تطابق سياسات ترامب وأوباما في الصراع السوري



اشتغلت قوى المعارضة السورية التي تصدرت الثورة، وفق إدراكات متسرعة وساذجة وخاطئة، من أهمها أن العالم، وفي مقدمته الولايات المتحدة، سيتدخل لصالحها، كي يسقط لها النظام، أو كي يقوّيها لإسقاطه، بغض النظر عن خطاباتها وأدائها ومستوى تمثيلها، في حين أن الدول في هذا العالم لا تشتغل على هذا النحو، فهي ليست جمعيات خيرية، ولا منظمات حقوق إنسان، وإنما تشتغل وفقًا للمصالح وموازين القوى، ولعديد من المدخلات الأخرى.

هكذا، فوجئت بعض أوساط المعارضة بتصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلق بإعلانه خروج بلاده من سورية، في أقرب وقت، وذلك على عكس التصريحات السابقة، الصادرة عن وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين، التي تحدثت عن بقاء الولايات المتحدة لأمد طويل، أي ليس إلى حين القضاء على (داعش)، فقط، وإنما إلى حين تحقيق الاستقرار في سورية، مع اعتبار أن مهمتها باتت تتعّلق، أيضًا، بإغلاق “الكرادور” الإيراني، من طهران إلى لبنان، مرورًا بالعراق وسورية، مع التركيز على بذل جهودها، لتحجيم نفوذ إيران في المشرق العربي، باعتبار ذلك جزءًا من مفهوم الولايات المتحدة لأمنها القومي.

في نقاش هذا الأمر، ينبغي عدم التسرع في التعاطي مع تصريح الرئيس الأميركي المعروف بتقلباته وتصريحاته المتسرعة، إذ طالما أطلق مثل هذه التصريحات أو الوعود، من مثل تجميد أو إلغاء برنامج الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأميركية، وبناء جدار على الحدود مع المكسيك، والخروج من حلف (ناتو)، والخروج من اتفاقيات الحفاظ على البيئة، والحد من الهجرة إلى أميركا؛ وكلها وعود لم تثبت أو لم تتحقق، أو لم يجد لديه القدرة على تنفيذها، بحكم قوة المجتمع الأميركي، وقوة مؤسساته، وتأثيرات جماعات الضغط المتعددة، وأيضًا بفضل النظام القائم على الفصل بين السلطات.

من ناحية أخرى، فإن ما يجب إدراكه هنا، أكثر من أي شيء آخر، أن الولايات المتحدة تتصرف على أساس أن ليس لها مصالح حيوية في سورية، الفقيرة بمواردها وبإمكاناتها، ولا سيما بعد كل الخراب الذي حصل فيها، وعلى أساس أنه مهما حصل في سورية، فإنها لن تتضرر لا في مصالحها في المنطقة، ولا في مكانتها في العالم، إذ حتى روسيا تتوسل إلى الولايات المتحدة لرفع العقوبات التكنولوجية التي فرضتها عليها؛ وهذا ما يؤكد ثقة الولايات المتحدة بقوتها ومكانتها، ليس العسكرية والاقتصادية فحسب، وإنما أساسًا قوتها التكنولوجية والعلمية؛ هذا مع علمنا أن الولايات المتحدة باتت تسيطر، بطريقة أو بأخرى، على نحو 40 بالمئة من الأرض السورية في الشرق والجنوب، على الحدود مع العراق والأردن، وفي الشمال في الحدود مع تركيا.

إضافة إلى كل ما تقدم، فإن خروج أو عدم خروج الولايات المتحدة من سورية يبقي سياساتها في الصراع السوري، من عهد أوباما إلى عهد ترامب، عند محددات ثلاث رئيسة: أولاها الإبقاء على ديمومة الصراع في سورية، لأن استمرار الصراع لا يؤثر في المصالح الأميركية أو مصالح حلفائها، ولأنها تتوخى من ديمومة الصراع تحقيق مآرب مختلفة، منها تقويض دول المشرق العربي من العراق إلى سورية، ولا أحد يعرف إن كانت هذه المهمة انتهت، وبات يفترض التحول إلى استراتيجية بديلة، تقوم على الحسم في استعادة الاستقرار لسورية. وثانيتها استدراج الأطراف الأخرى للتورط في الصراع السوري، واستنزافها، ووضعها في مواجهة بعضها (روسيا وإيران وتركيا)، وهو ما حصل سابقًا، وسيحصل مجددًا، وربما بصورة أقوى وأوسع، بخاصة مع الفراغ الذي يمكن أن يخلفه الانسحاب الأميركي من سورية. وثالثتها الحفاظ على أمن “إسرائيل”، ولعل هذه هي القطبة المخفية، في تقرير السياسة الأميركية في الصراع السوري، منذ بدايته، وفقا لمبدأ “دع العرب يقتلون بعضهم”. المهم أن ما يجري يجعل “إسرائيل” في بيئة آمنة لعقود، وهذا ما يريحها، ويقدم لها أكبر خدمة في تاريخها، والمهم أن هذه الخدمة اضطلعت فيها إيران بالدور الرئيس، بقيامها بتصديع البنى المجتمعية في العراق وسورية، على أسس طائفية، وللسخرية المريرة، فإن هذا حصل مع ادعاءات إيران بالمقاومة والممانعة.

لا أعرف إن كان ثمة تفسيرات أخرى، وحقًا آمل أن أعرف إن كان ثمة من تفسير، وعلى ما يبدو، فإن هذه السياسة باقية، إلى حين توفر قناعة لدى صناع القرار الأميركيين بأن هذه الأهداف تحققت، بغض النظر عن اسم الرئيس القاطن في البيت الأبيض في واشنطن.


ماجد كيالي


المصدر
جيرون