صحيفة فزغلياد: الهجوم الكيمياوي يضع العالم على حافة نزاع عسكري مباشر بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية



الصورة: من تيليغراف

وفق عددٍ من المؤشرات، فإن “الأزمة الكيمياوية” في سورية، تبدو أخطر بكثير من الأزمة السابقة، وتحمل في طياتها عواقب لا يمكن التنبؤ بها؛ ذلك أن الدول المنخرطة في هذا الوضع تتصرف عاطفيًا مدفوعةً بمشاعر دعائية. ولكن ما الذي حدث في حقيقة الأمر في الغوطة الشرقية؟ وما هي المسافة التي تفصلنا عن مأساةٍ حقيقية؟

باختصار، جاء تطور الأحداث في الغوطة الشرقية على النحو التالي:

المخاوف التركية

صباح يوم السبت، قامت مجموعة “جيش الإسلام”، من جديد، بتعطيل مفاوضات الاستسلام والخروج إلى محافظة إدلب. ولكن هذه المرة، لم يكن الأمر متعلقًا بالعناد، بل بموقف تركيا التي يُفترض أنها بعيدةً من مشكلات الغوطة الشرقية.

من المهم مبدئيًا، بالنسبة إلى “جيش الإسلام”، المكان الذي سيقصده في محافظة إدلب. فهم لا يريدون أن يدخلوا هناك في معارك بشأن المناطق مع منافسين متمرسين وأقوياء على غرار “جبهة النصرة” التي تعدّ إدلب ملكية خاصة لها. ولهذا، دخلت قيادة المقاتلين في الغوطة وما حولها مع الروس، في مفاوضاتٍ مضنية استمرت قرابة الأسبوع ونصف الأسبوع، وأصرت خلالها على الانتقال إلى مدينة جرابلس بالتحديد. وهذه المدينة لا تقع في محافظة إدلب، بل في محافظة حلب، على الحدود السورية- التركية شمال منبج، على الضفة الغربية لنهر الفرات.

أثناء عملية (درع الفرات)، هاجم الأتراك جرابلس، بهدف طرد الأكراد شرق الفرات، وإنشاء منطقة آمنة بين حدودها ومناطق سورية الداخلية. ولهذا، فإن ظهور مقاتلي “جيش الإسلام” مكان الأكراد المطرودين من جرابلس، لم يكن موضع ترحيبٍ، فاحتجت أنقرة، حاجبةً جرابلس عن المشهد. وبدورهم، راح مقاتلو “جيش الإسلام” يقصفون مجددًا مركز دمشق بواسطة مدافع الهاون الأميركية الصنع، لتسريع العملية التفاوضية مع الروس. بلغ صبر القيادة السورية أقصى حدوده لينفجر، وعاود الجيش السوري هجومه في ضواحي دوما. قام السوريون بتنظيف بعض المزارع حول المدينة في منطقة الريحان، وهذا نوعٌ معتاد من أساليب الضغط، الذي يعطي نتائج. مع حلول مساء اليوم نفسه، وافق “جيش الإسلام” على الخروج، ولو إلى القمر. على التوازي، كان من الضروري إفهام أحفاد العثمانيين الفخورين، أنهم غير محقين باختلاق مشكلات لا لزوم لها، في وجه الناس الصبورين من مركز المصالحة والشرطة العسكرية الروسية.

وأخيرًا، اتخذت قافلة من 100 حافلةٍ مواقعها قرب مخيم الوافدين. كان من المفترض أن يتم، خلال 48 ساعة، إخلاء عددٍ قياسي يربو على 8 آلاف من المقاتلين، ونحو 40 ألفًا من أفراد عائلاتهم. وتعدّ العملية استثنائيةً الآن، حتى بعد أن أصبحت عمليات الإجلاء المماثلة تتم وفق برنامجٍ معد مسبقًا. أما المقاتلون الذين لم يرغبوا في مغادرة مدينة دوما، فقد قدمت لهم ضماناتٌ أمن والحصول على عفوٍ، وعدم استدعائهم للخدمة في الجيش خلال 6 أشهرٍ، في حين سيستطيع الطلاب العودة إلى مقاعد الدراسة.

في هذه اللحظة، واستنادًا إلى (الخوذ البيضاء) وغيرها من المنظمات “الإنسانية”، التي تتخذ من لندن مقرًا لها، بدأت الأخبار تتوارد عن وقوع هجومٍ كيمياوي. وبحسب “معطيات” هؤلاء “الإنسانيين”، انفجرت قنبلةٌ ما تحتوي على الكلور. فيما بعد، تغيرت المعطيات إلى قنبلةٍ من السارين، التي زعموا أنها ألقيت من طائرة مروحية. تحرك العالم المتحضر على وجه السرعة، ليطلق حملةً هستيريةً منظمة من خلال ذراعه: CNN. وكانت أرقام المصابين تتغير باتجاه الزيادة، وفي لحظةٍ ما، دار الحديث عن 73 إصابة، إلا أن “مركز الغوطة الإعلامي، أصر على 180 إصابة”، وفي الوقت نفسه لم يرهم أحدٌ، لأنه “لا يمكن لأحد الوصول إلى المكان ليلًا”. وبالمناسبة، لم يصل إلى المكان أحدٌ نهارًا أيضًا.

