انتخابات حقيقية في الغوطة



لأول مرة منذ العام 1970، تجري انتخابات حقيقية في سورية، انتخابات بلا تزوير ولا صناديق (البادية)، هي انتخابات عكسية، حيث أتاح العالم (المتحضر) للأسد فرصة انتخاب شعبه، يبدو الأمر غريبًا أو ربما غير مفهوم، على الرغم من أن مندوب إيران في سورية “بشار الأسد” قد شرح ذلك مِرارًا، وأوضح أنه في طريقه لإيجاد شعب متجانس، شعب يقبل الذل والمهانة ويوافق على الجريمة، بل يحتفل ابتهاجًا بها.

صناديق الاقتراع كانت الباصات الخضراء، وكل من رفض البقاء، تحت سلطة القنصل الروسي الفخري بشار الأسد، ركب هذه الباصات. من كهوف الموت والحصار إلى كهوف التشرد، مرورًا (ترانزيت) بالأراضي الروسية والإيرانية. تَرَكُوا أرضهم وبيوتهم وأملاكهم وجثث قتلاهم تحت الأنقاض، وأدلوا بأصواتهم، بكل جرأة وشجاعة، في الباصات الخضراء، بعذابات ودماء سبع عجاف، كتبوا على أوراق الانتخابات: نعم للتشرد ولا للأسد، هل هناك أوضح من هكذا انتخابات؟

انتخابات ليست بحاجة إلى مراقبين دوليين ولا موفدين أمميين، وما فتئ وزير الخارجية الروسي يتبجح بأن الشأن السوري قرار للسوريين، وأن مصير الأسد يقرره الشعب السوري، وروسيا اليومَ هي الطرف الوحيد المنفذ والمشرف والضامن على انتخابات الغوطة، ومركز حميميم هو من يحصي الأصوات بل يعلنها، مع كل تصويت جديد عبر الباصات العابرة على ضفتي الوطن: ضفة أبادها، وضفة تخلى عنها وسلّمها لشريكه الإيراني ممثلًا بـ “جبهة النصرة”.

منذ سبع عجاف، السوريون يصوّتون وينتخبون، والصناديق الانتخابية كانت مقابر غصت بقاطنيها، وتوسعت إلى الحدائق العامة والساحات، وأحيانًا إلى أفنية المنازل، وأحيانًا كانت الصناديق الانتخابية مراكب متهالكة، قسم منها وصل إلى الضفة الأخرى، وقسم لم يصل البتة، فصوّت المسافرون على متنها في قاع البحر، لكن يبقى القسم الذي صوّت عبر الباصات هو الأكثر وضوحًا وشفافية والأدق، من حيث الأرقام والإحصاءات الانتخابية، وقد بدأت الانتخابات السورية، من حي بابا عمر وحمص القديمة، ثم مدينة القصير، ومن بعدها داريّا ووادي بردى والتل والزبداني ومضايا، وغيرها من المدن التي أدلت بصوتها، بشفافية قلّ نظيرها حتى في بلدان تحكمها أرقى أشكال الديمقراطية.

السيد محمد قبنض عضو “مجلس اللوردات السوري”، الذي تناقلت وكالات الأنباء مقطعًا مصورًا له، في أثناء قيامه بواجبه في الحملة الانتخابية، رافعًا شعار “الولاء مقابل الماء”، كان يبحث عن أصوات لسيده من أُناس قرروا التصويت عبر الباصات، حتى إنه نسي أن يحاول إقناعهم بالبقاء في بيوتهم، وكل ما أراده هو أن ينطق هؤلاء الجوعى والمرضى بالشهادة (أن لا إله إلا بشار)، ولا يهمه من أين خرج هؤلاء، ولا أين هم ذاهبون. ما فعله السيد “قبنض” أمام الكاميرات تقوم به، بشكل رسمي وموثق، الاستخبارات الروسية، من خلال ما يُسمى “لجان المصالحة”، حيث تنص الأوراق الرسمية، التي يوقعها الأهالي من خلال ممثليهم، على الولاء لبشار الأسد رئيسًا للجمهورية، مقابل أن يسمح الروس بمرور الطعام والدواء لهذه المنطقة أو تلك، وأن يتوقف قصف هذه المدينة أو تلك، وفي حقيقة الأمر يمكن للعالم المتحضر الركون إلى هذه الوثائق، لمعرفة الشعبية الجارفة لبشار الأسد، التي حققتها الطائرات الروسية، بصواريخها الفراغية وحمم النابالم والفسفور.

نرجو من الأمم المتحدة إضافة هذا الرصيد من الأصوات، لمنح مزيد من “الشرعية”، لقنصل روسيا الفخري ومندوب إيران السامي بشار الأسد، والأخذ بالحسبان كل الأصوات التي جمعها مركز حميميم، حيث كانت الطائرات الروسية تقلع في الصباح، لترمي حممها وتعود في المساء، وقد جمعت أصوات الناخبين، إنها الانتخابات على الطريقة الروسية مشفوعة بالديمقراطية الإيرانية، حيث تشكلان مدرسة جديدة في الحوكمة والحكم الرشيد.

ملاحظة: (صناديق البادية) هي طريقة كانت تتبعها المخابرات السورية، فبعد فرز أصوات الناخبين في مجلس اللوردات، كانت تعلن أنه ما زال هناك صناديق لم يتم فرزها، وهي للبدو الرحل في البادية، وكانت مهمةُ هذه الصناديق دعمَ مرشحي السلطة (المستقلين)، على حساب المستقلين الحقيقيين.


مشعل العدوي


المصدر
جيرون