واشنطن بوست: الولايات المتحدة تستعد للحرب الخاطئة



جيم ماتيس، وزير الدفاع (جاكلين مارتن/ أسوشيتد برس)

بعد حرب فيتنام؛ خطط الجيش الأميركي، على نحو متعمد، لنسيان كل ما قد تعلّمه عن الأعمال الوحشية وغير السارة المتمثلة في قتال العصابات المسلحة. كان الجنرالات يعملون، وفق فرضية أنهم إذا لم يستعدوا لهذا النوع من الحرب؛ فلن يُطلب منهم خوضها. كان التركيز في الثمانينيات والتسعينيات، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، على محاربة الخصوم التقليديين النظاميين. وقد اختُبر هذا جيدًا في حرب الخليج عام 1991، لكنه ترك القوات المسلحة الأميركية في حالة سيئة ومأسوية، من ناحية استعدادها لحروب ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر في أفغانستان والعراق.

أخشى أن يكون التاريخ على وشك أن يكرر نفسه. في مناقشة كتابي الجديد عن إدوارد لانسديل، العميل السري الأسطوري في حقبة فيتنام، كنت أقوم بزيارة المنشآت العسكرية، ومنها الكلية الحربية، وقاعدة فورت بنينغ، ومدرسة الدراسات العليا البحرية، والبنتاغون. وفي كل مكان أذهب إليه، أسمع أن الجيش يحول تركيزه من مكافحة التمرد أو حرب العصابات إلى الصراع التقليدي.

يتماشى هذا مع استراتيجية الدفاع الوطني التي أطلقها جيم ماتيس (وزير الدفاع)، وهي تنص على ما يلي: “المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس مع الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيس للأمن القومي للولايات المتحدة”. ويعترف ماتيس بأن “الجماعات الإرهابية هي تهديدٌ للاستقرار من حيث إنها قادرة على مواصلة قتل الأبرياء وتهديد السلام، على نطاق أوسع”، لكنه أكثر انشغالًا بالتهديدات من “القوى الرجعية”: روسيا والصين، و”الأنظمة المارقة”: إيران وكوريا الشمالية.

تحليله منطقيّ إلى حدٍّ ما، نظرًا إلى أن كل تلك الدول المناهضة للولايات المتحدة تقوم بتوسيع قدراتها العسكرية، لكن الصراع المحلي لم ينته البتة؛ فهو موجود منذ فجر التاريخ (الحرب القبلية هي حرب عصاباتٍ في الأساس)، وسيظل يشكّل تهديدًا كبيرًا، على الرغم من خسارة (الدولة الإسلامية/ داعش) لخلافتها.

بينما ما نزال نواجه تهديدات الإرهاب وحرب العصابات، نواجه أيضًا تحدياتٍ غير تقليدية، من دولٍ مثل الصين وإيران وروسيا التي تشنُّ ما يُعرف بـحرب “هجينة” أو “غير نظامية” أو “رمادية”. كما تلاحظ استراتيجية الدفاع الوطني: “في التنافس في غياب النزاع المسلح، تستخدم القوى الرجعية والأنظمة المارقة الفساد، والممارسات الاقتصادية العدوانية، والدعاية (البروباغندا)، والتخريب السياسي، والوكلاء، والتهديد باستخدام القوة العسكرية أو استخدامها لتغيير الوقائع على الأرض”.

روسيا بارعةٌ بشكل خاص في هذا النوع من الحرب. روبرت مولر الثالث، المدعي العام متهم، ووزارة الخزانة فرضت عقوبات على وكالة أبحاث الإنترنت في سان بطرسبرج، لجهودها الناجحة في تخريب انتخابات 2016. في الوقت نفسه تقريبًا، هاجم مرتزقة روس، يعملون لحساب شركة خاصة تُدعى (فاغنر)، قاعدةً أميركية في سورية، وتعرضوا لخسائر فادحة من القوات الجوية الأميركية.