هستيريا الغرب

ابتداءً من صباح يوم الأحد، كان الشغل الشاغل لوسائل الإعلام الأميركية الحديث عن “الهجوم الكيمياوي”. وعند منتصف النهار، وصلت الهستيريا ذروتها، عندما أعلن مستشار ترامب لشؤون الأمن الداخلي توماس بوسيرت، أن الولايات المتحدة الأميركية تنظر في إمكانية توجيه ضربة ضد سورية. وتعهدت اللجنة المشتركة لرؤساء الأركان بتقديم مقترحاتٍ محددة بهذا الخصوص إلى البيت الأبيض، خلال ساعاتٍ معدودة.

بعدئذٍ، دخلت على الخط تغريدات ترامب الشهيرة التغريدات نفسها التي تقول: إن “بوتين، روسيا، إيران والحيوان الأسد سيدفعون ثمنًا باهظًا”. وقد أكدت وسائل الإعلام الأميركية بشكلٍ خاص على أن الرئيس ذكر للمرة الأولى فلاديمير بوتين، في هذا السياق. الخبراء الدوليون، أشاروا بدورهم إلى وجه التشابه بين ما يجري الآن مع أزمة الكاريبي.

في الوقت نفسه تقريبًا، وضعت منظومات الصواريخ الروسية (إس-400) في سورية في حالة الجهوزية القتالية. أما سفن وغواصات الأسطول الحربي الروسي المتواجدة شرق البحر المتوسط، فهي في حالة الاستعداد القصوى الدائمة، إضافة إلى قيام طائرتين من طائرات (سوخوي-30 سي إم) بدورياتٍ فوق مناطق البحر المتوسط، التي لوحظ فيها نشاطٌ للأسطول الأميركي.

من جانبها، دعت فرنسا مجلس الأمن إلى الانعقاد لـ “مناقشة الهجوم الكيمياوي”، الذي قد يتطور، على الأرجح، وفق السيناريو المعتاد، تبدأ الولايات المتحدة وحلفاؤها بمهاجمة الأسد، إيران وبوتين بأبشع الكلمات، وسيتصدى لهم مندوب روسيا، في حين سيتحفظ مندوب الصين.

بعد فرنسا، ستنضم “إسرائيل”، لتدعو المجتمع الدولي إلى “التصرف مع الأسد”. فخروج الولايات المتحدة الأميركية من سورية، الذي أعلنه ترامب، يصيب موقف “إسرائيل” والسعودية بمقتل، ويكون الرابح الوحيد مما يجري بشار الأسد، روسيا، تركيا، والأمر المحزن خاصةً: إيران.

الضربة الإسرائيلية

في الساعة 3.40 من صباح يوم الإثنين، دخلت طائرتان إسرائيليتان (F-15)    المجال الجوي اللبناني، وأطلقت 8 صواريخ (جو-أرض) على أهدافٍ في عمق الأراضي السورية- قاعدة التياس الجوية (T-4) غير بعيدٍ من مدينة تدمر. تعرض هذا المطار للكثير في خضم المعارك التي جرت في المنطقة، وكان المطار يستخدم كقاعدة انطلاق ولأعمال الصيانة والدعم الفني. وكان المطار يستخدم، بشكلٍ دائم، من قبل طائرات الهيلوكبتر الروسية، لدعم الهجمات على تدمر ومن ثم دير الزور، وأحيانًا طائرات (سوخوي-25). لحظة الهجوم لم يكن هناك معداتٌ وأفراد روس، ولكن كان هناك الإيرانيون.

خمسة صواريخ تمّ إسقاطها من قبل وسائل الدفاع الجوي السورية، أما الثلاثة المتبقية فقد سقطت على الجزء الغربي من القاعدة، وقتلت 14 فارسيًا، منهم ثلاثة ضباط من “الحرس الثوري”. كما سقط ضحايا بين السوريين، غير أن المعلومات عنهم تتفاوت بدرجةٍ كبيرة باختلاف المصادر. وهناك أساس لاعتبار أن الإسرائيليين كانوا على علمٍ، بعدم وجود الروس في المطار، أما الفرس فبكثرة. وكان الهجوم يهدف إلى إخافة إيران كأكبر مزعجٍ لـ “إسرائيل”.

