الأسد وعُقد الوحشية المكتملة



تعرّض الشعب السوري في تاريخه الحديث، وما زال يتعرض، لسلسلة من المجازر، من مذبحة حماة إلى مذابح الثورة السورية التي اتصلت أسماؤها بمدن وقرى سورية، تحدثت عن مجازر عصابات الأسد، حتى بات كل ركن وحي وزاوية يدلّ على اسم مجزرة اقترفتها عصابات الأسد محلية أو مستوردة، حيث انخفض بنتيجتها عدد السوريين في تلك البلدات والمدن، وتبعثروا داخل حدود الوطن وخارجها.

برزت مذابح السلاح الكيمياوي وغاز السارين والخردل والكلور، كنموذج دموي رهيب يستخدمه النظام السوري، في كل مرحلة، لترهيب المجتمع السوري، وعلى الرغم من اعتراف منظمات وهيئات مدنية وسياسية محلية وإقليمية ودولية بمسؤولية نظام الأسد عن معظم الهجمات الكيمياوية، فإن المواقف الدولية ظلّت متفرجة بانتظار أن يرمي الأسد قذيفة تالية من السمّ.

تثير هذه المجازر مسائل عديدة، بعضها بدهي وبسيط، وبعضها معقد، أو معقد جدًا، يرتبط بالتحولات الجارية على مستوى المنطقة والعالم، الذي عجز عن مواجهة جرائم نظام بشار الأسد، وقد أصبح بعضهم يرسل وفوده السرية لإقامة التطبيع معه والتربيت على كتفه. صرّح الرئيس الفرنسي ماكرون، قبل أيام، بأن بلاده تناشد موسكو الضغطَ على الأسد ليوقف هجماته على السوريين؛ فكانت النتيجة مجزرة مروعة في دوما ليست الأولى، بعد أيام قليلة من ذكرى مرور عام للهجوم على خان شيخون، وبين المجزرتين نفذت قوات الأسد 15 هجومًا كيمياويًا، في مناطق مختلفة من سورية.

مجزرة دوما اليوم أو خان شيخون بالأمس واللطامنة وداريّا… إلخ، هي جزء بشع من مجموعة مآسٍ، دفع فيها الشعب السوري، ثمنًا كبيرًا، نتيجة الأوضاع الدولية والإقليمية التي تمد حبالها للسفاح في دمشق، باعتباره غنيمة دولية موزعة بين الأطراف المختلفة الامتياز على الأرض والحدود.

الهمجية التي يُظهرها نظام الأسد على المجتمع السوري، وقد ظهرت في قائمة المجازر والمذابح التي لا تنتهي، تستدعي الكثير من الدراسة، لقد وجدت مجازر كثيرة في التاريخ أكبر أو أصغر، لكننا اليوم نرى، في سبعة أعوام، كلّ مكان وصل إليه “غزاة الديار” من عصابات الأسد، يمتلئ بالجثث. تميزت همجية الأسد عن غيرها من تاريخ المجازر، بأن لها نوعًا خاصًا ونكهة جرمية موصوفة بالأسدية.

إذن، ثمة همجية كبرى، صدرت عن نظام جبان يعبّر عن عُقد مكتملة الوحشية، وعن حقد دفع بارتكاب الأسد لفظائع تتكرر يوميًا، أيضًا هذه الاستهانة الكبرى بالحياة الإنسانية للسوريين، تؤلف جزءًا من الهمجية التي اتصفت بها كل مجازر الأسد الصغير بحق المجتمع السوري، بعد أن قام بتوظيف كل الوسائل والشعارات التي تدين المذابح، إلى حالة من الاستسهال المتكرر لفعل الجريمة. دوما المخنوقة، ستتبعها مناطق أخرى يتجمع فيها السوريون، درعا وإدلب وريف حماة وحلب، على طريق غاز الأسد ونابالمه، فلِمَ لا يواصل سفاح سورية جرائمه، طالما أن البيئة الدولية تشجعه على المضي بالجرائم؟

أخيرًا، هناك مجموعة من المسائل المتعلقة بمجازر الأسد، ترتبط بالمواقف العربية والدولية، منها جوانب عديدة متشعبة، لكننا سنقتصر بإيجاز شديد على أمرين: الأول يتمثل في ضعف ردات الفعل المباشرة على كل مذابح السارين والخردل والسواطير وأقبية التعذيب والدمار الشامل، إلى درجات تكاد معدومة بالمقارنة مع الاعتداء الروسي على الجاسوس “سكريبال” في بريطانيا، وردة فعل المجتمع الدولي عليها في أميركا وأوروبا، والثاني: الإغفال المستمر والتراجع عن الدلالة على رأس النظام ومسؤوليته عن قتل مليون سوري، بعد أن أمّن له اللوبي العربي، عبر بعض النظام الرسمي، شبكة تطبيع ودعم لجرائمه. التعمية الأخلاقية الممارسة على السوريين مع بعض التأثير، تفرز نقطتين رئيستين يمكن الإشارة إليهما هنا، وهما تغطيان شيئًا من التفسير المتعلق بطبيعة الأمور، وتتركزان على دور السوريين أنفسهم أولًا، وعلى مسألة التركيز على أوراق القوة ثانيًا. وهي عديدة سنأتي عليها لاحقًا وهي كفيلة بهزيمة وفكفكة عقد وحشية الأسد.


جيرون


المصدر
جيرون