الغارديان: الضربة على حق، لكن جَلب روسيا إلى الطاولة فقط يمكن أن ينهي الصراع السوري



العمل العسكري وحده لن يطيح الديكتاتور. يحتاج الغرب إلى اتباع استراتيجية سياسية تؤدي إلى تسوية تفاوضية

طفل من دوما، معقل الثوار السوري الذي هوجم بالأسلحة الكيمياوية. تصوير: نظير الخطيب/ وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي

كان يوم الأربعاء 11 نيسان/ أبريل، عندما كتب دونالد ترامب تلك التغريدة المصيرية، حول هجومٍ يلوح في الأفق على سورية كعقوبةٍ على آخر استخدامٍ لنظام الأسد للأسلحة الكيمياوية. وقبل ذلك، حسب رأيي، إن العمل العسكري الغربي لم يكن، بالضرورة، جزءًا من حلٍّ للصراع. وبدلًا منه، المطلوبُ هو إرادةٌ سياسية من جانب الولايات المتحدة على وجه الخصوص، باعتبارها القوة العظمى الوحيدة القادرة على ممارسة ضغطٍ شديد على روسيا، الوسيط الرئيس في سورية، لإحضار الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات.

ولكن بمجرد أن أعلن ترامب أنه سيعاقب بشار الأسد عسكريًا، كان عليه أن يتابع الأمور حتى نهايتها، وإذا لم يفعل فسيدمّر صدقية الولايات المتحدة. أظهر استخدام الأسلحة الكيمياوية في دوما أن صواريخ ترامب الـ 49 التي أطلقت على أهدافٍ للنظام العام الماضي، ردًا على الهجوم الكيمياوي في خان شيخون، لم تمنع الأسد من تكرار فعلته، وأن هجومًا محدودًا مماثلًا لن يحقق الكثير.

الحقيقة هي أن العقوبة العسكرية وحدها، بغض النظر عن حجمها، لن تنهي الصراع، فبقاء كلٍّ من القوات الموالية للأسد والمتمردين (على الرغم من التغييرات في تكوين المعسكرين)، بعد سبع سنواتٍ من الصراع، يظهر أنه لا يمكن لأيّ منهما الفوز في الحرب السورية عسكريًا.

لكن الأمر ليس ذاته بأن نقول إن الصراع السوري انتهى، بسبب أنه فات الأوان لفعل أي شيء، كما أصبح من المغري جدًا هذا القول من البعض في الغرب، خاصةً أن نظام الأسد يبدو أنه يستعيد مناطق من المتمردين في سورية. إذا تركنا النظام يفوز؛ فإن الحجة التي تقول “لا تفعل شيئًا، ليست مثالية، لكنها على الأقل ستجلب الاستقرار إلى سورية”. مثل هذه الحجة ليست مضللةً فحسب، ولكنها خطيرة. لم يصل أيّ صراعٍ في التاريخ إلى لحظة أن الوقت “متأخر جدًا لفعل أي شيء”. وألا تفعل أي شيءٍ في حالة سورية يعني ببساطةٍ السماح بإنهاء مرحلةٍ واحدة من الصراع، وفي الوقت ذاته، تمهيد الطريق لمرحلةٍ أكثر دموية في المستقبل.

مع ذلك، ما يمكن عمله بشأن سورية قد تغير خلال السنوات السبع الماضية. في البداية، قبل أن تتحول الأزمة إلى حرب، كان من الممكن استخدام الدبلوماسية الدولية للضغط على النظام السوري، وإقناعه لتقديم بعض التنازلات للمحتجين، لكن لم تكن هناك إرادةٌ سياسية بين الدول الغربية للقيام بذلك.

عندما صار الصراع دمويًّا، وأصبح من الواضح أن الأسد كان يتعلم من رحيل الزعيم الليبي معمر القذافي -ويتصرف بعنفٍ على الاحتجاجات المناهضة للنظام- كان من الممكن إزالته من خلال العمل العسكري، وخاصةً في الوقت الذي كان فيه دور روسيا وإيران في دعم الأسد ما يزال حديثًا. لكن تجربة ليبيا عام 2011، والعراق عام 2003، كانت تعني عدم وجود شهيةٍ في الغرب للتدخل العسكري في سورية، على الرغم من أن السياقات الثلاثة لم تكن متماثلة، مما أدى إلى رفض الأسد الدعوات بالتنحي، وعدّها مجرد دعواتٍ خطابية.

