on
أخطاء تقوّض حقوق السوريين
لو كان قادة الفيالق والفرق والجيوش الفصائلية في سورية يتمتعون بحد أدنى من المعرفة عن الخطط والسياسات الدولية والإقليمية الخاصة بسورية، لاتخذوا مواقف مغايرة للتي اعتمدوها في معارك العام الأخير. ولو كانوا ثوريين، لفهموا أن روسيا تطبق خطةً تحمل اسم معهد راند الأميركي، تقول بإقامة أربع مناطق منفصلة، بحيث تخرج المعارضة من المنطقة الأسدية، والأسديون من منطقتين خصصتا للمعارضة، تقع أولاهما في الشمال السوري، وتخضع لإشراف تركيا، وثانيتهما في جنوب سورية، وتكون تحت إشراف أردني. أما الهدف من الفصل فهو فرض فترة تهدئةٍ تسوّى خلالها قضايا تتصل بتمثيل سكان المناطق المختلفة وإدارة شؤونهم، وببعض مشكلات المهجرين، على أن تنتهي تسويتها خلال أعوام، يرتبط عددها بنجاح التهدئة وترتيب أوضاع المناطق محليا، وبتفاهم دولي بين موسكو وواشنطن وأنقرة وطهران على مصالح كل عاصمة، والحد من برنامج إيران المكرّس لإقامة محور شيعي بين أفغانستان وجنوب لبنان، وأخيرا باقتناع موسكو بعجزها عن الانفراد بحل المسألة السورية، وبفرض الأسد ونظامه الطائفي الحالي على العالم وأغلبية السوريين. كما يرتبط، أخيرا، بما إذا كان العالم سيتمسك بوجهة نظره الحالية بشأن اعتبار القضية الكردية جزءا من المسألة السورية العامة، ويحل في إطارها.
ما يحدث في الغوطة هو تطبيق لاتفاقية إخراج مقاتلي الفصائل مما سميت “سورية المفيدة”، أي من منطقة روسيا وإيران والأسد، وهو سيشمل مقاتلي القلمون الشرقي وجنوبي دمشق وريف حمص الشمالي، وهو ينفذ من دون اعتراض أميركي أو أوروبي أو تركي/ أردني. لو كان من ينفردون بالقرار من قادة الفصائل يعرفون التفاهمات والخطط الدولية والسيناريوهات المطروحة حول القضية السورية، ولو كان هدفهم سلامة السوريين، وكانت حساباتهم صحيحة، لامتنعوا عن خوض معارك يعلمون مسبقا أنها خاسرة، ولطلبوا التفاوض مع الأمم المتحدة أو روسيا وتركيا بشأن نظام ضماناتٍ يحمي السكان من تشبيح الأسد وإجرامه، ويكفل حقهم في انتخاب مجلس محلي، يدير منطقتهم بالتعاون مع مؤسسات بلادهم المدنية والخدمية، ويمنع القيام بأية عمليات مسلحة انطلاقا منها، في مقابل خروج المقاتلين منها، وذهابهم تحت إشراف دولي إلى واحدة من المنطقتين المخصصتين للمعارضة، بما يحافظ على ميزان القوى بينهم وبين النظام!
لا مجال للمكابرة:
ـ إذا لم تكن المقاومة وطنية ومعاركها شاملة وخاضعة لقيادة موحدة، فإن موازين القوى بين روسيا وإيران والأسد لا تسمح للفصائل المحلية بالمحافظة على منطقتها، وبصد ما يتعرّض له سكانها ومقاتلوها من هجماتٍ اقتلاعية، فكيف إذا كانت فصائلها متعادية/ متناحرة كفصائل الغوطة، وتتربص كل واحدةٍ منها بغيرها وتكيد لها.
ـ ما سيناله الشعب السوري من الحل يتوقف على نوع العلاقة الذي ستقيمه الأطراف المحلية المتصارعة مع تركيا في الشمال، والأردن في الجنوب، ونجاحها في نيل دعم الدولتين لها. وقبل هذا وذاك، على موقف دولي يساند حقوق السوريين، لم يعد الحصول عليه ممكنا اليوم بواسطة معارك محلية خاسرة تدور في منطقة الروس والإيرانيين والأسديين، تعود بضرر مخيف على السوريين وحقوقهم، بينما تشتد حاجتهم إلى جهود سياسية، تبقي النظام بعيدا عن تركيا والأردن، وتحافظ على قوة الفصائل لمعركةٍ قد تكون قادمة ضد إيران، لا سيما أنها ستكون محميةً في منطقتيها بالتفاهم الدولي من جهة، وبقوات تركيا والأردن، وربما واشنطن، من جهة أخرى.
لا يخوض الثوري معارك عبثية يعلم أنها خاسرة، ويقاتل من أجل اتفاقيات تحمي المدنيين من الإجرام الأسدي، ويعمل للانضواء في سياقات دولية تخدم حقوق السوريين التي تتناقص بعد كل هزيمة!.
(*) كاتب سوري
العربي الجديد
المصدر
جيرون