on
المعلمون السوريون في بلدان اللجوء طاقات معطلة! ما العمل؟
بلغ عدد الأطفال السوريين اللاجئين في تركيا ولبنان والأردن، من عمر (3-18 سنة) 1.67[1] مليون طفل، يواجهون تحديات تعليمية جدّية على مستوى الكفايتين الكمية والنوعية، حيث ما زال 720 ألف طفل خارج المدارس، أي 40 بالمئة منهم. ومعظم المقيدين بالمدارس يواجهون تحديات تعليمية، تدعو لعدم الاطمئنان إلى مستوى كفاية النظم المتاحة نوعيًا، وبالتالي إلى الشك في جدوى هذا التعليم، كعامل مُهم في تكوين شخصياتهم بأبعادها المختلفة. ومن أبرز تلك التحديات نقص عدد المعلمين المساهمين في تعليمهم من جهة، وانخفاض كفاياتهم المهنية من جهة أخرى، في بعض البلدان المضيفة لهم، وفي التحدي اللغوي في بلدان أخرى، في حين ينتظر عشرات آلاف المعلمين السوريين اللاجئون في هذه البلدان فرصتهم للعمل والمشاركة في تعليم أطفال بلدهم.
غير معروف عدد المعلمين السوريين الذين فرّوا من بلدهم وأصبحوا لاجئين. بعض المصادر[2] تحدثت عن فرار 52 ألف معلم، منذ عام 2011، ومصادر أخرى تحدثت 70 ألف معلم قدّموا استقالاتهم من أصل 420 ألفًا. ويبقى العدد الحقيقي غير معروف.
رصدت منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (HRW)، في عدد من تقاريرها، الوضع التعليمي للأطفال السوريين اللاجئين في بلدان ثلاث: تركيا ولبنان والأردن[3] وتناولت العقبات التي تمنع إحراز تقدم ملموس في هذا الوضع. حلل الكاتب هذه التقارير، وتوصل إلى حقائق مهمة تتصل بوضع المعلمين السوريين اللاجئين، وبمدى مساهمتهم في العملية التعليمية للأطفال السوريين:
في الأردن، جميع المعلمين بالمدارس العامة/ الحكومية، سواء في المناطق المضيفة للاجئين أو في المخيمات، يجب أن يكونوا مواطنين أردنيين، ويحصلون على رواتبهم من وزارة التربية. وكذلك العاملون في مدارس المخيمات ومدارس السوريين المسائية، هم أيضًا أردنيون وهؤلاء معلمون مؤقتون يستخدمون بعقود، محرومون من الإجازات مدفوعة الأجر ومن التأمين الصحي التي يحصل عليها معلمو الدوام الكامل. وهؤلاء لا يحصلون على التدريب التربوي الكافي.
وقد أكدت دراسات علم النفس التربوي أن المعلمين المؤقتين، والمحرومين من عديد الحقوق والمكلفون بالعمل، في مدارس مسائية وفي أحياء فقيرة أو في مدارس المخيمات، غالبًا ما تكون اتجاهاتهم سلبية نحو طلابهم وظروف عملهم؛ ما ينعكس على أدائهم، وتحصيل تلاميذهم. ويعزز هذه الاتجاهات السلبية ازدحامُ الصفوف بالطلاب، ونقص عدد المقاعد الدراسية، وعدم تجهيزها لاستقبال الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، على مستوى الأجهزة والأدوات والمقاعد..
أما المعلمون السوريون فقد سُمح لبضع مئات منهم بالمساعدة في إدارة/ ضبط فصول مدارس مخيمات اللاجئين المزدحمة بأكثر من 45 طالبًا، بخلاف هذا، فهم ممنوعون من التدريس.
في لبنان، على الرغم من استقبال المدارس الحكومية للطلاب السوريين، فإنها لم تسمح للمعلمين السوريين بمشاركة زملائهم اللبنانيين بالتعليم، لأن القوانين اللبنانية لا تُجيز تشغيلهم في مؤسسات الدولة، ومن جهة أخرى، لا يتقن المدرسون السوريون المهارات اللغوية التي تمكنهم من تدريس المواد الأساسية في المدرسة اللبنانية: الرياضيات والفيزياء والكيمياء، بالإنكليزية أو والفرنسية، بدءًا من الصف السابع.
في العام الدراسي 2016/2017 اعتمدت وزارة التربية اللبنانية برنامجًا تدريبيًا، يزود خريجي الجامعات من السوريين بمهارات التدريس، ويساهم في توفير تعليم أكثر فاعلية للاجئين السوريين في المدارس، لم تظهر نتائجه إلى اليوم.
أما في تركيا، فقد اعتمدت الإدارة التربوية سياسة خاصة بالطلاب السوريين، لاستيعابهم في النظام التعليمي؛ حيث يبدأ الطالب السوري بالتسجيل في مراكز تعليمية مؤقتة، يتم فيها تعليم المناهج السورية بعد تعديلها ويجري التعليم باللغة العربية، وهنا تم السماح للمعلمين السوريين بالعمل، ولكن بأجر بسيط يتقاضونه من الجهات المانحة (يونيسف). يعقب هذه المرحلة انتقال الطالب إلى ما سميّ “المرحلة الانتقالية”، وفيها تُزاد حصص اللغة التركية، مقابل تقليص حصص اللغة العربية، تمهيدًا للمرحلة الأخيرة، وفيها يتم دمج الطلاب السوريين بالمدارس الرسمية، وفيها يجري تعليم المنهاج التركي باللغة التركية. في هذه المرحلة يعجز المعلمون السوريون عن المشاركة في العمل، لأسباب تتصل بضعف قدراتهم اللغوية، وعدم اطمئنان السلطة التربوية التركية إلى معارفهم في مجال محتوى المنهاج وإلى مهاراتهم التدريسية؛ لذا يتم استخدامهم كـ “معاوِنين” في التدريس. ولو تمكن بعضهم من إتقان اللغة فسوف يصادفون معاملة تمييزية على صعيد الدخل، وفي بعض المدارس، فضلًا عن المضايقات من جانب المعلم التركي، ما يحول دون حدوث تعاون مثمر فيما بينهم.[4] وقد بات الفصلُ بين المعلمين الأتراك والسوريين في قاعات الأساتذة أمرًا شائعًا، في بعض المناطق التعليمية، على الرغم من المحاولات التي يبذلها مديرو المدارس لتشجيع التعاون بين المعلمين الأتراك والسوريين.
إن تبني البلدان المضيفة سياسات تعليمية، تقضي بدمج السوريين في أنظمتها التعليمية، يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة إلى الطالب والمعلم السوريين على السواء.
يمكن حل كثير من العقبات التعليمية التي تواجه الطلاب والمعلمين السوريين، في بلدان اللجوء، من خلال تبني تلك الدول وكذلك الجهات المانحة سياسة تربوية، تترك للسوريين حرية الاختيار بين نظامين تعليميين: الأول يسمح للطالب بالانتساب إلى النظام التعليمي الوطني للبلدان المضيفة، والثاني يسمح له بالانتساب إلى نظام تعليمي سوري معدل بمناهجه، يعلم باللغة العربية ويقوده معلمون سوريون، من دون أن ننسى ضرورة إعادة تأهيلهم ورفع كفاياتهم المهنية، فهم الأقدر على فهم السياق الاجتماعي والنفسي للطلاب السوريين.
لقد ضاق السوريون ذرعًا من نُظم تقيد خياراتهم، وباتوا توّاقين لنظم توفر لهم التعددية والقدرة على الاختيار.
[1] تركيا 3.424 مليون. لبنان 997,905 ألف. الأردن 660 ألف مسجلون في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين و250 ألف غير مسجلون فيها..
[2] HRW, We’re Afraid for Their Future, Barriers to Education for Syrian Refugee Children In Jordan. August 16, 2016
[3] انظر HRW, We’re Afraid for Their Future 2016
وأيضًا HRW, Growing Up Without an Education” Barriers to Education for Syrian Refugee Children in Lebanon / JULY 2016
وأيضًا When I Picture My Future, I See Nothing, Barriers to Education for Syria Refugee Children in Turkey. November 8,2015.
[4] على سبيل المثال، يُشير المعلمون الأتراك إلى زميلاتهم السوريات بـSuriye Kadinlari (أي نساء سوريات) بدلاً من öğretmen، وهي التسمية التي تُطلَق على المعلّمين في تركيا. http://carnegieendowment.org/sada/74783
ريمون المعلولي
المصدر
جيرون