“نزيه أبو عفش” يمجّد “التعفيش” والسارين



لم تعد المأساة السورية ترتبط بحجم الدمار، ولا بعدد الدول التي تحالفت -علنًا أو ضمنًا- لدعم نظام بشار الأسد في قتل الأهالي، بل امتدت إلى عمق البنية الفكرية والمفاهيم القيمية، التي تربى عليها بعض أفراد جيل رافق منظومة الأسد، حيث اعتقد أن الإلمام ببعض عناوين كتب ثقافية، والتأنق في مراكز الأسد الثقافية، يمكن أن يكون بطاقة تبرير له ولآرائه، أيًا كان مستواها.

“نزيه أبو عفش”، أو كما عرّفه فارس البحرة، حين نقل المنشور عن صفحته في (فيسبوك): “من أقوال الرفيق الأمين العام المساعد الدكتور الركن محمد نزيه أبو عفش”، حيث كتب أبو عفش، حول مجازر نظام الأسد في دوما: “الآن، الجيش السوري لا يخوض حربًا، إنه يقوم بمحاكمة مجرمين ودول مجرمة. الجيش السوري الآن هو المرجع”، وتابع: “للجيش السوري العظيم، الآن ودائمًا، قيامة مجيدة”.

هكذا رأى “أبو عفش” الصورة الشاعرية لموت الطفولة السورية، واغتيال غوطة الشام ومسح ذكريات أهلها. وهي رؤية تلائم وصف إبراهيم كادوني: “شاعر السارين الظلامي نزيه أبو عفش”، وكذلك مع ما كتبه جان دوست: “إن كان هذا شاعرًا؛ فالشعر جريمة يجب أن يعاقب مرتكبها”، وتابع: إنه “شاعر الكيمياوي نزيه أبو عفش”.

أوضح الكاتب والمخرج الفلسطيني نصري حجاج، تفاصيل هذا المشهد المبتذل لبعض المثقفين بالقول: إن “الذين يقتلون والذين يدعمون القتلة، بالقول أو بالفعل أو بالفكر، والذين لا يكترثون لما يفعل القتلة، والذين لا يمتلكون الوقت للتفكير أو لمشاهدة أو لتأمل ما يفعل القتلة، والذين لا يرون غير (إسرائيل) من عصابة القتلة، والذين ليس لديهم الوقت لما يفعل القتلة، لأنهم مشغولون بالفكر أو بالشعر أو بالسينما أو بالفن أو بعيد الشجرة وعيد الأم وعيد استقلال بلادهم، والذين زهقوا من قتل القتلة، لأن القتل طال في الزمن، والذين لا ترتجف قلوبهم لمشهد الأطفال، في كل مكان في سورية الذبيحة، كل هؤلاء شركاء للقتلة في القتل وانتهاك الإنسانية”.

في هذا السياق، كان تساؤل فادي آدم أسعد على منشور أبو عفش: “لم يكتف الجيش العربي السوري بتعفيش بيوت السوريين، بعد أن يقصفهم ويدمّر بيوتهم، ها هو اليوم يقصف أطفال دوما بالكيمياوي، هل تتخيل أولادك أو أحفادك، يا نزيه، يختنقون بالسارين، أجبني يا أستاذ”.

وقال رضوان أبو فخر: “كنت أظن أن الشعراء أكثرنا إنسانية ورهافة في الإحساس، والآن أدركت خطأ ما أظن، كل سارين وأنت بخير، وكل مجزرة وأنت شاعر”.

“أبو عفش” ليس وحيدًا على منصة الإبداع الكيميائي، فهناك العديد من “شعراء ومثقفي وفناني” بلاط السارين، حيث نجد على سبيل المثال نزار بني المرجة، الذي أبى على نفسه أن يترك “تعفيشات” أبو عفش الإبداعية منفردة في “تألقها الوجداني”، فكتب له: “صدقتَ، شاعرنا الكبير الغالي، والجيش وشهداؤه، ضميرنا في هذه الحرب”، ليتابع مبدع كيميائي آخر هو عباس حيروقة التعليق: “حماة النبض وحراس الفجر، سادة الأرض، رجال جيشنا العربي السوري، دمت شاعرنا الكبير”.

هكذا “كبار المبدعين” يحيّون بعضهم، يا لفخر السوريين بإرثهم “الثقافي”، الذي أفرزه لنا المذهب الفكري للأسدية البوتينية الخامنئية! يرافقهم قوميو النكسات والنكبات العربية، حيث تعدّى الإعجاب بخطاب “أبو عفش” وجيشه الكيمياوي الحدود السورية، ليعبر إلى حدود النكسة في المقلب الآخر، حيث مصر، إذ قدّم براء الخطيب التحية لـ “أبو عفش” بتعليقه: “الجيش السوري العظيم رفيق الجيش المصري العظيم، عاشت سورية العروبة، وعاش الشعب السوري العظيم حرًا للأبد”.

وجد الأسد في هؤلاء “المتثاقفين”، بخاخ تلميع رخيص السعر غزير الإنتاج، يمكن أن يلمع له بعض الواجهة الدموية، مقابل أن تلمع لهم مؤسساته الإعلامية والثقافية أسماءهم، وتعوضّهم من ميزانية مؤسسات دولةٍ سطا عليها تحت جنح الظلام، حيث بدأت مكافأتهم في العقود السابقة ببضعة آلاف من الليرات، توزعها المراكز الثقافية عليهم، فصدق هؤلاء أنفسهم أنهم مبدعون.

إن جرح السوريين عميق، عمق آلام التاريخ العربي المكسور ونكباته، تلك التي صنع منها سياسيو الغفلة وجنرالات “التعفيش”، أوسمة انتصاراتهم الزائفة، فوق أكباد أبناء جلدتهم الذين أُدميت عيونهم تقرحًا، وهي ترقب فجر حرية صادق.

تلك الأوجاع هي التي جعلت إبراهيم بركات يكتب بدوره: “هذا ليس نزيه، لأن من يؤيد السفاح بقتل الأبرياء وتيتيم الأطفال وتشريد الشعب، ليس إلا لصًا سرق البسمة من الأطفال، وسرق حياة الشباب والآباء والأمهات”، وتابع: “من ينام بهدوء على آهات البشر؛ لا يستحق أن يكون شاعرًا بل وحشًا”.

علق جان دوست، في منشور آخر على صفحته، مخاطبًا الأصدقاء المشتركين بينه وبين أبو عفش: “الفيسبوك ليس افتراضًا، أيها الأصدقاء، إنه الحقيقة، إنه المرآة التي تُرينا انحيازاتنا إلى الحق أو الباطل، بالنسبة إليّ الحق واضح والباطل واضح”، وأضاف: “صداقتكم مع شاعر سوري فاشي لا تسرني، وأرجو منكم أن تتخذوا قراركم الإنساني، المثقف ضمير قبل أن يكون نتاجًا”، وكتب أيضًا: “أصدقائي الجبناء، تصبحون على نزيه أبو عفش”.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون