“أرامل” ينجحن في منع تهجيرهن من مخيم حدودي بريف إدلب*



“لن يستطيعوا إخراجنا من المخيم، وقراراتهم ذهبت مع الريح”، بهذه العبارة علّقت أم محمد، التي تقطن في مخيم خاص بالأرامل، في تجمع مخيمات أطمة بريف إدلب الشمالي، على الحدود السورية مع تركيا، على استفسارنا عن انعكاسات قرار “منع سكن الأرملة من دون محرم في المخيم”.

إصرار أم محمد على عدم الخروج من المخيم، جاء ردًا على قرار (إدارة شؤون المهجرين) في حكومة الإنقاذ (الجناح الخدمي لهيئة تحرير الشام)، في الثاني عشر من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والقاضي بـ “إسكان كل أرملة مع مَحرم شرعي لها أو بجانبه”، متوعدةً المخالفين بـ “المسائلة القانونية والشرعية”.

قالت أم محمد لـ (جيرون): إنّ “(حكومة الإنقاذ) لم تستطع تنفيذ القرار؛ بسبب معارضة الأرامل وذويهن له، إضافة إلى الدور الإيجابي لوسائل الإعلام في فضح هذا القرار، وتعريته أمام الرأي العام، وهو ما خلق شعورًا لدى القائمين عليه بأنهم متجهون إلى تصعيد جديد مع المدنيين، لن يكون في صالحهم”.

وطالبت أم محمد القائمين على القرار بـ “كفالة كاملة للأرامل وأبنائهن، وتأمين سكن لهن ولأبنائهنّ، قبل اتخاذ مثل هذه القرارات التي تفرق الأم عن ابنها”، وأشارت إلى أن “رفض النساء في المخيم للقرار، وتمسكهن بحقوقهن بالسكن مع أطفالهن، حال دون تطبيق القرار”.

وبحسب أم محمد، فإنّ خطوات الرفض، والتهديد بـ “التصعيد ضد القرار من خلال التظاهرات، أثمرت أيضًا عن السماح بعودة الأطفال ممن هم بعمر 14 سنة إلى السكن مع أمهاتهن، بعد أن أخرجتهم (إدارة شؤون المهجرين) منه، في وقت سابق، بذريعة أنهم أصبحوا رجالًا”.

لكنها في المقابل أبدَت امتعاضها من “تحكّم الهيئة بمواعيد زيارات الرجال إلى أقاربهم في المخيم، وحصرها في النهار”، إضافة إلى مضايقات أخرى “بلا طعمة”، على حد تعبير أم محمد.

اشتكت أم محمد من “قلة المساعدات، واقتصارها على سلة غذائية واحدة، فقط، توزعها وكالات الأمم المتحدة على سكان المخيم”، وقالت: إنّ “المساعدات لا تكفي لسد الرمق، حيث تقتصر على سلة غذائية مقدمة من الأمم المتحدة، إضافة إلى توزيع بعض الجمعيات للتمور والألبان”.

أم محمد أرملة، وأمّ لخمسة أطفال، استقرت بها الحال في مخيم أطمة، بريف إدلب الشمالي على الحدود السورية مع تركيا، بعد أن فقدت زوجها في قصف لطيران النظام السوري، على حي السكري في مدينة حلب عام 2014، ما اضطرها إلى النزوح مع أطفالها إلى مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، وهناك فقدت ثلاثة من أبنائها، في إثر قصف طيران النظام لمنزلها المستأجر عام 2016.

وروت السيدة أم محمد، في لقاء سابق مع صحيفة (جيرون) الإلكترونية، تفاصيل رحلة نزوحها، والصعوبات التي واجهتها، وفقدها لزوجها، إلى أن استقرت بها الحال في مخيم أطمة، حيث تسكن الآن، في غرفة مسقوفة بالصفيح.       (https://geroun.net/archives/106120 )

ويحصر أبو محمود، مدير مخيم للأرامل، علاقته بإدارة (شؤون المهجرين) التابعة لـ (حكومة الإنقاذ)، بعدد من المهمات اللوجستية، وقال لـ (جيرون): إنّ “سلطة (إدارة شؤون المهجرين) تنحصر في (الإحصاء، تنظيم دور الإغاثة، التواصل مع المنظمات، ووضع خطة عمل للمنظمات في المخيمات)”.

كلام مدير المخيم يؤكده عدد من سكان المخيمات بريف إدلب الحدودية مع تركيا، لكنهم يشيرون إلى مهمات أخرى تقوم بها (إدارة المهجرين)، مثل “منع التصوير في المخيمات وحصره بإذن رسمي منها”، إضافة إلى عدد من المهمات الأمنية واللوجستية الأخرى.

تشكلت (حكومة الإنقاذ) برئاسة الدكتور محمد الشيخ، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بعد مبادرة من قبل عدد من الأكاديمين في محافظة إدلب، الذين يُتهمون بالولاء لـ (هيئة تحرير الشام/ النصرة سابقًا).

ويُعدّ اسم (هيئة تحرير الشام) الاسم المتغير الثالث لـ (جبهة النصرة) التي أعلن عن تشكيلها، في 24 كانون الثاني/ يناير 2012، كجناح لتنظيم القاعدة في سورية، ثم أعلن أبو محمد الجولاني، قائد الجبهة، في تموز/ يوليو 2016 فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة، وغير اسمها إلى (جبهة فتح الشام).

وفي كانون الثاني/ يناير 2017 أعلنت (فتح الشام) عن تشكيل جديد، تحت مسماها الحالي (هيئة تحرير الشام)، وهي عبارة عن ائتلاف عدة فصائل أبرزها (حركة نور الدين الزنكي، جيش الأحرار)، ثم ما لبثت أن توالت الانشقاقات عن الهيئة، لتبقى (النصرة) وحيدة في الائتلاف الجديد؛ ما دفعها إلى تشكيل (حكومة الإنقاذ)، بهدف التماهي مع التطورات الإقليمية والدولية. وفق العديد من المراقبين.

اعتبرت لبنى قنواتي، المديرة الإقليمية لمنظمة (نساء الآن)، أن المرأة السورية في المخيمات هي من “أكثر الفئات تهميشًا في المجتمع”، وقالت لـ (جيرون): إنّ “القيود المجتمعية زادت على النساء في الداخل، من خلال القيود التي فرضتها سلطة الأمر الواقع عليهن، وقيدت من حريتهن في الحركة واللباس”.

ما تتعرض له أمّ محمد، ومئات النسوة في الداخل السوري، من ممارسات سلطة الأمر الواقع، يشكل انتهاكًا صريحًا، للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي ينص في المادة 12 على أنه “لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي، في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص حقٌ في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات”.

تأمل أم محمد في أن يتغير واقع حالها نحو الأفضل، وأن تمد المنظمات الإنسانية يد العون لها، ولأقرانها في المخيمات، وختمت حديثها، قائلة: إنّ “واقعنا للأسف سيئ للغاية، من حيث المعيشة والقرارات التعسفية التي تصدر بين الحين والآخر، وأتمنى أن يعمّ السلام البلاد، وأن أعود إلى منزلي في حلب، لاستعيد ذكرياتي (على الأقل) مع من فقدتهم تحت الركام بفعل القصف.. يا بني، لم يبق لنا سوى الذكريات والبكاء على أطلال الأحبة”.

*أنتجت هذه القصة الصحافية، بدعم من منظمة (صحافيون من أجل حقوق الإنسان) الكندية، وصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية.


منار عبد الرزاق


المصدر
جيرون