في اليوم العالمي للمسرح.. الحرية لزكي كورديللو وابنه مهيار



إنه يوم 27 آذار/ مارس من كل عام، اليوم العالمي للمسرح، هكذا أعلنته (يونيسكو) لتدعيم الثقافة العالمية وانفتاحها نحو بعضها، ومن المرجح أن عددًا غير قليل من السوريين، لا يعرفون هذا التاريخ وهذا اليوم، فحكم الاستبداد لم يبخل بجهد طوال عقود لتشويه الثقافة السورية وتقزيمها، إذ كان يثابر لمحاصرة الإبداع بكل أنواعه، وبخاصة المسرح الذي يفتح باب التواصل مع الجمهور مباشرة، بلا حواجز أو شاشات، بل وجهًا لوجه في مساحة واحدة.

يتفق المسرحيون السوريون، والذين كتبوا عنه، على أن المسرح في هذه البلاد قديم وعريق قِدم حضارتها الموغلة بالتاريخ، وهو جزء من ثقافة راسخة، ولعل الآثار المكتشفة في كثير من المواقع السورية المختلفة، التي تُظهر المسارح والمدرجات الحجرية التاريخية، خير دليل يسوقه البعض، كذلك الأساطير والملاحم التي كُتبت على ألواح طينية، وما إلى ذلك من إرث ثقافي لخّص العصور والحقب المختلفة التي مرّت على سورية.

يعدّ أحمد أبو خليل القباني في بداية العصر الحديث، مؤسس المسرح في سورية وفي الوطن العربي، وذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، ليتابع المسرح السوري بعد ذلك نموه وتوسعه في القرن العشرين، وأخذت التجربة المسرحية تتفاعل وتطور نفسها على يد عدد من المسرحيين.

اقترح المعهد الدولي للمسرح فكرة تخصيص يوم للاحتفاء بالمسرح في عام 1961، وأصبح الاقتراح حقيقة في 27 آذار/ مارس 1962، وقدم جان كوكتو أول رسالة في هذا اليوم، وهو مسرحي فرنسي متميز، ثم أصبح تقليدًا سنويًا تُلقى فيه رسائل مسرحيين في دول العالم المختلفة في وقت واحد، هو الساعة السابعة مساء، حسب توقيت مكان مقر (يونيسكو) في باريس، لكن ابتداء من العام الحالي 2018، أصبحت الاحتفالية العالمية تتم بإلقاء كلمة موحدة لكل مسارح العالم، بحيث يختار معهد المسرح الدولي، والمجلس التنفيذي لمعهد التجارة الدولية في كل عام، أسماء معينة يكلفها بتقديم رسائل المسرح.

في هذا اليوم، تقول رسالة السوريين: إن يومياتنا، في مواجهة هذا الكم الهائل من الأحداث والمآسي، تحوي معاني ليس لها نهايات، بين وجع المأساة التي أحاطت بنا كتراجيديا تفوق الخيال، إلى كوميديا سوداء لا تُشبهها حتى تلك السرديات في أكثر الأساطير التي تصوّرها الخيال كحقائق مفترضة.

في سورية التي حاصر نظامها الكلمة وأصحابها، وحجب النور عن الإبداع الحر، دفع عدد من الفنانين والمبدعين ثمنَ مواقفهم في مواجهة آلته وأسلوبه، وهنا حيث هذا اليوم الخاص للمسرح، يتألق اسم الفنان المسرحي المبدع زكي كورديللو وابنه مهيار، من داخل عتمة المعتقل الذي زجهما فيه نظامُ الأسد منذ عام 2012، وما زالا يبحثان عن نافذة نور، إنه اليوم الذي نجدد فيه جميعًا مطالبتنا بالحرية لهما، ولكل المعتقلين السوريين، وللوطن ككل.

قال الكاتب والمخرج المسرحي السوري غسان الجباعي لـ (جيرون)، إن “خشبة المسرح صفحة سوداء، نكتب عليها حكايتنا البيضاء بأجسادنا وأغراضنا وأرواحنا وأشواقنا”، وأضاف: “المدهش في فن المسرح العتيق المتجدد العريق أنه يولد في حضرة العتمة لا الضوء، إنه رهين العتمتَين”، وتساءل: “هل يستطيع الفن أن يكون موجودًا بمعزل عن العتمة والضوء!”.

أضاف الجباعي: “أعرف أن المسرح عاش قرونًا طويلة في الهواء الطلق، وقُدم في وضح النهار، ولم يزل يحن إلى ذلك، لكنه –عمليًا- رهين العتمتين، عتمة نُزركشها نحن بالضوء، وترافق العرض حتى النهاية، وهي ركن أساس من أركانه وفلسفته الجمالية، حيث تتناوب فيه الإضاءة مع العتمة في عملية الخلق، وعتمة غريبة عنه، دخيلة عليه، تأتي من خارجه، وتخيم فوقه، كما تخيم على كل شيء بهي! هي عتمة الاستبداد والعبودية والتفاهة”.

إن اختيار المنظمة أحدَ المسرحيين المرموقين، لتوجيه رسالة المسرح في هذا اليوم، يعدّ اعترافًا بدورهم في رفد المسرح العالمي بالإبداع والعطاء، وفي احتفالية العام الحالي 2018، اختار المجلس التنفيذي للمعهد الدولي خمسة أسماء من ثقافات مختلفة لتقديم رسائلهم، يمثلون مناطق (يونسكو) وهي أفريقيا وأوروبا وآسيا والأميركيتين، والدول العربية التي ستمثلها رسالة من لبنان تقدمها المسرحية مايا زبيب.

أوضح جباعي أننا “سنحمل مصباح الفيلسوف اليوناني ديوجين الكلبي، أبرز ممثلي المدرسة الكلبيّة (التهكمي) (Cynicism)، الذي قال عنه صاحب (الملل والنحل): كان حكيمًا فاضلًا متقشفًا لا يقتني شيئًا ولا يأوي إلى منزل. وهو من قال للإسكندر الكبير: لا تحجب الشمس عني بظلك!”. ووصف جباعي تلك الحالة التي تحيط بآلامنا بطريقته المسرحية التهكمية قائلًا: “سنلبس أسماله، ونمشي حفاة خلف عصاه الوحشية، علّنا نشق طريقنا، نحو قبس، بين هاتين العتمتَين: عتمة الاستبداد وعتمة التخلف”.

أكد الجباعي أننا -السوريين- “مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن نصعد على الخشبة، لا كي نصرخ في وجه الحرب، بل كي نضيء شموع الحرية والحداثة، ونرسم فوقها مستقبلنا المشرق، بأجسادنا ونور عيوننا”. (ح.ق)


جيرون


المصدر
جيرون