سكان الرقة يعيشون خيبة أمل بعد ستة أشهر من سيطرة (قسد)



مرت ستة أشهر تقريبًا على سيطرة ميليشيات (قوات سورية الديمقراطية/ قسد) على الرقة، لكن المدينة، بعد كل هذه المدة، لم تستعد عافيتها، وما زال سكانها يعانون الأمرّين، لإعادة إعمار بيوتهم وإزالة آثار المعارك، في ظل تخاذل وتضييق ملحوظ تمارسه سلطة الأمر الواقع.

أشارت وكالة (أسوشيتد برس)، في تقرير نشرته الأسبوع الماضي، إلى أن سكان الرقة “يشعرون بخيبة أمل، بسبب الوضع الإنساني الكارثي، في مدينتهم شبه المدمرة من قبل التحالف الدولي، إبان المعركة ضد (داعش)، ويشعرون أن العالم كله تخلى عنهم”.

أضافت الوكالة في تقريرها أن “الناس في الرقة يحاولون إعادة بناء حياتهم، لكنهم خائفون من كل ما حولهم، سواء من ميليشيات (قسد) التي تدير المدينة ذات الغالبية العربية، أو من قوات النظام التي تتواجد على مقربة من الرقة، أو العصابات التي تقوم بعمليات الخطف والسرقة، أو بقايا عناصر تنظيم (داعش)، ممن يختبئون بين المواطنين”.

يعاني سكان الرقة سوءَ الخدمات، ويجدون بين حين وآخر عشرات الجثث بين الركام، إضافة إلى الألغام المزروعة بين المنازل، فضلًا عن ممارسات ميليشيات (قسد) التي تفرض على المدنيين الإتاوات، وتمنعهم من إعادة ترميم منازلهم المهدمة، إلا بعد دفع “ضريبة إعادة الإعمار”، كما نقل موقع (الرقة تذبح بصمت) أن (قسد) فرضت، أول أمس الثلاثاء، إتاوات على ورشات البناء، وهددت بمصادرة المعدات، في حال عدم دفع الإتاوات المفروضة.

المحامي والناشط الحقوقي محمد شلاش أكّد، في حديث إلى (جيرون)، أن “المدينة ما تزال كومة من الأنقاض والألغام، فوق المئات من جثامين سكان المدينة، وسط غياب للخدمات العامة الرئيسة: الصحة والكهرباء والمياه الصالحة للشرب..”، وأشار إلى “تنامي ظاهرة الانفلات الجنائي والأمني، المتمثل بجريمة السرقة للأملاك العامة والخاصة، وعلى رأسها السيارات، كما تم تسجيل عدد من حالات خطف مدنيين، لطلب الفدية المالية”.

تمكّن وفد من الأمم المتحدة، مطلع الشهر الماضي، من دخول المدينة للمرة الأولى منذ أخلاها تنظيم (داعش)، ونقل موقع المنظمة الدولية على الإنترنت أنّ المهمة كانت صعبة، بسبب القيود على التحركات وضعف الاتصال بالإنترنت أو الهواتف.

نقل الموقع عن جاكوب كيرن، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في سورية، قوله: “نحن هنا في مدينة الرقة في سورية، وهذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها طاقم أممي من القدوم إلى الرقة، لكم أن تتخيلوا حجم الدمار! فالمدينة تبدأ من الصفر، السجلات مدمرة، وربما يكون ثلثا المباني قد دمّر أيضًا، نقدّر أن هناك نحو 100 ألف شخص يعيشون في منازلهم، سواء أكانت مهدمة أم لا”.

علق شلاش على هذه الزيارة بالقول: “الأمم المتحدة تلعب دورًا محدودًا جدًا حتى الآن، سواء من حيث نزع الألغام من المدينة، أو الجهود الإنسانية لدعم المحتاجين إليها. ومجموعات المجتمع المدني المحلية المحدودة في الرقة تعاني من قلة التمويل الكافي لحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها، خصوصـًا إذا ما أُخذ بالحسبان أن البنية التحتية للمرافق العامة والمرافق الخاصة الخدمية، في محافظة الرقة، تمّ تدميرها بشكل شبه كامل”.

نقل ناشطون من داخل الرقة أن خلافات واسعة ظهرت، بين (لواء ثوار الرقة) المكون من أبناء المدينة، وقيادة ميليشيات (قسد) التي تسيطر على المدينة، أدّت إلى اندلاع اشتباكات مسلحة بين الجانبين، الأسبوع الماضي، كما احتج الأهالي على فرض (قسد) التجنيدَ الإجباري على أبنائهم، وتظاهروا ضدها.

أرجع شلاش سبب هذه التوترات إلى أنّ “ميليشيات (قسد) تستمر، حتى الآن، في السيطرة على مفاصل السلطة والقرار في الرقة، في ظل عدم توفر إشارات حول نيتها نقل السلطات إلى السكان الأصليين، وما تزال تستخدم المدينة كساحة خاصة بها، محرّمة ذلك على القوى والحوامل المحلية للثورة، وهذا في غير صالح إعادة الاستقرار في المدينة”.

بالنسبة إلى الحل، من أجل إخراج الرقة من هذه الأزمة الاجتماعية المتفاقمة، قال شلاش: “أعتقد أن إخراج الرقة من حالة الحصار متعدد الأوجه، ويمكن أن يبدأ من نقل كافة السلطات إلى أبناء المدينة؛ لإطلاق دورة الحياة والاقتصاد من جديد، وتحصينها بشكل جاد ضد ميليشيات النظام التي تتربص بها، وتطلق التهديدات لسكانها غير الموالين للنظام أساسًا، وتفعيل دور المجتمع المدني، ودخول المنظمات الدولية لتوفير الخدمات اللازمة”.

يذكر أن ميليشيات “قوات سورية الديمقراطية” تمكنت، منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، من إبرام صفقة مع تنظيم (داعش)، قضت بخروج مسلحي التنظيم إلى محافظة دير الزور، وتمت الصفقة بعد أربعة أشهر من قصف طيران التحالف للمدينة.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون