الهلال الأحمر يسرق مساعدات النازحين



تناقل السوريون كثيرًا، قبل الثورة، أحاديث وقصصًا عن كيفية تعامل نظام الأسد مع الفاسدين، حتى أصبحت من اليقينيات، حيث يبحث النظام عن الفاسد ليرقيه، وإن تم اكتشاف أمر سرقة كبيرة لموظف أو مسؤول وأوقف بسببها، فهذه تعدّ ميزة في سيرته الوظيفية، بعد الإفراج عنه وتلقيه المباركات؛ إذ ستُرشحه لاحقًا للترقية إلى منصب أعلى، وقد يصل إلى مرتبة مدير عام أو وزير.

كشف موقع (داماس بوست) التابع لنظام الأسد، اليوم الخميس، نقلًا عن مصدر في (الهلال الأحمر العربي السوري)، وكذلك عن مصادر في (المنظمة الدولية للصليب الأحمر)، أن “تعداد السلال الغذائية المخصصة لسورية يُقارب 35 مليون سلة غذائية سنويًا، بينما التعداد الحالي لسكان سورية لا يتجاوز 15 مليون نسمة”، وأوضح أن “عدد السلال الغذائية المقدمة هو أكبر من التعداد البشري، داخل سورية قبل الأزمة”.

وأكد أنه على الرغم من هذه الكمية الكبيرة، “ما زالت بعض العائلات تُحرم من مخصصاتها بغير وجه حق، لتقوم كوادر (الهلال الأحمر) بتوزيعها على من لديه (واسطة)، أو لأقاربهم، أو أنها تباع للتجار في حالات كثيرة، وبالتالي تُطرح في الأسواق بأسعار مرتفعة، وهي بالأصل مجانية”.

وكان الموقع نفسه قد نشر، يوم أمس الأربعاء، خبرًا مفاده أن “بعض عناصر الهلال الأحمر، المكلفين بتوزيع المساعدات على أهالي الغوطة، المقيمين في مراكز الإيواء في (حرجلة، الدوير، نجها، وغيرها) يسرقون جزءًا من هذه المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الدولية”. وتتضمن تلك المساعدات “سلة غذائية وأدوات مطبخ، خبز، حليب، وسلة صحية فيها أدوات شخصية ومنظفات وغيرها”، وإن سرقة تلك المواد “تتسبب في نقصان الكميات الموزعة على الأهالي”.

يناشد الموقع المذكور “الدولة السورية”، التدخل للحفاظ على “سمعتها”، وهو بالتأكيد يدرك أن نظام الأسد الذي سرق الدولة بكل هيكليتها ودمّرها، وفتح المجال للقتل والنهب والاغتصاب علنًا، هو من يدير تلك العمليات على أعلى مستويات، ومن ثم، كعادته، يكذب أمام المجتمع الدولي، عبر ممثليه كما يفعل سفيره بالأمم المتحدة، بل إن نسبة عظمى من السوريين، في كافة المناطق حتى تلك التي تسمى حاضنة للنظام، هم على دراية تامة بأن نظامهم هو مجموعة مافيات وليس دولة، وأن الحديث عبر مواقعه الإعلامية عن هذه المواضيع له غاية أخرى منها، لا علاقة لها بالقانون والحقوق، أو بالدولة.

كانت تقارير إعلامية سابقة قد أفادت أن مسؤولين كبارًا، هم الذين يشرفون على سرقة قوافل الإغاثة التي كانت توجه من المنظمات الدولية إلى المناطق المنكوبة والمحاصرة، خلال السنوات الماضية، وتؤكد أيضًا مسؤوليتهم عن نهب كميات من المساعدات التي كانت تُقدم للمحتاجين في المناطق الموالية له. وقد تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي العديد من الصور التي توضح كيف تُباع تلك المواد المنهوبة بالأسواق علنًا، في مناطق مختلفة على امتداد سورية، ولعل من أكثر تلك السرقات وضوحًا، ما قيل إنه فضيحة في العام الدراسي السابق، عن بيع الحقائب المدرسية التي تحمل شعار (يونيسف)، إذ قالت -حينئذ- صفحات تابعة لنظام الأسد: إن نحو “مليون حقيبة سُرقت من قبل وزارة التربية السورية”، كانت الأمم المتحدة قد خصصتها لمساعدة الطلاب عام 2016.

إن عمليات سرقة مواد الإغاثة من قبل عناصر نظام الأسد، لاحظها السوريون منذ عام 2011، وكانت تسوّق عبر وسطاء تحت رعاية الأمن والفرق الحزبية، وقد زادت وقاحة فيما بعد، مع تفاقم الأزمة المعيشية للأهالي، وتغول النظام في دم السوريين بجرائم كبرى، فتُركت هذه المواضيع بالنسبة إلى عناصره كنوع من الرشوة، كما أن الناشطين السوريين، وبعض المنظمات، اتهموا موظفي الأمم المتحدة وهيئاتها، بتقديم النسبة الكبرى من المساعدات الأممية إلى نظام الأسد، وحرمان المناطق المنكوبة منها، كما ظهرت كميات غير قليلة منها في بعض المواقع العسكرية التابعة له، لكن الأمم المتحدة لم تحرك ساكنًا في هذا الشأن، حتى الآن.

عند حصار الغوطة الشرقية أخيرًا، ذكرت منظمة (أطباء بلا حدود) في تقرير لها، أن نظام الأسد سلب المواد الطبية من القوافل البسيطة التي سمح بإدخالها، وسطا حتى على الأدوية اللازمة للعمليات الجراحية ومنها مواد التخدير، ويُرجح العديد من المتابعين أن الهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة متواطئة، بشكل أو بآخر، مع نظام الأسد، في منع الإغاثة الحقيقية والجادة عن السوريين المنكوبين، وهي تتعمد تقديم التسهيلات لبقاء حصول النظام على تمويل، يغطي فيه حربه على المدنيين.

المواد المسروقة التي سرقها عناصر الهلال الأحمر من مهجري الغوطة، هي استكمال لحصارهم الذي استمر عدة سنوات، بأمر من نظام الأسد الذي يدير عمليات السرقة تلك. قد يدفع ثمن هذه العمليات -ظاهريًا- عددٌ من المتطوعين المدنيين في الهلال، الذين لا يعرفون شيئًا عن الموضوع من أصله، ولهذا سُمح للموقع المذكور بإثارة القضية على يومين متتاليين، وليس لغاية كشف الفساد، فجرائم هذا النظام أكبر من نهب سلال الغذاء، إذ استنزف الوطن واستسهل تمزيقه وبيعه.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون