بورودين يكشف مرتزقة بوتين.. و”ينتحر”



من المؤكد أن الصحفي الروسي ماكسيم بورودين، الذي قُتل يوم أمس الأحد، يعرف أن نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو صورة طبق الأصل عن أي نظام ديكتاتوري فاسد، ويحوي في هيكليته كل ما يغذي مافيا الجريمة المنظمة، ويدرك بورودين أن مسيرته الصحفية التي خصصها لكشف فساد نظام بوتين، تعني أنه يضع دمه على كفه، وينتظر انتقام بوتين في أي لحظة، لكن شجاعته واحترامه لمهنته، جعلته يقف بجانب الحقيقة، مهما كلفته من ثمن.
أفادت تقارير إعلامية، نقلًا عن (أسوشييتدبرس)، أن السلطات الروسية أعلنت، الخميس الماضي، أن الصحفي الروسي بورودين، “قفز من شرفة منزله في الطابق الخامس”، ونُقل إلى المستشفى لتلقي العلاج ثم أعلنت السلطات، يوم أمس الأحد، أنه توفي بسبب أصابته تلك.
أوضحت التقارير أن بورودين البالغ من العمر 32 عامًا، كان يعمل بشكل دؤوب، طوال الشهرين الماضيين، على كشف حقيقة اعتماد روسيا على مرتزقة (فاغنر)، في حربها على الشعب السوري ودعم نظام بشار الأسد، حيث سعى لإظهار تفاصيل مقتل نحو 200 مرتزق روسي، في ريف محافظة دير الزور شرق سورية، في شباط/ فبراير الماضي، على إثر غارات جوية أميركية، استهدفتهم في أثناء محاولتهم السيطرة على حقل غاز، وقد حاولت روسيا طمس الخبر قبل الانتخابات الرئاسية الروسية، كي لا يتكشف حجم خسائرها وتورطها في جرائم حرب في سورية.
أكد فيسشلوف باشكوف، وهو أحد أصدقاء بورودين، يوم أمس الأحد، أنه تلقى اتصالًا من بورودين، فجر يوم الأربعاء 11 نيسان/ أبريل الجاري، طلب منه البحث له عن محام، وأخبره أن “البناء الذي يقطن فيه محاط برجال أمن ملثمين بزي مرقط تمويهي”، وبعد مرور ساعة، أعاد الاتصال به ليعلمه أنهم “غادروا” المكان، وقد رجح أنهم كانوا يجرون تدريبات خاصة بهم، قال باشكوف: إنه علم لاحقًا، من الإعلام، أن صديقه قُتل.
هكذا، كما كل البلاد المظلمة، يعيش الروس القلق والحذر من رؤية أي عنصر أمن، إنها مدرسة الدكتاتوريات في القمع، كما صديقه الحميم بشار الأسد ونظامه، في وقت يزعم بوتين أنه يقود دولته ليبني منها قوة عالمية، بينما الفساد والجريمة ينخرانها في عمقها.
من جهة ثانية، أشارت بولينا رومينستافا، رئيسة تحرير الموقع الإخباري (نوفي دن) -حيث كان يعمل بورودين- بإصبع الاتهام، إلى السلطات الروسية، واعتبرت أنها مرتبطة بتحقيقاته الصحفية حول مجموعة المرتزقة الروس (فاغنر)، ومقتل عدد منهم في سورية، وأكدت أن زميلها كان أول من كشف حقيقة مقتل نحو 200 مرتزق منهم، في دير الزور شرق سورية، بضربة أميركية، في حين حاولت السلطات التغطية على الموضوع، من خلال نفيها ذلك وعدم تقديمها معلومات حقيقية.
تُصر الشرطة الروسية على ما أعلنته؛ بأن الصحفي بورودين “انتحر”، بينما تقول رومينستافا: “لا أصدق رواية الانتحار تلك”. كذلك أكد صديقه باشكوف أن الدلائل التي لديه تفيد أن السلطات هي من قتلته، ولفَت إلى أن صوت صديقه خلال المكالمة كان متوترًا وقلقًا، وبعد تلك المكالمة، “انقطعت الأخبار عنه”.
يشار إلى أن مجموعة (فاغنر) لاستخدام المرتزقة الروس، يموّلها يفغيني بريغوزين، الذي عمل طباخًا لدى بوتين، ثم أسس شركة خدمات أصبحت مسؤولة عن كافة حفلات وضيافة الكرملين، وتوسعت أعمالها لتشمل تعاقدات إطعام للجيش الروسي، كما أسس مجموعة (فاغنر) التي بدأت بتدريب المرتزقة وإرسالهم إلى أوكرانيا وسورية، وذلك لأن مقتلهم لا يندرج في قوائم خسائر الجيش الروسي، وبهذا هم خارج الإحصاءات الرسمية لعدد القتلى الروس في سورية، كي لا ينكشف حجم التورط الروسي في جرائم نظام الأسد.
تُعدّ سياسة بوتين، في محاربة الصحفيين والتضييق على الحريات في روسيا، حالة منظمة ومنهجية، فقد أفادت تقارير إعلامية سابقة أن السلطات الأمنية الروسية، بعد إعلان بوتين فوزه بالانتخابات الرئاسية في آذار/ مارس الماضي، بدأت بملاحقة المواقع الإلكترونية، ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ضمن سياسة “تكميم الأفواه”.
في هذا السياق، أعلنت السلطات الروسية، يوم الجمعة الماضي، حجب تطبيق (تلغرام) في روسيا، لرفضه تقديم بيانات التشفير الخاصة بالمستخدمين للمخابرات الروسية، لتتابع رسائل المشتركين.
وكانت السلطات الروسية قد بدأت التضييق على وسائل الإعلام الروسية، بأوامر من حكومة بوتين، منذ مطلع القرن الحالي، وبشكل رئيس جعلت القنوات التلفزيونية تحت إدارتها، وباشرت حملة متابعة ومساءلة للمواقع الإلكترونية، حيث يَعدّ بوتين الإعلامَ خصمه اللدود، كما كل الطغاة حول العالم، الذين يخافون النور والحقيقة.
كما عمدت السلطات الروسية، في السنوات القليلة الماضية، إلى التضييق على المعارض الروسي البارز ألكسي نافالني، وحجبت مدونته التي كان يدعو من خلالها إلى التظاهر ضد بوتين، ويكتب فيها عن فساد السلطة، إضافة إلى حجب عدة مواقع ومدونات لها علاقة بالمعارضة الروسية بشكل عام.
أكدت بعض التقارير الصحفية أن بوتين يسعى إلى حجب غالبية وسائل التواصل بشكل تدريجي، ووفق مقابلة صحفية سابقة مع مدير مركز للحقوق الرقمية في موسكو، سركيس داربنيان، فإن هدف بوتين هو “إشاعة الخوف، وجعل الناس يعتقدون بأن الدولة تسيطر على كل شيء، وبأنه لا يمكنك الاختباء في أي مكان، وبأنه يتم جمع كل البيانات”.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون