قوات التحالف الدولي والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني



ساهم التدخل الخارجي –المباشر وغير المباشر– في تأجيج حدة النزاع في سورية، وأضحت سورية مسرحًا لحرب بالوكالة، تدار لصالح شبكة متشعبة من القوى العظمى والإقليمية التي تسعى في المقام الأول إلى حماية مصالحها، من دون إيلاء أدنى الاعتبارات لمصير السوريين وبلدهم. وتدلل التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية على ارتكاب جميع المتحاربين، ومنهم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، انتهاكات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

التقرير الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في أيلول/ سبتمبر 2017، يؤكد أن عمليات القصف التي يشنها التحالف الدولي تسببت بوفاة 2286 مدنيًا، خلال ثلاثة أعوام (23 أيلول/ سبتمبر 2014 – 23 أيلول/ سبتمبر 2017)، بينهم 674 طفلًا و504 سيدات. وأكد التقرير أن عمليات التحالف الدولي التي بدأت في أيلول/ سبتمبر 2014 اتسمت بالمحدودية، وكانت مركزة بحيث لم تلحق خسائر واسعة بين المدنيين. إلا أن هجمات التحالف التي وثقتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، خلال 2016-2017، تميزت بالهجمات العشوائية، ولم تراع مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني؛ ما ألحق عددًا أكبر من الخسائر بالأرواح بين المدنيين.

غالبًا ما تضع قوات التحالف الدولي عمليات القصف العشوائي على المناطق المدنية، التي تطال المدارس والمستشفيات وسائر الأماكن العامة، وتلحق خسائر فادحة بالأرواح بين المدنيين السوريين، تحت ذريعة استهداف مقاتلي المنظمات الإرهابية وتحديدًا (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش). ففي إحدى الضربات الجوية التي شنتها قوات التحالف على مدرسة في بادية الرقة، في 21 آذار/ مارس 2017، ادعت أنها استهدفت 30 مقاتلًا تابعين لتنظيم (داعش)، كانوا يستخدمون إحدى المدارس. وقد بيّنت التحقيقات التي أجرتها لجنة التحقيق المستقلة للجمهورية العربية السورية، واعتمدت شهادات لناجين من القصف وبعض المقيمين في المنطقة، أن تنظيم (داعش) لم يكن يستخدم المدرسة كليًا، حيث كان يقيم في المدرسة المستهدفة أسرٌ مشردة منذ عام 2012، وأن القصف أدى إلى مقتل 150 شخصًا، معظمهم من الأطفال والنساء.

يُعد قصف المدارس انتهاكًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي الإنسان، ويثبت تقاعس قوات التحالف الدولي، عن أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع الإصابات في صفوف المدنيين أو التقليل منها قدر الإمكان. وعلى ضوء هذا التصرف، أوصت لجنة التحقيق المستقلة التحالف الدولي، بأخذ كافة الاحتياطات خلال أعمال القصف، وبذل أكبر جهد ممكن، في سبيل التمييز بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين إلى أقصى حد ممكن. ومن هذا المنطلق، طالبت اللجنة التحالفَ بإجراء تحقيق في الخسائر بين المدنيين، نتيجة عمليات القصف التي يقوم بها، وإتاحة المعلومات بهذا الخصوص. وأكدت اللجنة على ضرورة المساءلة وتقديم الدعم للآلية الدولية المحايدة والمستقلة، في جمع الأدلة بشأن الانتهاكات الجسيمة والجرائم الخطيرة المرتكبة من قبل أطراف النزاع، وضرورة إطلاق عملية بخصوص العدالة الجنائية ومساءلة مرتكبي الجرائم.

تعتبر هجمات قوات التحالف الدولي، وتحديدًا الضربات الجوية العشوائية والمدمرة، مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تنص على حماية السكان المدنيين ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، وعدم جواز أن يكون المدنيون محلًا للهجوم. ومن هذا المنطلق، تحظر أحكام القانون الدولي الإنساني أعمال العنف كافة، أو هجمات الردع أو أساليب التهديد الرامية أساسًا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين. وتحظر قواعد القانون الدولي الإنساني، على أطراف النزاع، بصورة خاصة القصف بالقنابل أو الصواريخ للأهداف العسكرية الواضحة التباعد والتميز، والتي تقع في منطقة سكنية (مدينة، بلدة، قرية) مكتظة بالمدنيين، من منطلق أنها هدف عسكري واحد، لأن الهجوم في هذه الحالة سيتسبب بخسائر وأضرار واسعة النطاق، تتجاوز الميزة العسكرية المرجو تحقيقها من الهجوم. بمعنى آخر: حتى لو افترضنا أن 30 مقاتلًا من (داعش) كانوا يتحصنون داخل المدرسة التي استهدفتها قوات التحالف بالقصف، فإن هذا القصف غير مبرر، لأنه من الواضح في هذه الحالة أن الخسائر في الأرواح بين المدنيين ستكون كبيرة.

تنتهك عمليات القصف العشوائي لقوات التحالف الدولي في سورية قاعدة أساسية في القانون الدولي الإنساني، تنص على أنه يتعين على “.. أطراف النزاع التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية. أما التذرع بوجود مقاتلين بين السكان المدنيين، لتبرير استخدام القوة المفرطة وعمليات القصف العشوائي من الجو والبر والبحر، فإنها لا تعفي أطراف النزاع من اتخاذ كافة الاحتياطات المطلوبة، للتمييز بين المدنيين والمقاتلين وتقليل الخسائر قدر المستطاع بين المدنيين. فالقانون الدولي الإنساني واضح في ما يخص تعريف المدنيين، بأولئك الذين لا يشاركون في القتال، وفي حال ثار الشك حول شخصٍ ما: أهو مدني أم غير مدني؛ فإن ذلك الشخص يُعد مدنيًا، ولا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية، عند وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين، إذ يقع في هذه الحالة على أطراف النزاع، التمييز بين المدنيين وغير المدنيين، أي المقاتلين.


نزار أيوب


المصدر
جيرون