يمكن الافتراض أن الإسرائيليين هاجموا هدفًا بعينه: مركز التحكم الإيراني بالطائرات المسيّرة، المتمركز في مطار التيفور. وهذا انتقامٌ واضح من إطلاق الطائرات المسيرة المتكرر باتجاه هضبة الجولان.

أمرٌ مختلف، أن يكون الهجوم الإسرائيلي صفيحة البنزين التي تنقص هذا الوضع المتوتر.

وسائل الدفاع الجوي السورية تصرفت بكفاءة، ولكن الإسرائيليين أيضًا كانوا اتخذوا احتياطاتهم. ولو غامروا باختراق المجال الجوي السوري؛ لكانوا وقعوا تحت نيران الأنظمة الروسية هذه المرة التي لم تكن لتعطيهم فرصةً للنجاة.

أنكر البنتاغون، ومن ثم وزارة الدفاع الفرنسية بسرعةٍ وبشكلٍ قاطع علاقتهم بالحادثة، ونستطيع الافتراض أن البيت الأبيض ليس مستعدًا في الوقت الراهن للدخول في حربٍ ساخنة. منذ البداية، راهن الجميع عليها، وكان من الممكن أن تكون العواقب لا رجعة فيها.

من هنا يأتي السؤال: أهناك علاقة للإسرائيليين بالأمر، أم أنهم أرادوا بالفعل استفزاز صدامٍ مع المجموعة الروسية، وجر الولايات المتحدة الأميركية إلى أعمالٍ حربية من مستوى مختلف؟ إذا كان الأمر “عملًا صبيانيًا”؛ فيجب إعادة تربية الصبي. طبعًا، الطائرات الإيرانية المسيرة لا تعجب الإسرائيليين، ولكن كان عليهم الانتظار يومين أو أكثر، ريثما تتبدد حرارة “الأزمة الكاريبية الجديدة”. كان تصرفًا غير مسؤولٍ للغاية من قبل الإسرائيليين. فالرادار لا يميز طائراتهم عن الطائرات الأميركية المماثلة.

لو وقعت الحرب غدًا

الآن، ستنتظر الولايات المتحدة الأميركية اجتماعات مجلس الأمن، وستستمر بتأجيج هستيريا على وسائل الإعلام. ومن المتوقع ألا تسفر المناوشات في مجلس الأمن عن شيء، ويمكن أن نتوقع أي تطور للأحداث فيما بعد.

تشير كافة المؤشرات الظاهرية إلى أن البيت الأبيض يبحث عن ذريعةٍ للحرب، ويخترع استفزازاتٍ صريحة. ومن العبث أن نشرح للمرة المئة، أن القوات الحكومية السورية ليست بحاجةٍ إلى استخدام الأسلحة الكيمياوية. في هذا النزاع، لا يزال هناك توتر أعصاب أكثر من العقلانية. وإذا ما أراد البيت الأبيض والبنتاغون الحرب فجأةً؛ فإنهم سيشعلونها. الوضع الآن مختلفٌ عما كان عليه الأمر بعد حادثة خان شيخون. فروسيا بشكلٍ خاص تحذر بشدة من “العواقب السلبية”، لتحركات الولايات المتحدة الأميركية الممكنة في سورية.

من الصعب حتى الآن، نظريًا، تصور تفاصيل عملية عسكرية أميركية محتملة، وكذلك الرد الروسي-السوري عليها. فإذا ما جاء التهديد من البحر الأبيض المتوسط؛ فلن يكون من الصعب تنظيم ردٍّ ما. غير أن الأميركيين وحلفاءهم الفرنسيين يستطيعون الهجوم من الخليج (الفارسي) والصدام مع الإيرانيين. أو أنهم سينطلقون من القواعد في قطر والسعودية، وعندها لن يطالهم أحد، غير أننا لا نريد التفكير أبدًا بهذا الاحتمال. اختيار الأهداف في سورية محدود، وقد يقوم التحالف الأميركي بالتركيز على القواعد الجوية.

من غير المحتمل، توقع أعمالٍ عدائية باتجاه قاعدة حميميم، ولكن في مثل هذا الوضع غالبًا ما تتطور الأحداث كالسيل، وسيكون من غير الواقعي التنبؤ بها. وللأسف، لا تلوح في الأفق إشاراتٍ تشير على قرب انفراج ما. والحال عكس ذلك: فبدلًا من محاولة شيءٍ ما، تقوم الدول الغربية بتوتير الأجواء أكثر فأكثر، حول دوما وسورية عمومًا.

اسم المقالة الأصلية «Химическая истерика» поставила мир на грань военного конфликта России и США كاتب المقالة يفغيني كروتيكوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 9 نيسان 2018 رابط المقالة https://vz.ru/world/2018/4/9/916732.html ترجمة سمير رمان


سمير رمان


المصدر
جيرون