الصورولوجيا (imagologie)



وتُسمَّى بـ الصوريَّة، أو علم الصورة. وتُعدُّ دراسة صورة الآخر من الدراسات الأدبيَّة المقارنة التي حظيت باهتمامِ غير قليلٍ من الباحثين في الغرب؛ إذ إن التركيز على إشكاليَّة العلاقة يكاد يكون الهمَّ الأساس في تأمُّل الدرس المقارن، وترود الباحثة الفرنسيَّة مدام دي ستال (Madadm de stael) هذا المجال؛ إذ أقامت فترةً طويلةً في ألمانيا، في الفترة التي تصاعدت فيها مظاهر العداء المتبادل، بين الشعبين الفرنسي والألماني، وفوجئت حينذاك بسوء الفهم والصورة المُشوَّهة والانطباعات التي يحملها الفرنسيُّون عنهم، كما لمست جهلهم الكبير بالأمور المتَّصلة بالثقافة والمجتمع عندهم. ومن أعلام دراسة صورة الآخر ج. م. كاري j.m. care)، وفرنسوا جوست (Francoic J0ST)، وروني ريموند (Rane Remon)، وجورج أسكولي (Georges Ascoli)، وميشال كادو (Michel Cadot)، و م. ل. ديفورنوا (Dufernog M.L.)، وقد خصَّت هذه الأخيرة الشرق بعملٍ مهمٍّ، يُعدُّ ركيزة الأبحاث المقارنة في هذا المجال، وتنصبُّ دراستها على الشكل السردي للروايات، والحكايات، والقصص. كما تتقصَّى بداية الخيال الشرقي وتطوُّره في الفكر والأدب الفرنسي للقرن السابع عشر. كما أنَّ لهذا المجال من الدراسات الأدبيَّة المقارنة دورًا مهمًّا في رصد الصورة التي يرسمها أدب شعبٍ ما، حول شعبٍ آخر أو ثقافةٍ أخرى، فضلًا عن دوره في كشف سوء الفهم المتبادل بين الأمم والشعوب المختلفة. ونظرًا إلى أهمِّيَّته قامت مؤسَّسات البحث الاستراتيجية في الغرب: سبرنغرز، وراند، وواشنطن ثنك تانك، وغيرها من مراكز الدراسات الاستراتيجية والفكريَّة، بإجراء البحوث لمعرفة اتجاهات الرأي العام العربي والإسلامي، وصورة النخبة السياسيَّة والفكريَّة فيهما، بل إنَّ “إسرائيل” أنشأت العديد من مراكز البحوث، لدراسة شخصيَّات قادة منظَّمة التحرير الفلسطينيَّة التي كانت تعمل على “محو إسرائيل”، في حين أدَّت شعاراتنا الجوفاء “إسرائيل المزعومة” و”الكيان الهزيل”، ودولة” شُذَّاذ الآفاق” إلى أن تتحكَّم فينا “إسرائيل”، بل أن تسعى لكي تقاسمنا ماءنا وغذاءنا وثرواتنا، وخير دليلٍ على ذلك علاقات التطبيع التي قامت بها بعض الدول العربيَّة مع الكيان الصهيوني، وفي مقدِّمتها مصر وبعض الدول الخليجيَّة، وقد أفضى ذلك إلى تهميش القضيَّة الفلسطينيَّة، على الرغم من كونها قضيَّةً مركزيَّةً بالنسبة إلى الدول العربيَّة، فضلًا عن نزوع معظم الأنظمة العربيَّة إلى تغليب الهويَّة القطريَّة على الهوية القوميَّة؛ إذ ارتفعت بعض الأصوات في مصر تدعو إلى التعامل معها بوصفها كيانًا قوميًّا.

وتُعرَّف دراسة الصورة بأنَّها انعكاسٌ لكثيرٍ من الأفكار والمشاعر المؤثِّرة في تشكيل موقفٍ أو صورةٍ ما، إزاء شعبٍ من الشعوب، وتعني كذلك الحقل الذي يشتغل بدراسة التمثيلات والطرق التي يرى فيها مجتمعٌ ما مجتمعًا آخر، ويحدِّده ويحلم به، ويكمن دورها في رفض الأحكام المُسبَقة، والإلحاح على ضرورة الانفتاح على الآخر، بهدف تحقيق نظرةٍ شموليَّةٍ للإنسان.

وتتقاطع دراسة صورة الآخر مع بعض العلوم الأخرى، مثل (علم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والتاريخ، والأيديولوجيا..)، وهناك كيفيَّاتٌ متنوِّعةٌ لدراسات الصورولوجيا، كأن يدرس الباحث صورة شعبٍ ما في أدب شعبٍ آخر، مثل أن يدرس صورة الصهاينة في الأدب العربي، أو أن يدرس صورة شعبٍ ما لدى أديب بعينه، مثل أن يدرس صورة الآخر الغربي في أدب شكيب الجابري، أو غادة السمَّان، أو نجيب محفوظ، كما بوسعه أن يدرس صورة شخصيَّةٍ ما في أدب شعبٍ أو شعوبٍ أخرى، كأن يدرس صورة صلاح الدين الأيوبي في الأدب الغربي، أو لدى أديبٍ غربيٍّ بعينه، أو جنسٍ أدبي معيَّن مثل الرواية، أو القصة، أو المسرح…

وقد أثَّرت الصراعات السياسيَّة والعسكريَّة في رسم صورة الآخر وبلورتها؛ لذا فقد يصيبها التشويه، ومن ذلك -على سبيل المثال- الصورة المُشوَّهة للعرب في الآداب الأوروبيَّة في العصور الوسطى، أو صورة العرب والمسلمين في الإعلام الغربي، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أو كالتي روَّجت لها دوائر الإعلام المختلفة حولهم، قُبيل الغزو الأميركي للعراق، وتلك الصورة ليست مُسالِمةً أو عفويَّةً، بل هناك إصرارٌ على تشويهها أمام الرأي العام الغربي، وذلك سعيًا لكسب الحشد والتأييد لغزو البلاد العربيَّة. ويجب أن تُدرس صورة الآخر في أدبٍ ما، في إطار السياق التاريخي للمرحلة المُستهدفة بالدراسة؛ لأنَّ تلك الدراسة تُمثِّل تتبُّع السيرورة الأدبيَّة وتحوُّل أفكار ثقافةٍ ما إلى مُتخيَّلٍ، ولهذا لم يعد هذا المُتخيَّل محض عنصر خرافي، أو صورة، أو رمز فقط، إنَّما هو، إلى ما سبق، مرآةٌ تعكس تاريخ المعايير الاجتماعيَّة-النفسيَّة، في تصوُّر الأنا والآخر.


إبراهيم الشبلي


المصدر
جيرون