“صالون الجولان” في مركز حرمون يعقد لقاءه الثالث حول الهوية



عقد (صالون الجولان) المنبثق من مركز حرمون للدراسات المعاصرة، لقاءً جديدًا، في مجدل شمس، ضمن سلسلة اللقاءات التي يجريها حول الهوية. وتمحور اللقاء حول كتاب (ثقافة النهضة العربية وخطابات الهويات الجماعية في مصر وبلاد الشام)، بمشاركة مؤلف الكتاب البروفيسور قيس فرو.

رحّب الأسير المحرر وئام عماشة بالبروفيسور قيس فرو وبالحضور، وأشار إلى أن هذا اللقاء يأتي ضمن سلسلة لقاءات أقامها (صالون الجولان)، لتسليط الأضواء على الاستهداف الذي يطال الهوية السورية في الجولان المحتل بشكل خاص، والهوية الوطنية السورية بشكل عام داخل الوطن السوري، وتهدف إلى الوقوف أمام مشاريع الاحتلال الإسرائيلي التي تزايدت في السنوات الأخيرة، على إثر الأحداث الأليمة التي يتعرض لها الوطن السوري.

قدّم الكاتب الجولاني معتز أبو صالح السيرة الذاتية للبروفيسور قيس فرو، بوصفه الشخصية الأكثر حضورًا ونشاطًا، في الحقل الأكاديمي في الداخل الفلسطيني، إذ إنه اشترك في أكثر من ستين مؤتمرًا علميًا، وحصل على جوائز علمية عديدة، أهمها المنحة العلمية من جامعة أكسفورد لسنة 1995/ 1996. تركزت أبحاثه التاريخية حتى سنة 1992 في التاريخ الاقتصادي، لينتقل إلى الدراسات الثقافية، الجماعات الإثنية، ودراسة فلسفة التاريخ. كما أدرج اسمُه في كتاب، نُشر في كمبردج، يعرض السير الذاتية المختصرة لألفين من أبرز مثقفي القرن الحادي والعشرين.

قدّم الأستاذ فوزي أبو صالح لمحة عن الكتاب الذي يضم ستة فصول وخاتمة، وهو دراسة حول ما عُرف بـ “النهضة العربية” التي تركزت في مصر وبلاد الشام، التي بدأت كردة فعل على احتلال نابليون لمصر، وما أدخله من أساليب جديدة في الحياة والحرب، وتطورت خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حتى الحرب العالمية الأولى.

محور الدراسة هو الهويات الجماعية: مفهومها وتطورها، الهوية الجماعية هي رابط معنوي، يوحد بين أفراد جماعة اجتماعية وثقافية معينة، من خلال التفاعل فيما بينهم، ومن خلال علاقاتهم العملية، بحيث ينتج عنها ذهنيات ومشاعر مشتركة، تؤدي إلى ظهور أهداف مشتركة للجماعة.

من جانبه، تناول البروفيسور فرو “خطابات الهويات الجماعية الوطنية والقومية والإسلامية–الإصلاحية التي روّجتها النخب السياسية والمتعلمة التي أفرزت هذه الهويات الجماعية. واستخدم مصطلح ثقافة مصر وبلاد الشام، باعتبارهما جزءًا من منظومة كبرى في الحضارة العربية التي تضم ثقافات متعددة. وأشار إلى الخطابات الوطنية عند النخب المصرية، في عدة عصور وعهود، وإلى الخطاب الوطني السوري بين الثقافة الغربية والثقافة العربية.

وأضاف أن “الطابع النخبوي لخطابات الهويات الجماعية لم يكن قادرًا على زعزعة الهويات المتوارثة، واستبدالها بهويات قومية جامعة بسبب الوضع العالمي، مركزًا وأطرافًا، وإن محاولة نخب الأطراف تجنيد مجتمعاتها، باستحداث خطابات وطنية موحدة للهويات الضيقة في هوية قومية جامعة في مصر وبلاد الشام، جعَلها تمزج بين عدة مصطلحات: أمة إسلامية، عربية، مصرية، سورية؛ وهو ما أعاق تخيل أمة جامعة للكل.

في مواجهة السطوة المضاعفة لنظام عالمي غير متكافئ، وسطوة دول إقليمية؛ رفعت النخب المثقفة شعارات وطنية أو قومية أو إسلامية، قطرية مرة، وقومية مرة أخرى، لكن الخطاب الإسلامي بقي على ثباته وتصاعده، معتمدًا في انتشاره على المساجد والتربية الدينية واستغلال محطات الراديو والتلفزيون والمواقع الإلكترونية، والذي نموذجه إسلام السلف الصالح المتخيل الذي مع تحققه، يمكن التحرر من الأنظمة المسيطرة، وحل مختلف المشكلات التي تعاني منها المجتمعات في عالمنا.

وأشار إلى أن دراسة الهويات في مصر وبلاد الشام عملٌ موسوعي، تميز بالرجوع إلى كل ما كتب عن الموضوع في عصر النهضة، وما قصده كتابه من وجهة نظرهم آنذاك، ومقارنته محليًا بالفترة السابقة له واللاحقة عليه، ومقارنته أيضًا بما حدث في أوروبا، في فترة نشوء قومياتها.

أهمية الدراسة أنها تقدم عرضًا للأفكار حول التعريف الجمعي للذات، مرتبطًا بالأوضاع المحلية (سيطرة التقليد والأمية)، والعالمية (سيطرة عثمانية أو أوروبية سياسيًا واقتصاديًا) التي نشأت فيها، والتي ترافقت مع نهضة أوروبية حاول سكان مصر والشام التعبير عن أنفسهم ومصالحهم من خلالها.

تطرح الدراسة علينا أسئلة عديدة في أوضاعنا الحالية التي ازدادت، وما تزال، تعقيدًا، وأولها السؤال الذي طُرح على أسلافنا: كيف الوصول إلى هوية جماعية، تضم كل السكان ضمن نطاق جغرافي محدد، تحت السطوة المزدوجة لنظام العولمة وللسلطات المحلية.

اختتم اللقاء بعدة محاور: هل الهوية الجماعية هي من تنشئ القومية، كما في أوروبا، أم أن الدولة الحديثة من تنشئها، أم أن الاثنين يترافقان معًا؟ وضمن التجزئة الحالية والتطورات الأخيرة، هل بقي دور للقومية العربية كهوية جماعية أم ضرورة تجسيد الانتماء إلى وحدة جغرافية تحوي عدة إثنيات وطوائف، كما في بلاد الشام.

وأضاف: “تتضخم في أيامنا مسألة الصراع على الهويات، بين نظام عالمي يحاول تشكيل هويات استهلاكية تحتوي البلدان التابعة (الأطراف)، وأنظمة محلية تابعة تحاول إبقاء سكانها على هوياتهم الإثنية والطائفية، وتستخدمها لتثبيت سلطتها، ويشاركها النظام العالمي في تشجيع الهويات الضيقة، عبر مصطلح حقوق الأقليات، ونظام إقليمي تحاول ثلاث دول فيه: (إسرائيل إيران تركيا) مدّ نفوذها اعتمادًا على الهويات الضيقة نفسها، وأخيرًا شعوب تعاني من الفقر والحرمان والجهل، تحاول أن تجد لها مكانًا تحقق فيه إنسانيتها ومصالحها، ضمن عالم لا تهمه إلا المصالح.


أيمن أبو جبل


المصدر
جيرون