النظام يكرر بالغوطة الشرقية ما فعله بـ"مناطق المصالحات".. قواته تُجبر شباناً على القتال بصفوفها



السورية نت - مراد الشامي

يكرر نظام بشار الأسد في الغوطة الشرقية، السيناريو ذاته الذي طبقه على المدنيين الذين فضلوا البقاء في بلداتهم ومدنهم بريف دمشق عن التهجير إلى الشمال السوري، وبدأت قواته أولى خطواتها بإجبار شبابٍ في الغوطة على القتال عنوة لصالح النظام.

وتنتشر قوات الأسد حالياً في 90 % من الغوطة الشرقية، بعد حصار النظام لها لسنوات، وقصفها  بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة وتجويع أهلها، وحتى الآن لا تزال مدينة دوما هي المعقل الأخير للمعارضة في الغوطة الشرقية الواقعة قرب دمشق.

وبعد دخول النظام إلى مدن وبلدات الغوطة عقب تهجير عشرات الآلاف من سكانها وخروج مقاتلي المعارضة منها، يعيش المدنيون الذين بقوا في مناطقهم جحيماً آخر، فمصيرهم مجهول أمام عمليات الانتقام الواسعة التي قد يتعرضون لها.

تجنيد قسري

الناشط من الغوطة الشرقية أنس أبو أيمن أكد في تصريح لـ"السورية نت"، مساء اليوم الإثنين، أن قوات الأسد بدأت في اعتقال شبانٍ في الغوطة تمهيداً لإجبارهم على الانضمام لصفوف قوات الأسد.

وقال أنس وهو واحد من الناشطين الذين قرروا الخروج إلى إدلب، إن أهالي في كفربطنا قالوا إن النظام اعتقل 120 شاباً من سقبا، وحمورية، وكفربطنا، واقتادهم جميعاً إلى كتيبة الأفتريس بريف دمشق.

وأضاف أنس أن ضباطاً من قوات الأسد أخبروا الأهالي أن الشباب المعتقلين سيخضعون لدروة عسكرية تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، تمهيداً لزجهم في المعارك التي سيخوضها النظام، مشيراً أن الأخير يحتاج للشباب الذين بقوا في الغوطة الشرقية كي يقاتلوا معه، وقال إن المُتسهدفين في حملة التجنيد الإجباري كل من يتراوح عمره بين 18 و40 عاماً.

وتحدث أنس لـ"السورية نت" عن معلومات قال إن مهجرين موجودين في مراكز الإيواء التي أقامها النظام لهم تداولوها، وتفيد بأن الأمن العسكري بدأ يُسجل أسماء شباب موجودين في تلك المراكز لسحبهم لاحقاً إلى القطع العسكرية.

ولفت إلى أن النظام منع بشكل شبه كامل الاتصالات عن المُهجرين الموجودين في مراكز الإيواء، كما يمنعهم من الدخول أو الخروج.

ويُمثل إجبار النظام للشباب المتبقين في الغوطة على القتال في صفوفه خرقاً واضحاً للاتفاق الذي أعلن "فيلق الرحمن" عن التوصل إليه مع الروس، والذي نص في أحد بنوده على "ضمان عدم ملاحقة أي من المدنيين الراغبين بالبقاء في الغوطة من قبل النظام أو حلفائه".

وفي تعليقه على ذلك، هاجم أنس في تصريحه لـ"السورية نت" الاتفاق الذي أبرمه الفيلق، وتساءل "كيف نعتبره اتفاقاً وقد أفضى إلى تهجير الناس من مناطقهم؟، هذا الاتفاق غير مرضي للذين قال فيلق الرحمن إنه يمثلهم".

وفي رواية مشابهة لما ذكره الناشط أنس، قالت صحيفة "التايمز" البريطانية إن أشخاصاً بقوا في الغوطة الشرقية قالوا لأقاربهم وأصدقائهم إن قوات الأسد قسمت المدنيين في الغوطة إلى مجموعات للرجال، ومجموعات للنساء والأطفال، في خطوة تمهيدية لإجبار الشباب على القتال بصفوف النظام.

ونقلت الصحيفة عن "أبو رعد" الذي يعيش الآن في ألمانيا وهو من الغوطة الشرقية، قوله إنه تحدث إلى أقاربه هناك، وقالوا إن رجالاً ظلوا في الغوطة يمكثون حالياً في نقاط التوزيع العسكرية، وأضاف أنه "لا يُسمح للشباب بالتحرك من مراكز الإيواء حتى يحصلوا على دفتر الخدمة العسكرية".

وفي ذات السياق، نقلت صحيفة "بيلد" الألمانية عن المصور فراس عبدالله، الموجود في مدينة عربين، إحدى مدن الغوطة الشرقية، قوله إن "العديد من الرجال الذين انفصلوا عن عائلاتهم، يُجبرون على الالتحاق بالصفوف الأمامية لقوات النظام حتى يقاتلون لصالح الأسد، على الرغم من أنهم من معارضيه، وأما الذين يرفضون القتال لصالح النظام، فيكون مصيرهم التعذيب، وفي أسوأ الأحوال القتل".

