صحيفة كوميرسنت: في سورية صبوا السمّ على النار، الهجوم على شرق الغوطة مشحون بصدام روسي أميركي



ألقت وزارة الخارجية الأميركية اللومَ، على نحو قاطع لم يسبق له مثيل، على روسيا التي سمحت لقوات الحكومة السورية بالاستخدام المزعوم للسلاح الكيمياوية في سورية. وحذر ترامب من أن الدعم الروسي لدمشق “سيتعين عليه دفع ثمن باهظ”. وجاء هذا التصريح على خلفية أزمة عميقة تعصف بالعلاقات الروسية الأميركية، ويبدو أن أميركا مصممة على التصعيد المحفوف بخطر المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا في سورية. ومن مصدر مقرب لصحيفة (كوميرسنت) في وزارة الخارجية الأميركية، سيبحث البيت الأبيض هذا الأسبوع فرض عقوبات جديدة على روسيا، والمقرر الأساس هو مستشار ترامب جون بولتون المعروف بتطرفه.

قدّم المعلومات عن الهجوم الكيمياوي “جيش الإسلام” الذي يسيطر على المدينة السورية دوما، وهي تقع في الغوطة الشرقية على بعد عشرة كم من دمشق، وكذلك منظمات غير حكومية، يوم السبت الماضي، ومن ضمنهم أصحاب (الخوذات البيضاء) المعروفين بمواقفهم المتشددة ضد السلطات السورية.

توفي نتيجة هذا الهجوم، كما أفاد رائد الصالح رئيس (الخوذ البيضاء)، 70 شخصًا ومئة شخص بحالة حرجة، بقنبلة من غاز السارين تمّ إلقاءها من مروحية تابعة للجيش السوري، وبراوية أخرى وعدد من التقارير “قنبلة محملة بغاز الكلور”. وبهذا الصدد؛ تمّ نشر صور ومشاهد فيديو مروعة على شبكات التواصل، من منظمات غير حكومية من أماكن المأساة.

“شاهدنا مشاهد الفيديو، ومن دون أن نبني فرضيات، الزبد الذي يخرج من الفم وحالة العيون تؤكد -دون أدنى شك- استخدام السلاح الكيمياوي، “هذا ما صرح به الممثل الرسمي للمعارضة وعضو الهيئة العليا للتفاوض، ومقرها الرياض: الدكتور يحيى العريضي، لصحيفة (كوميرسنت)، وتابع قائلا: “سبق للولايات المتحدة الأميركية أن صرّحت بأنها ستتخذ إجراءات؛ إذا استخدمت سورية السلاح الكيمياوي”. وقال: “روسيا تتحمل القسط الأكبر من هذه المأساة؛ لأنها هي من تقوم بتغطية جرائم النظام”.

هذا ونفت كل من موسكو ودمشق بشدة استخدام المواد الكيمياوية السامة في القنابل على الغوطة الشرقية، واعتبرته مجرد أوهام.

كيف سيطر الجيش السوري على شرق الغوطة؟

جاء في بيان للحكومة السورية، نقلته وكالة (سانا)، أن الإرهابيين في (جيش الإسلام) في حالة تخبط، وقاموا بفبركة الهجوم الكيمياوي حتى يعرقلوا تقدم الجيش السوري”.

وقد صرح يوم الأحد ممثل الخارجية الروسية بأن “الهدف من وراء هذه الادعاءات الكاذبة، التي لا أساس لها من الصحة، حماية الإرهابيين والمعارضة المتطرفة التي ترفض أي تسوية سياسية، وتنتظر ضربة خارجية”.

تحدث فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي، في المؤتمر الصحفي المشترك مع رجب طيب أردوغان، عن نتائج المحادثات المشتركة وعن احتمال استخدام الكيمياوي، وقال: “تلقينا معلومات أكيدة لا يمكن دحضها، عن استعداد الجماعات المتشددة استفزاز العالم باستخدام مواد سامة”.

إن الروايات المتضاربة عن حادث الضربة الكيمياوية في دوما قد سبقها انتهاك غير متوقع من الجماعات المسلحة: “جيش الإسلام”، للهدنة الموقعة يوم الجمعة الماضية مع القوات الحكومية.

صرح في دمشق، يوم السبت الماضي، اللواء يوري يفتشينكو، رئيس المركز الروسي للتوفيق والمصالحات، بأنه خلال اليومين الماضيين تمّ ضرب المناطق السكنية بالعاصمة دمشق بقذائف صاروخية، أسفرت عن مقتل 7 وجرح 42 مدنيًا.

كيف فازت روسيا بنصر أخلاقي في سورية؟

طبقًا للمعطيات التي قدمتها القوات الروسية، فإن التصعيد الجديد في الغوطة الشرقية بدأ مع انسحاب المقاتلين مع أفراد أسرهم من دوما؛ ما أدى إلى تبديل القيادات العليا في “جيش الإسلام” -كما أفاد اللواء يفتشنكو في بيان صدر عنه- بعد أن تمت تصفية كل من (أبو همام، وأبو عمر، وأبو علي) واستلام (أبو قصي) “جيش الإسلام” الذي يرفض المصالحة بشدة”. ومن مصدر خاص لـ (كوميرسنت) تمّ نفي حدوث أية انشقاقات في قيادة (جيش الإسلام)”.

