تساؤلات عن تحولات ومآلات الثورة السورية



منذ البداية، تحدّدت مسارات الثورة السورية، بناءً على الإدراكات السياسية للقوى التي تصدّرت هذه الثورة، وليس بناء على تطوراتها التدريجية أو المقاصد السياسية الأساسية التي انطلقت من أجلها، دون أن يعني ذلك أن هذه القوى هي التي كانت وراء إطلاقها، لا سيما أنها انطلقت بصورة عفوية وفجائية، على الرغم من كل الممهدات التي أدّت إلى تفجرّها. كما أن ذلك لا يعني إضفاء الشرعية على تلك القوى المتصدرة، في واقع كانت فيه الثورة السورية العفوية تعاني من الافتقار إلى التنظيم، وملء فراغ القيادة. وبديهي أن كل ما تقدم يفيد أن القوى المتصدرة استطاعت احتلال هذه المكانة بدفع من عاملين: أولهما الحرمان التاريخي للشعب السوري من السياسة ومن غياب القوى السياسية الوازنة. وثانيهما الدعم الخارجي الذي انحصر في تلك القوى، من قبل الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الصراع السوري، من دون أن يستند ذلك بالضرورة إلى مشروعية شعبية أو سياسية.

على ذلك؛ يمكن ملاحظة أن التحولات والمآلات التي تحكمت بمسار ثورة السوريين، صدرت من فرضيات ثلاث، هي التي طبعت الثورة بطابعها، من حيث الخطابات والبنى وأشكال العمل والعلاقات الداخلية، وأولى هذه الفرضيات، نشأت على التعويل على الخارج، وأن هذه القوى لا بد ستتدخل، إن مباشرة أو عبر فرضها مناطق حظر جوي أو مناطق آمنة. وهي الفرضية التي أفضت إلى نتائج كارثية، كونها لم تأخذ في حسبانها تدرّج المستويات الصراعية، ولا ضعف الإمكانات الذاتية، ولا قدرة الشعب على التحمل، ناهيك عن أنها تسببت في عسكرة الثورة، وهو أكثر مجال تلاعبت عبره الأطراف الخارجية بثورة السوريين، وأكثر مجال أدى إلى ارتهان المعارضة، وتاليًا إخضاعها للأجندات الخارجية، كما شهدنا في مختلف مراحل الثورة. وثاني هذه الفرضيات أن تلك القوى المتصدرة اعتقدت بأن الدول “الصديقة” المؤيدة للثورة ستقف مع المعارضة، مهما كانت خطاباتها، وأشكال عملها، على اعتبار أنها حق، وهذه فرضية خاطئة، لأن الدول لا تعمل كجمعيات خيرية، ولأنها لن تقدِم على منح المعارضة السورية دعمها، ما لم تجد أن ثمة تقاطعات في المصالح أو القيم التي تتمثلها، أو الاثنتين في آن معًا. أما الفرضية الثالثة، فهي الاعتقاد بأن الانتصار على النظام حتمي، من دون ملاحظة ضعف الإمكانات اللازمة ذلك، بحكم موازين القوى، وبحكم المعطيات العربية والدولية، ومن دون دراسة للتجارب التاريخية التي تؤكد أن الثورات يمكن أن تُهزم أو تنحرف أو يتم السيطرة على تطوراتها.

أفضت هذه الفرضيات الخاطئة إلى المبالغة في العمل العسكري، والاعتماد على هذه الدولة أو تلك، وإخراج الشعب من معادلات الصراع ضد النظام، وتعذرت القدرة على بناء كيان سياسي جامع للسوريين، وإزاحة المقاصد الأساسية للثورة، المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، لصالح خطابات طائفية ودينية متعصبة ومغلقة؛ الأمر الذي أسهم في إضعاف ثقة السوريين، أو أغلبهم بثورتهم، ناهيك أنه أضر بصورة الثورة السورية على المستوى الدولي.

على أي حال، أوصلت الفرضيات المذكورة الثورةَ السورية إلى أفق مسدود، وإلى تراجعات خطيرة، وإلى انحسار قوى المعارضة على الصعيد الميداني، كما أدت إلى إضعاف قدرة السوريين على التحكم بمصيرهم، بعد أن باتت القوى الدولية والإقليمية هي المتحكمة بالملف السوري.

بيد أن كل ذلك لا يعني نهاية الصراع السوري؛ لأن الأسباب الحقيقة لهذا الصراع لم تنته، فالنظام الاستبدادي ما زال موجودًا، لكنه بأضعف أحواله، بعد أن بات يفتقد السيادة، ويفتقد السيطرة على الأراضي والموارد، وبحكم تعدد القوى الدولية والإقليمية التي باتت متواجدة عسكريًا، وبصورة مباشرة في الجغرافيا السورية، ونقصد هنا الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، ولكل دولة أجندتها ومقاصدها الخاصة. والقصد أن ما وصلنا إليه يعني نهاية شكل معين من الصراع السوري؛ ما يعني أن هذا الصراع لا بد أنه سيتخذ أشكالًا أخرى، ولا سيما أن هذا الوضع لن يضع حدًا لتطلع السوريين نحو الحرية والمواطنة والديمقراطية.

هكذا نحن إزاء مرحلة انتهت، لكن ثمة مرحلة صراعية قادمة، لكن شكل هذه المرحلة سيتوقف على شكل المداخلات والتموضعات الدولية والإقليمية، كما سيتوقف على قدرة المعارضة السورية، بكياناتها السياسية والعسكرية، على مراجعة التجربة السابقة، واستنباط الدروس اللازمة منها.

………………………

من مداخلتي في ندوة صالون الجولان ـ مركز حرمون (مجدل شمس 26/3).
ماجد كيالي


المصدر
جيرون