تكرارٌ لما جرى في معضمية الشام

وما يفعله نظام الأسد مع من تبقى بالغوطة الشرقية، هو ذاته الذي حصل لشبانٍ رفضوا الخروج من معضمية الشام في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، عقب توصل النظام إلى "اتفاق مصالحة" مع فصائل المعارضة التي كانت تسيطر على المدينة آنذاك.

وخرق النظام الاتفاق الذي نص على عدم التعرض للمدنيين، واعتقل عدداً من الشباب وأجبرهم على القتال في صفوف قوات الأسد، بحسب ما أكده تقرير سابق لوكالة رويترز استند إلى شهادات من سكان المعضمية.

ومن بين الذين تحدثوا للوكالة مقاتل رفض الكشف عن اسمه، وقال إن المنشقين من المعضمية تم إرسالهم إلى الجبهات في انتهاك لوعود شفهية نقلها إليهم أعضاء لجنة المصالحة المحلية التي تضم مسؤولين ووجهاء من البلدة.

وفي تصريح سابق له، قال وزير المصالحة الوطنية التابع لنظام الأسد علي حيدر رداً على أسئلة أن "العديد من المسلحين الذين تمت تسوية أوضاعهم في داريا والغوطة وقدسيا والمعضمية وسابقاً في مدينة حمص والقنيطرة ودرعا التحقوا بالخدمة العسكرية أو انضموا للقوات الرديفة وسقط منهم شهداء في جبهات القتال ضد الإرهاب". على حد زعمه.

وتكرر الأمر ذاته مع عدد من المناطق الأخرى التي توصل فيها النظام إلى "اتفاق مصالحة" مع قوات المعارضة، كما تعرض مدنيون ظلوا في مناطقهم إلى الاعتقال وما يزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن.

أوضاع المُهجرين في مراكز الإيواء

وليس حال المُهجرين قسرياً من الغوطة الشرقية بأفضل حال في أماكن الإيواء التي نقلهم إليها النظام، وأمس الأحد قالت الناشطة الإعلامية "فيفان روشان" في تصريح لـ"السورية نت" إن أشكال المدنيين في مراكز الإيواء محزنة للغاية، مشيرةً أن بعضهم كانت العظام بارزة على أجسادهم الهزيلة، والرعب يملئ عيونهم، وأكثر ما يقلقهم المصير المجهول الذي خرجوا إليه.

وأضافت روشان أن أن قوات نظام الأسد تمنع لقاء المهجرين داخل مراكز الإيواء بعائلاتهم القادمة من دمشق لرؤيتهم ومساعدتهم.

ويتوزع معظم مهجري الغوطة في مركزين رئيسيين، الدوير قرب عدرا، وفي منطقة حرجلة قرب الكسوة بريف دمشق، وحصلت "السورية نت" على معلومات عن الأوضاع المزرية لعشرات آلاف المُهجرين.

ووسط هذه المعاناة الإنسانية، وجد عناصر في قوات الأسد فرصة لاستغلال معاناة المُهجرين وحاجة عائلاتهم لإخراجهم من الأوضاع السيئة التي يعيشون فيها، وطلبوا رشاوى بمبالغ ضخمة جداً للسماح لبعض المهجرين بالخروج نحو دمشق، وفقاً لما قاله ناشطو مكتب دمشق الإعلامي لـ"السورية نت".

وانتشرت خلال الأيام الثلاثة الماضية صور من داخل مراكز إيواء، وأماكن تجميع المُهجرين قبل نقلهم إلى أماكن إقامتهم الجديدة، وأظهرت الصور إحاطة المُهجرين بأعداد كبيرة من عناصر قوات الأسد، وقد بدا عليهم التعب والإنهاك.

ويشار إلى أنه في وقت سابق أكد الممثل المقيم لأنشطة الأمم المتحدة في سوريا علي الزعتري أن الوضع مأساوي في مراكز الإيواء التي خصصها نظام الأسد للفارين من الحملة العسكرية التي يشنها بدعم روسي في الغوطة الشرقية.

وقال الزعتري غداة جولته على عدد من مراكز الإيواء في ريف دمشق: "لو كنت مواطناً لما قبلت بأن أبقى في (مركز إيواء) عدرا لخمس دقائق بسبب الوضع المأساوي"، مضيفاً: "صحيح أن الناس هربوا من قتال وخوف وعدم أمن، لكنهم ألقوا بأنفسهم في مكان لا يجدون فيه مكاناً للاستحمام".

اقرأ أيضا: قوات النظام تعدم مدنيين بالغوطة الشرقية وتعتقل آخرين بعد دخولها سقبا




المصدر