركية إلى أبعد من ذلك. كما شكا الناس، في مخيمٍ مؤقت، من أنهم لم يتلقوا أي مساعدةٍ منذ أشهر. ولكن بمساعدة تركيا، فتحت الإدارة مستشفى، وأكثر من 100 مدرسة. المدينة مزدحمة بالتجارة، والبناء في كل شارع.

بعض السوريين، وكذلك الأتراك، يدينون وجود الجيش التركي في سورية، ويعدّونه ممارسةً استعمارية. لكن الوجود التركي سمح للمعارضين لحكومة الأسد بالعيش بحرية من دون تهديد بالتفجيرات.

قال الكثيرون منهم إن جرابلس اليوم أفضل من حالة القمع التي عانت منها في ظل حكومة الأسد أو الإسلاميين المتطرفين، ومن التجنيد الإلزامي القسري لجماعة (وحدات حماية الشعب) في المناطق التي تسيطر عليها.

تقدم أحد الرجال، صالح خضر، وهو طبيب من مدينة دير الزور الجنوبية، بين الحشد، وقاطع نائب الحاكم ليخاطب زواره، وقال: “لقد عشت في جميع المناطق السورية تقريبًا، في ظل (داعش)، و(قوات سورية الديمقراطية)، والآن هنا، ويود 90 في المئة من السوريين أن يأتوا إلى هنا لو أتيحت لهم الفرصة للعيش في هذه المنطقة”. فهو قد دفع للمهربين، وسافر لمدة 15 يومًا من الجنوب مع عائلته للوصول إلى جرابلس. وقال: “جئت من أجل الأمن، وثانيًا من أجل المدارس، وثالثًا، إنها فرصة عمل، إنها آمنة، ولديك حرية التعبير فيها”.

اسم المقالة الأصلي Emboldened Turkey Pushes Deeper Into Syria, but Risks Abound الكاتب كارلوتا غول، CARLOTTA GALL مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 22/3 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2018/03/22/world/middleeast/turkey-syria-afrin.html عدد الكلمات 1077 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون