لبنان.. أطفال سوريون بين تلقي العنصرية وفقدان التعليم



تنعكس الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون السوريون على العملية التعليمية لأبنائهم، وخاصة مع طول أمد الحرب التي شنها نظام الأسد على المجتمع السوري، حيث تطل هذا الإشكالية علينا من نوافذ مختلفة، ففي لبنان الذي يعاني فيه اللاجئ السوري من مرارة العنصرية، فضلًا عن مرارة اللجوء، تظهر قضية تعليم الأطفال السوريين، من داخل إحدى وسائل الإعلام اللبنانية، من خلال رمي سهام مسمومة في المجتمع اللبناني.

بث تلفزيون (otv) اللبناني، في آذار/ مارس الماضي، تقريرًا ذكر فيه: أن وجود التلاميذ السوريين، في المدارس الرسمية اللبنانية، تسبب بتسرب التلاميذ والطلاب اللبنانيين منها”، وعزا السبب إلى “رفض اللبنانيين اختلاط أبنائهم بثقافة مختلفة عن ثقافة الأسرة اللبنانية”، كي لا يتأثر المجتمع اللبناني بسلوكهم، وتساءل: “إلى متى ستبقى المدارس اللبنانية الرسمية مفتوحة للنازحين السوريين”.

يمتلك هذه القناة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل عون، وبرامجه وأخباره لا تتأخر كثيرًا عن متابعة أثر الوجود السوري على لبنان والتركيبة السكانية، وخاصة أنه يتابع عن كثب تصريحات الوزير جبران باسيل صهر عون، وأحد أبرز السياسيين اللبنانيين المعادين للاجئين السوريين، وهو مدعوم بشكل كبير من ميليشيا “حزب الله” اللبناني، ويتناغم معها في النظرة إلى اللجوء السوري، باعتباره مصدر “إرهاب”.

قال طلال مصطفى، الباحث في (مركز حرمون للدراسات المعاصرة)، لـ (جيرون): “يعكس مضمون التقرير ثقافة عنصرية وكراهية لبنانية تجاه السوريين بشكل عام، وتعود هذه الكراهية إلى الممارسات الأمنية والعسكرية السيئة الصيت للنظام السوري في لبنان، منذ منتصف السبعينيات إلى تاريخ الانسحاب العسكري السوري من لبنان 2006”.

أضاف مصطفى: “للأسف، يحصل لدى بعض الشرائح اللبنانية نوع من التعويض، نتيجة عدم قدرتهم وخوفهم الدائم من مواجهة الممارسات الأمنية السورية في لبنان، باتجاه المواطنين السوريين، وخاصة فئة العمال، وهذا ملاحظ وملموس منذ السبعينيات، وتضاعفت هذه الكراهية وتفاقمت، بعد تدفق آلاف الأسر السورية المهجرة قسريًا”.

أوضح مصطفى أن المشكلة الحقيقية تعود “إلى عدم تمييز بعض اللبنانيين، بين ثقافة الكراهية لنظام حكم استبدادي حكم السوريين، بهذه المنهجية الأمنية قبل اللبنانيين، وبين ثقافة كراهية غير مقبولة تجاه مواطنين سوريين، مُهجرين قسرًا من قبل هذا النظام، وهؤلاء هم الآن بأمسّ الحاجة إلى ثقافة تسامح تحتضنهم، وخاصة أطفالهم في المدارس”.

في السياق ذاته، أكد إبراهيم الحسن، رئيس دائرة التعليم الأساسي السابق في الحكومة السورية المؤقتة، أن “تلك العنصرية وخاصة بحق الأطفال، هي نوع من الاضطهاد المعنوي وأحيانًا المادي، وهذا يؤثر على بنية عدة أجيال لا جيل واحد فقط، فالطفل عجينة لينة تكونها الظروف المحيطة، وهذا ما يُخشى من أثره ليس الآن فحسب، وإنما في المستقبل أيضًا، حين يتم تخريج أجيال جاهلة، وفي الوقت نفسه تبقى ذاكرتها مليئة بمشاهد التمييز والعنصرية التي ارتكبت بحقها”.

أشار الحسن إلى أن “مسؤولية ما يجري بحق اللاجئين، تقع على عاتق الدولة المضيفة، بحكم القانون، كذلك يجب على الجمعيات الحقوقية، والناشطين المحليين متابعة تلك المسائل، وتقديم إحصاءات منظمة، حتى عن عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى التعليم، وظروف أُسرهم، وتبيان الحاجات الملحة، كون الأطفال هم دائمًا الضحايا الأكثر معاناة في الحروب”.

لفت الحسن إلى أن “دول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، تهتم بالأطفال اللاجئين مباشرة، وتتكفل بتعليمهم وتحوطهم بالأمان، كي لا تنعكس المعاناة التي مروا بها على بنيتهم النفسية”.

في هذا الخصوص، أشار تقرير لموقع (مهاجر نيوز)، نشره في 30 آذار/ مارس الماضي، إلى وجود “جيل من أطفال اللاجئين السوريين في لبنان، ينمو من دون هوية ولا تعليم،”، وأن الآباء ينتابهم القلق؛ إذ “لا نهاية للحرب في الأفق، بعد سبع سنوات من الاقتتال”.

أفاد التقرير أن “خيم اللاجئين السوريين تنتشر بالمئات على الطرق الرئيسة، في سهل البقاع، مغطاة بأقمشة النايلون التابعة لمفوضية اللاجئين”. في مخيم اللاجئين الصغير في بر إلياس، على سبيل المثال، تعيش الأسر “في أكواخ على أرض، تتحول إلى مستنقع في الشتاء، ولا يمكن تدفئتها إلا بصعوبة، وفي الصيف لا يمكن تحملها، بسبب الحرارة”، واللاجئون “لا يرون مستقبلًا لهم هناك، لا سيما لأطفالهم”، وتابع: “النسبة الأكبر من السكان هي من الأطفال، وتراوح أعمارهم بين سنتين و17 عامًا”.

بمبادرة شخصية من أحد اللاجئين السوريين، (اسمه مدين)، أنشئت “مدرسة داخل خيمة للأطفال، من أجل أن يتعلموا القراءة والكتابة، ويتلقى يوميًا بين 60 و70 طفلًا من عدة مخيمات، الدروس من معلمين سوريين متطوعين، والفصول الدراسية مقسمة، حسب مستوى المعرفة لا السن، لكن لا توجد شهادات في آخر الفصل”.

وصف المعلم موفق ملحم، الموجود في أحد مخيمات البقاع، الوضع النفسي للأطفال بأنه “يتدهور”، وأضاف: “الكثير من الأطفال ليس لديهم هوية ولا جوازات ولا تعليم، والآباء مجبرون على العمل طويلًا، ويتركون الأطفال وحدهم، ولا يمكن الحديث عن أجواء شخصية في المخيم، لكن يجب النضال، من أجل تفادي خسران أجيال من الأطفال”.

تسرب الأطفال السوريين المهجرين قسريًا للخارج، من العملية التعليمية -بحسب مصطفى- يرجع إلى “عدة أسباب متداخلة مع بعضها البعض، أهمها الفقر والعوز المادي، وفي بعض الأسر التي فقدت رب الأسرة، اضطر أطفالها إلى الانخراط في سوق العمل مبكرًا، وبالتالي مغادرة المدرسة، إضافة إلى عدم تطبيق الدولة المضيفة إلزامية التعليم على السوريين، ونفور الطلاب السوريين من مدارسها، نتيجة تغير المناهج وأساليب التعليم واللغة أيضًا، في الدول الأجنبية”.

كما أكد أن تجهيل تلك الأجيال “له آثاره في المستقبل أيضًا، من جهة ارتفاع نسبة الأمية، واعتبار المتسربين عاطلين عن العمل في المستقبل، لعدم قدرتهم على مواكبة تقنيات العصر التي تتطلب مستويات تعليمية عالية”، كذلك على الصعيد الشخصي، “سنجد عدم القدرة لديهم على إدراك المخاطر المحيطة بهم، مما يجعل انقيادهم إلى ميليشيات عسكرية مرتزقة، سهل المنال، نتيجة انخفاض مستوى الوعي الاجتماعي والسياسي، كما ستصبح الفرصة مهيأة لهم لإمكانية الانحراف الاجتماعي والأخلاقي، وهذا ثمن كبير بالمستقبل لما حدث، وما زال يحدث”.

أوضح الحسن من جهته: “إذا لم يتم تدارك هذه الفجوة التعليمية واستيعاب الموقف، في الداخل والخارج السوري، بما فيه لبنان؛ فإننا أمام أزمة حقيقية متعددة الجوانب”، وأشار إلى أن العملية التعليمية ليست معزولة عن الواقع المحيط، وأن “الأطفال بسبب ارتدادات الحرب يحتاجون إلى رعاية نفسية واجتماعية خاصة؛ إذ إن لصدمات الحرب أثرها في تكوينهم النفسي، ويجب العمل على إدماجهم بالمجتمع بالتوازي مع العملية التعليمية، كي تُؤتي ثمارها بشكل جيد”، وتابع: “على الأشقاء اللبنانيين إدراك تلك الآثار، وعدم زيادة معاناة الأطفال اللاجئين، كي لا ينشأ جيل يتذكر الحرب والعنصرية، عوضًا عن مسح المشاهد المؤلمة من ذاكرته واستبدالها بمعان بنّاءة”.

يُشار إلى أن تقريرًا لمنظمة (هيومان رايتس ووتش)، في 2016، ذكر أن نحو “500 ألف طفل سوري في سن الدراسة، موجودون في لبنان، وأن نصفهم لا يذهب إلى المدرسة، ولا يقدر على الكتابة والقراءة والحساب”.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون