قشور كثيرة لكذبة نيسانية واحدة



يأتي نيسان آخر، يحمل السوريون فيه مفكرة ضخمة من أساطير التزييف والدجل الممارس عليهم، من شعوذة التضامن معهم، إلى الوقوف بجانب قضيتهم وعدالتها. ضحايا كثر مورست عليهم طقوس الشعوذة الشعاراتية، لكنها لم تكن مرتبطة بيوم الكذب، بل بحقب الخداع والتزييف الذي فجّر ثورة تُحارب بأدوات تفجرها. لا شك أن الثورة السورية هي لبّ الاستهداف الأول، من النظام وقوى التكاذب الإقليمي والدولي، وكان العام الأول للثورة نقطة البداية، وظلت المؤشرات تحاصر مسار الثورة التي تبلغ اليوم، من دون شك، منعطفًا مهمًا في مسارها.

لا ترجع الأهمية المذكورة إلى تغيير في طبيعة الثورة أو الممارسات ضدها، أو في لبّ الصراع، فالأصل في حرية السوريين، وكرامتهم وآمالهم في المواطنة والمساواة، أن هناك أطرافًا اعتقدت بأن لها الحق أن تعترض على ما يعتقده السوري، من بديهيات تتعلق بأصول وفروع الحرية ومقاومة الاستبداد. وقد أخذ شكل الاعتراض بالتبلور، في الانقلاب على مفاهيم وشعارات وأيديولوجيا تبدو عارية وكاذبة على ظهر من حملها.

في مثل هذه الظروف، حيث تتغير الوسائل الرئيسية للشعارات والأيديولوجيا، وحيث تتحدد أهداف مختلفة عما سبقت الدلالة عليه؛ يكون من المفضل إعادة النظر في أسس المواقف التي انحرفت عن الطريق الرئيس، والتي أعاقت العودة إلى الطريق الأصلي، في ظرف مرحلي “ملائم” يحتم إجراء مراجعة دورية وسريعة، لأسباب وأهداف الأكاذيب الضخمة التي رُوجت عن السوريين وعليهم، إذ إن السنوات الماضية كانت كفيلة بتوفير معلومات ومواقف أكثر ضخامة، لم تكن متيسرة قبل اندلاع الثورة السورية، وهي تتيح الفرصة لإعادة التفكير في ما كان يعدّه البعض، في مرحلة سابقة، من المسلمات والبديهيات، بينما واقع الحال الذي كشفته ثورة الشعب السوري ليس كذلك.

تشير الوقائع الدولية والإقليمية إلى أن البيئة السياسية الدولية تعرضت لتغييرات جذرية وجوهرية، مع ضربات أصابت شعارات المجتمع الدولي الإنسانية والأخلاقية في مقتل، وبات من الصعب استمرار ترويج الأكاذيب في ضوئها، على نمط الأساليب والطرق عينها المتبعة من قبل، بل إنه يصعب المحافظة على الطاغية في دمشق، مع أن كل الأساليب المذكورة تبدو أكثر قبولًا في التشاركية، بين النفاق وممارسة الوحشية التي ظل جوهرها قائمًا على الشعب السوري، كل لحظة، على مدار الأعوام السبعة الماضية.

لم تكن ثورة السوريين، ونفاق المجتمع الدولي، نتائج مباشرة لتغييرات البيئة السياسية الدولية، لكنهما كانا على علاقة وثيقة بها، وكانت الوحشية وإدارة ظهر العالم للسوريين ذات علاقة وثيقة بالصراع الذي يخوضونه ضد الطاغية. تحمّل السوريون النصيب الملموس من تكاليف مواجهة النفاق، بأطنان الكذب الذي صاحب سقوط ملايين الضحايا، وسط متغيرات دولية كانت ذات أثر سلبي على الشعب السوري.

كان من أهمية نتائج تضحيات السوريين ونضالهم، أن وصل انعكاس ثورتهم إلى كل شيء، بحيث أصبح هناك معادل أخلاقي وقيمي وإنساني يحكم عملية الفرز، بين ما هو مزيف وحقيقي، وبين ما هو كاذب وصادق، وفقًا لقيمة وأسلوب التفكير والتعاطي مع النضال الوطني السوري، ووفقًا لمعيار محدد بالثورة السورية، كذلك برزت الثورة على أنها ليست ضد الطاغية والسفاح فقط، بل ممارسة تدريجية تنزع كل شرعية وغطاء يتشدق بهما حملة الأساطير والأكاذيب؛ الأمر الذي يبدو أيضًا ممارسة فعلية لقدرة الإنسان السوري على تحطيم جدران الشعارات، وتقطيع حبال ضخمة من الدجل، في محاولة الخروج من تحت هيمنة الطاغية.

يمكن للسوري أن يتأمل شهر نيسان في أكاذيبه وهزائمه الطويلة، ويقرأ قشور المواقف والتصريحات التي تدلّ على تدهور عربي ودولي، من الأكاذيب التي لا شفاء له منها سوى بدحض أكذوبة أبد الطاغية. أعظم حقيقة سطعت، في القرن الحادي والعشرين، هي ثورة تَخلع السفاح وتدفع السوري إلى تخوم الحرية، وهو بالغ غايته لا محالة، ولو مرّ بنا نيسان آخر بأكاذيبه.


نزار السهلي


المصدر
جيرون