تعود ملكية وكالة أبحاث الإنترنت، ومجموعة (فاغنر) للرجل نفسه: يفغيني بريغوزين، وهو من كبار طغاة المال الروس، والمعروف بأنه “كبير طباخي الرئيس بوتين/ الشيف”؛ لأنه بدأ أعماله من إدارة المطاعم. بريغوزين لا يذهب إلى الحمام من دون إذن بوتين، ولكن حقيقة أنه ليس موظفًا حكوميًا يعطي الكرملين “التملص” من أعماله العدوانية. من خلال توظيف “قلة من الرجال المقنعين بالزي الأخضر” في أوكرانيا وسورية؛ وسّع بوتين نفوذه وقلل من مخاطر حربٍ عالمية ثالثة.

لقد جلب الدكتاتور الروسي اتجاهًا ذا طبيعةٍ خفية ومماثلة إلى عملياته المؤثرة، في أوروبا والولايات المتحدة. لقد دعم الزعماء المحبين لروسيا مثل ترامب، وسيلفيو بيرلوسكوني في إيطاليا، وفيكتور أوربان في المجر، في حين يزرع الشقاق والارتباك في المجتمعات الغربية. وتوضح لائحة اتهام مولر كيف أن بول مانافورت (مدير حملة ترامب) دفع لمجموعة من السياسيين الأوروبيين -منهم المستشار النمساوي السابق ألفريد غوسينباور- 2.5 مليون دولار؛ للضغط لصالح حكومةٍ موالية لروسيا في أوكرانيا.

ليس من الخطأ إعادة بناء القدرة القتالية التقليدية للولايات المتحدة، بكل الوسائل، بشراء المزيد من الطائرات المقاتلة، والسفن البحرية، وقضاء المزيد من الوقت في التدريب بالمدفعية والدبابات. هذه الأسلحة ضرورية من أجل الردع والحفاظ على السلام، لكن لا تتخيل أن كل هذه القوة النارية ستحافظ على سلامتنا. تحتاج الولايات المتحدة بشكلٍ عاجل إلى تحديث دفاعاتها ضد الحروب الهجينة.

تعمل دولٌ مثل السويد وإيطاليا على مكافحة التدخل الروسي في الانتخابات، من خلال تثقيف المواطنين حول “الأخبار المزورة”، وإغلاق الثغرات التي يمكن للقراصنة استغلالها. (ومع كل هذا، فاز الشعبويون الموالون لروسيا في الانتخابات الإيطالية الأخيرة). لكن الأدميرال مايكل روجرز، القائد السابق للحرب الإلكترونية الأميركية، أخبر الكونغرس أنه لم يُمنح سلطاتٍ كافية لمقاومة تدخل الكرملين، وأن الروس “لم يدفعوا الثمن. . . بما يكفي لإجبارهم على تغيير سلوكهم”.

غالبًا ما يُتهم الجنرالات بأنهم يخوضون الحرب الأخيرة. في الواقع، هم أكثر احتمالًا للاستعداد لحربٍ مستقبلية لن تأتي أبدًا، بينما يهملون الصراع الحالي. سوف يكرر البنتاغون ذلك الخطأ؛ إذا ركّز طاقته على الحروب التقليدية بدلًا من تهديد الحرب الهجينة. وللإنصاف، هذا ليس كله خطأ ماتيس. تتطلب مكافحة الحرب الهجينة تعاونًا مدنيًا وعسكريًا مكثفًا. لكن من الصعب خوض حربٍ، عندما يكون المستفيد الأول من هجوم العدو هو القائد العام.

اسم المقال الأصلي The United States is preparing for the wrong war الكاتب ماكس بوت، Max Boot مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 29/3 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/opinions/the-united-states-is-preparing-for-the-wrong-war/2018/03/29/0c0553ae-336b-11e8-8bdd-cdb33a5eef83_story.html?utm_term=.0f1df043970c عدد الكلمات 737 ترجمة وحدة الترجمة والتعريب


وحدة الترجمة في مركز حرمون


المصدر
جيرون