المستلزمات الصحية الشهرية تحوّل حياة السوريات إلى كابوس*



على مضض واستحياء، تحدثَت لينا من الغوطة الشرقية المحاصرة، عن معاناتها الشهرية، من جراء صعوبة الحصول على المستلزمات الصحية الخاصة بالدورة الشهرية. تقول لينا في حديث إلى (جيرون): “في ظل عدم توفر أبسط مقومات الحياة هنا؛ يتحول الحديث عن مشكلات الدورة الشهرية ومعاناة النساء إلى نوع من الترف والرفاهية، على الرغم من حجم ما تولده هذه المشكلة من انعكاسات صحية ونفسية عليهن”.

تلجأ لينا الفتاة العشرينية -كمعظم نساء الغوطة- إلى استخدام الأقمشة أو الملابس القديمة، بدلًا من الفوط الصحية لعدم توافرها، وإن وُجدت فهي ذات نوعية رديئة جدًا، وبأسعار مرتفعة لا تتناسب مع الإمكانات المادية لمعظم العوائل.

توضح لينا: “هناك نوعان من الفوط الصحية: الأول رديء جدًا ويُباع بالقطعة، ويبلغ ثمن كل ستّ قطع دولارًا واحدًا، وهناك نوع أفضل (نوعًا ما) يبلغ ثمن نصف دزينة منه دولارين ونصف. وهذا مبلغ مرتفع، بالنسبة إلى منطقة محاصرة بالكاد يوفر أهلها ثمن وجبة طعامهم”.

سبب ارتفاع أسعار الفوط الصحية -كما تقول لينا- هو أن إدخالها يتمّ عن طريق التهريب من مناطق النظام. وتضيف: “بسبب إغلاق الأنفاق؛ بدأ البعض بصنع فوط صحية مكونة من قماش مغطى بطبقة من البلاستيك، لكنها ليست صالحة للاستعمال مطلقًا”.

اللجوء إلى استبدال الفوط الصحية بالأقمشة، يعرّض النساء لمشكلات صحية كثيرة كالالتهابات النسائية وأمراض المسالك البولية. ويزداد الوضع سوءًا في ظل عدم وجود مختصين بالأمراض النسائية في الغوطة الشرقية. حتى إذا لجأت السيدات إلى أطباء غير مختصين، فإن الأدوية مفقودة بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه النظام السوري على المنطقة.

بعيدًا من الغوطة الشرقية المحاصرة، تواجه معظم النساء في مخيمات النزوح الداخلية، على الشريط الحدودي بين سورية وتركيا في إدلب وريف حلب الغربي والشمالي، المشكلة ذاتها التي تواجهها نساء المناطق المحاصرة.

(أم عمر)، من مخيم (الإيمان) في ريف حلب الشمالي، أكدت لـ (جيرون) غياب المساعدات المتعلقة بالمستلزمات الصحية بشكل شبه تام. وأضافت: “كل شهرين أو ثلاثة، تقوم بعض الجمعيات أو المنظمات الخيرية بتوزيع الفوط الصحية، كجزء من سلة تتضمن بعض مواد التنظيف، وهي ذات نوعية رديئة للغاية، ما يجعل معظم النساء يمتنعن عن استخدامها”.

إضافة إلى رداءة هذه المنتجات، فهي -بحسب أم عمر- تُوزع بكميات قليلة جدًا ولفترات متباعدة. وتوضح: “يقومون بتوزيع الفوط الصحية كل عدة أشهر، وكأنها شيء ثانوي! حتى لو اضطررنا إلى استخدامها، على رداءة نوعيتها، فهي غير متوفرة بشكل دائم وبكميات كافية”.

في ظل هذا النقص، تلجأ بعض النساء في مخيم (الإيمان) إلى شراء الفوط الصحية من الصيدليات القريبة من المخيم التي تقوم بإدخالها، إما من تركيا أو من مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب، وذلك عبر تجار يقومون بتسيير شاحنات، من حلب إلى مدينة عفرين، ومن ثمّ إلى ريف حلب الشمالي، بأسعار تراوح بين 500 إلى 1000 ليرة سورية. وهو ما يفوق الطاقة المادية لهن، لا سيما إذا كانت العائلة الواحدة تضم أكثر من فتاة أو امرأة.

الحال ذاتها بالنسبة إلى اللاجئات السوريات في لبنان، حيث تشتكي معظمهن من انقطاع المنظمات عن توزيع الفوط الصحية، ومن رداءتها إن وُجدت، حيث إنها تسبب لهن حساسية جلدية، مما يضطرهن إلى تأمين تلك الاحتياجات على حسابهن الشخصي.

ترى الأربعينية أم جمال من مخيم (حوش النبي) في البقاع الأوسط، أن انقطاع دورتها الشهرية منذ أشهر حدثٌ سعيدٌ، أزاح عن كاهلها المعاناة الشهرية من قلة الفوط الصحية، وعدم توفر أي خصوصية للمرأة خلال هذه الفترة، بسبب تقاسم الحمامات العامة مع الرجال. تقول أم جمال لـ (جيرون): “كنت أضطر كثيرًا إلى تأخير ذهابي للحمامات، بسبب المشكلات التي تحصل جراء ازدحام الناس أمامها. فضلًا عن غياب الخصوصية التي كانت تدفعني إلى الذهاب ليلًا، تحاشيًا لنظرات الرجال وما ينتج عن ذلك من إحراج. لم أكن أشعر بالأمان في أثناء ذهابي ليلًا، بسبب بُعد الحمامات عن الخيام”.