ليست هي المرة الأولى، خلال الحرب السورية، التي تتعرض فيها دمشق لاتهامات المعارضة السورية والقوى الخارجية الداعمة لها باستخدام السلاح الكيمياوي في دوما، فقد سبق للأمم المتحدة أن حققت في 33 حالة لاستخدام السلاح الكيمياوي، على مدى خمسة أعوام. وقد سبق أن تعرضت الغوطة في آب/ أغسطس 2013 لهجوم كيمياوي أسفر -وفقًا لمصادر مختلفة- عن مقتل بين 300 و1700 إنسان. وفي نيسان/ أبريل 2017، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيمياوي مماثل، وهي تقع أيضا تحت سيطرة المعارضة.

تتميز حادثة دوما عما سبقها من حوادث مماثلة، بأنها جاءت في ظل أزمة كبيرة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية والغرب عمومًا، على خلفية تسميم سكريبال وابنته في بريطانيا، ولذلك نجد الخارجية البريطانية -وليس من قبيل المصادفة- أول من اتهمت روسيا بالهجوم المزعوم على الغوطة الشرقية، وجاء في بيان الخارجية: “ندعو نظام الأسد ومؤيديه في روسيا وإيران إلى الوقف الفوري، لاستخدام العنف ضد المدنيين الأبرياء”.

لماذا يريد ترامب معاقبة بشار الأسد:

أصدر بوريس جونسون، يوم الأحد، بيانًا منفصلًا حمّل فيه موسكو المسؤولية عن استخدام الكيمياوي في سورية، علمًا أن روسيا تعهدت عام 2013 بتخلي النظام السوري عن جميع أنواع الأسلحة الكيمياوية، وتسليمها للخبراء الدوليين. إلا أن الخبراء قد أكدوا أن النظام السوري منذ عام 2014 قد استخدم المواد السامة، ما لا يقل عن أربع مرات.

وألقت وزارة الخارجية الأميركية في المقابل، على نحو قاطع لم يسبق له مثيل، اللومَ على روسيا في الحادث الذي وقع في دوما. وقد وعد الممثل الرسمي للخارجية الأميركية بأن أميركا “ستبذل كل جهد لتقديم المسؤولين عن استخدام السلاح الكيمياوي، في سورية وفي أماكن أخرى، للعدالة”.

أجرى بعد ذلك ترامب تقييمًا شخصيًا للحدث على (تويتر)، وأكد عزمه على مزيد من التصعيد ضد موسكو قائلًا: “سقط العديد من القتلى، بينهم نساء وأطفال في هجوم كيميائي مجنون في سورية، في منطقة مغلقة ومحاصرة تحيط القوات السورية بها؛ ما يجعلها معزولة عن العالم الخارجي. والرئيس بوتين وإيران هما المسؤولان عن دعم الأسد الحيوان، وعليهم أن يدفعوا ثمنًا باهظًا”.

كما اتهم ترامب سلفه السابق باراك أوباما، بعدم الجرأة على استخدام القوة ضد دمشق، ولو لجأ أوباما إلى فرض السيناريو؛ “لكانت الكارثة السورية قد انتهت، منذ زمن طويل، ولأصبح الأسد الحيوان من التاريخ”.

وصرح وزير المالية الأميركي ستيفن منوشين أيضًا بأن فريق ترامب سينظر مساء في الخيارات، في الرد على استخدام الكيمياوي في دوما.

كيف قسموا سورية إلى مناطق

إن تنفيذ سيناريو إدارة ترامب بالقوة في سورية أصبح أكثر واقعية؛ فقد حذر الجيش الروسي في الشهر الماضي، قبل وقوع الحادث في مدينة دوما، على لسان رئيس الأركان العامة العقيد سيرغي ريدسكوف الذي أشار إلى وجود دلائل على إعداد الولايات المتحدة وحلفائها هجومًا ضد القوات السورية، من قبل مجموعة سفن قد تمّ تشكيلها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، كمجموعة ضاربة محملة بصواريخ (كروز). كما صرح رئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف بأنه “في حال تعرضت حياة جنودنا للخطر؛ فإن القوات المسلحة الروسية ستقوم بالرد على الصواريخ ومصادر إطلاقها”.

ويشير مصدر (كوميرسنت) العسكري إلى أنه لا يوجد استعداد واضح للولايات المتحدة لتوجيه ضربة صاروخية على سورية. لتوجيه ضربة؛ يلزم البحرية الأميركية الكثير من الوقت. فالمدمرة (دونالد كوك) متواجدة في جبل طارق، وهي محمّلة بـ 50 صاروخ (كروز) و(توماهوك)، بإمكان كل منها اجتياز مسافة 2500 كم … وبتقدير خبير (كوميرسنت)، يمكن توجيه ضربة للقوات السورية، في بداية الأسبوع المقبل، بعد أن يكون الرئيس قد حصل على تقارير من مستشاري الأمن القومي، وخاصة أماكن تواجد الخبراء الروس، وأماكن الاشتباكات بين الفرقاء في المحافظات وحول الغوطة، لتجنب وفاتهم، كما صرح المصدر.

تزيد الأزمة في هذه الأثناء في سورية حدة التوتر بين موسكو وواشنطن. ووفقًا لـ (كوميرسنت) عن مصدر مقرب من وزارة الخارجية الأميركية، في وقت مبكر من هذا الأسبوع، فإن البيت الأبيض سيناقش فرض عقوبات جديدة ضد روسيا، التي سيقدمها المستشار جون بولتون الشخصية المعروفة بمواقفه الراديكالية.

العنوان الأصلي الكاتب سيرجي ستروكان ، ماريانا بيلينكايا ، إيفان سافرونوف المصدر صحيفة كوميرسنت 9/4/2018 الرابط https://www.kommersant.ru/doc/3598266 المترجم هادي الدمشقي


هادي الدمشقي


المصدر
جيرون