إن تحذير “الخط الأحمر” الفارغ الذي خطَّه باراك أوباما، حول استخدام الأسلحة الكيمياوية عام 2013، أضعف من صدقية الولايات المتحدة خصوصًا والغرب عمومًا، تجاه نظام الأسد، حيث واصل استخدام الأسلحة الكيمياوية كوسيلةٍ لإجبار المتمردين، والمدنيين على الخروج من المناطق الاستراتيجية التي يريد استعادتها غير آبهٍ بالمساءلة. لكن حتى لو وسّع النظام سيطرته في جميع أنحاء سورية، فإن الجماعات المتمردة ستستمر في العمل، مما يسبب عدم استقرار مماثلٍ لما شهده العراق بشكل متقطع منذ عام 2003. وبالمثل، إذا قام المتمردون بطريقةٍ ما بالهجوم على القوات الموالية للأسد، وبدؤوا الاستيلاء على معاقل النظام، مثل دمشق والساحل الغربي؛ فلن تستسلم القوات الموالية للنظام ببساطة.

كل هذا يدل على أن الطريق الوحيد لنهاية الصراع يمرُّ عبر عمليةٍ سياسية لتحقيق انتقال السلطة، الأمر الذي يستدعي من الولايات المتحدة تطوير استراتيجيةٍ سياسية تجاه سورية. الآن، وقد التزمت الولايات المتحدة بعملٍ عسكري، فإن الهجمات لا يمكن أن تكون سوى وسيلة للوصول إلى غاية، وهي الطريق لممارسة ضغطٍ كاف على روسيا لإقناعها بالموافقة على مفاوضاتٍ جديّة.

المفاوضات الجدية تعني إعلان موت عملية أستانا، ومحادثات سوتشي، والتخلي عن الواجهة/ المظهر التي أصبحت روسيا بارعةً في عرضها خلال عملية جنيف. لكي تتصرف روسيا بجديّة في المفاوضات، عليها أن تعتقد أن الولايات المتحدة جدية. ما هو لصالح الولايات المتحدة هو أن حلفاءها الرئيسين: المملكة المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، جميعهم متحدون، وهذا يمنحها فرصةً فريدة للانخراط في حملةٍ مستدامة وموجهة ضد معدات الأسد العسكرية، الحملة التي تتمتع بتأييدٍ دولي واسع.

على الرغم من أن هناك اقتراحات بأن هجوم الأسبوع الماضي قد يكون حدثًا لمرة واحدة، فإن مثل هذه الحملة ينبغي ألا تُوقف، حتى توافق روسيا على إجراء محادثاتٍ جادة حول الانتقال السياسي في سورية. في نهاية المطاف، لا تريد روسيا أن يكون موطئ قدمها على البحر الأبيض المتوسط مكونًّا من أنقاض.

في النهاية، ينبغي ألا ننسى أن الأسلحة الكيمياوية ليست هي المشكلة الرئيسة في سورية، إنها من أعراض المشكلة الحقيقية، التي هي بقاء نظام الأسد في السلطة. فهو النظام الذي سمح باستخدام هذه الأسلحة في المقام الأول، ولا جدوى من ردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيمياوية مع الاستمرار بالسماح له باستخدام الأسلحة التقليدية ضد المدنيين، وممارسة التعذيب والسجن غير القانوني.

ما يزال هناك مخرجٌ للصراع، وهو التحول السياسي القائم على التسوية، مع حكومةٍ انتقالية تضم البراغماتيين من طرفي النظام وغير النظام. وبينما العالم مشغولٌ بالتداعيات المباشرة للهجوم، ينبغي أن ينصب التركيز على ما ينبغي أن يحدث على المدى الطويل، مما يؤكد الحاجة إلى دمج العمل العسكري مع الاستراتيجية السياسيّة.

لا يمكن أن يكون هناك سلامٌ في سورية، ما دام نظام بشار الأسد في السلطة. وطالما بقي هناك، فإن المظلوميات الأصلية التي دفعت الناس إلى الاحتجاج ضده ستستمر في الوجود، إلى جانب تنامي الضيق الذي خلقه سلوك النظام على مدى السنوات السبع الماضية. لن تتغير معالم هذا السلوك، إذا سُمح للنظام بأن “يفوز”، وكما أظهر التاريخ: لن يتحول الطغاة إلى إصلاحيين، بين عشيةٍ وضحاها.

اسم المقالة الأصلي It was right to strike, but only bringing Russia to the table can end the Syrian conflict الكاتب* لينا خطيب، Lina Khatib مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 15/3 رابط المقالة https://www.theguardian.com/commentisfree/2018/apr/15/right-to-strike-but-only-bringing-russia-to-table-can-end-syrian-conflict عدد الكلمات 922 ترجمة أحمد عيشة

*- لينا خطيب: رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في Chatham House، حيث ترأس مشروع سورية من الداخل


أحمد عيشة


المصدر
جيرون