وجدَت دراسة أجرتها مؤسسةFoundation  Global One، وهي منظمة إنسانية غير ربحية مقرها الأمم المتحدة، في مخيمات النزوح واللاجئين في سورية ولبنان، أن “60 في المئة من اللاجئات السوريات لم يكن لديهن إمكانية الوصول إلى المنتجات الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية”. وذكرت الدراسة أيضًا أن “أكثر من نصف النساء اللاتي تمت مقابلتهن، يعانين من مشكلات صحية غالبًا ما كانت تُترك دون علاج”.

خلود إسماعيل، وهي عاملة اجتماعية في إدارة الحالات بمنظمة (الإنقاذ الدولية)، أوضحت لـ (جيرون) معاناة اللاجئات السوريات في المخيمات اللبنانية قائلة: “الفوط الصحية تُقدم للاجئات من قبل بعض الجمعيات والمنظمات (أوكسفام، المجلس النرويجي للاجئين) بكميات قليلة وفترات متباعدة ضمن مشاريع نظافة، لكن هذه المساعدات لا تشمل كافة المخيمات، وإنما حسب المنطقة التي يشملها المشروع، وعادة تكون المخيمات قليلة نسبيًا”.

أشارت خلود إلى مشكلة غياب الخصوصية، بسبب تواجد الحمامات خارج الخيم، إضافة إلى شراكة الحمّام الواحد مع أكثر من عائلة، ما يزيد الأمر تعقيدًا. وتابعت: “للأسف، الاستجابة لحاجات النساء المتعلقة بالدورة الشهرية خجولة. بالنسبة إلى منظمتنا، فهي لا تقدم مساعدات تتعلق بهذا المسألة، ويقتصر الأمر على الرعاية بالصحة الإنجابية فقط”.

وضع النساء السوريات في مخيمات الجزر اليونانية ليس بأفضل من مثيلاتهن، في المناطق المحاصرة ومخيمات النازحين واللاجئين. فريال، وهي سيدة ثلاثينية من مدينة دير الزور السورية، وصلت إلى مخيم (موريا) في جزيرة ليسبوس اليونانية، منذ سنة ونصف مع زوجها وطفلتيها.

شرحت فريال، خلال حديث إلى (جيرون)، معاناتها الشهرية قائلة: “أعتبر هذه الأيام من كل شهر أشبه بالكابوس، فبسبب عدم توافر الفوط الصحية، أضطرُّ إلى استخدام بدائل غير جيدة، كالإسفنج والأقمشة، تعوق حركتي وتنقلي ضمن المخيم. وهذا يجعلني في مزاج سيئ للغاية، فضلًا عن المشكلات الصحية التي أعاني منها”.

تقول فريال: إن بعض المنظمات الإنسانية توفر المستلزمات الصحية، ولكنها غير كافية. وبسبب حساسية الموضوع، تشعر فريال بالحرج من طلب المستلزمات الصحية من موظفي المنظمات الذين في الغالب يكتفون بتقديم المواد الغذائية. وأضافت: “حتى لو توفر المال، فإنني أجد صعوبة في الحصول على الفوط الصحية، بسبب بُعد المخيم من مركز المدينة، وعدم وجود متاجر قريبة بمحيط المخيم”.

باسل قصير، وهو أحد المتطوعين الذين يساعدون اللاجئين في مخيمات الجزر اليونانية، يرى أن هناك تغاضيًا من قبل معظم المنظمات عن احتياجات المرأة. وأوضح في حديث إلى (جيرون): “أثناء وجودي في مخيم (موريا)، لاحظت أن المنظمات تولي أهمية لتقديم المواد الغذائية والمأوى فقط. للأسف، الرعاية الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية غير موجودة على أجندة مساعدات معظم المنظمات. كما أن خجل النساء من الإفصاح عن حاجاتهن الشخصية، لأن معظم عمال الإغاثة من الرجال، يساهم في تعميق هذه المشكلة”.

يرى باسل أن تصميمات مخيمات اللاجئين لم تراعِ خصوصية المرأة، خلال الدورة الشهرية، فالحمامات مشتركة وبعضها مكشوف أيضًا. وأضاف: “إن نظافة الحيض لا تُعدّ أولوية منقذة للحياة، على الرغم من أنها تؤثر بشكل كبير في صحة المرأة، وبخاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية”.

يتابع: “للأسف، الحمامات غير مجهزة بأماكن للاغتسال والعناية الشخصية، وهذا -بتصوري- يعود إلى أن القرار في هذه الأمور غالبًا يكون بيد الرجال، وهم بالتأكيد لا يعرفون ما هي احتياجات المرأة”.

رغم أن وضع النساء في مناطق سيطرة النظام لا يُقارن بمثيلاتهن في المناطق المحاصرة ومخيمات اللجوء والنزوح، فإن هناك عبئًا ماديًا تواجهه نساء هذه المناطق في تأمين الفوط الصحية، بسبب ارتفاع أسعارها الذي يراوح ما بين 500 و600 ليرة سورية للعبوة الواحدة التي تحوي 6 قطع. وهذا سعر مرتفع في ظل الأزمة الاقتصادية التي يواجهها المدنيون في مناطق النظام، لا سيّما إذا عرفنا أن متوسط أجور الموظفين لا يتجاوز 30 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ لا يكفي لتوفير متطلبات الحياة الأساسية، كالطعام وفواتير المياه والكهرباء وغيرها.

تتساءل لينا من الغوطة الشرقية، في ختام حديثها، عن جدوى الحديث عن هذه المشكلة، طالما أنه لا توجد منظمات مهتمة بهذا الموضوع، وتقول: “أتمنى أن أرى تحركًا فعليًا من قبل الجهات المعنية بهذه المسألة، رغم أني أصبحت شبه متيقنة بأن لا أحد يأبه لمشكلاتنا”.

*أنتجت هذه القصة الصحافية، بدعم من منظمة (صحافيون من أجل حقوق الإنسان) الكندية، وصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون