ضربات الأطلسي: الأهداف والنتائج



منذ أشهر، تتحدث المعلومات الممتلئة ببالونات الاختبار والدعاية عن ضربات قادمة للنظام السوري، نوعية وساحقة، ستتجاوزه إلى الوجود الإيراني والميليشيات الطائفية، وإلى مجموعة أهداف تضع الروس في حجمهم الطبيعي، وقد تجرّدهم من أي دور فاعل.

سقطت الغوطة الشرقية، ولم يحصل التدخل المنتظر، وكان استخدام النظام للكيمياوي يوم السبت الماضي (7 نيسان/ أبريل) لرسم البحث عن دوافعه؛ فكثرت التحليلات، وأكثرها قربًا من الواقع أن أهل دوما، ومعهم “جيش الإسلام”، كانوا يرفضون الخروج المذلّ، أو الاستسلام، ويُبدون استعدادًا للمقاومة؛ فكان استخدام الكيمياوي الذي يُشكّل اليوم المبرر الرئيس لتوجيه الضربات الصاروخية من قبل قوى رئيسة ثلاث.

كثرت التكهنات، وانقسم السوريون بين متفائل يرى أن الوضع جدّي هذه المرة، وأن الهدف ترحيل النظام، أو إسقاطه، وبين متخوّف من ألا تكون للضربات مفعولها، على طريقة ضرب مطار الشعيرات قبل عام، وهناك قطاع واسع من الرافضين للضربة التي لا تتناول النظام بمؤسسته الرئاسية والأمنية، فتقصف بنى تحتية، تحت ذريعة مؤسسات خاصة بالسلاح الكيمياوي.

الحشود العسكرية لأساطيل أميركية عملاقة، ودخول فرنسا وبريطانيا على الخط بإعلان المشاركة، وعديد الدول الأطلسية، جعل الكثيرين يتوقعون أن تكون الضربات شاملة، لا تقتصر على أمكنة تصنيع السلاح الكيمياوي، بل مراكز القيادة والسيطرة، والرادارات، والفرقة الرابعة، والوجود الإيراني المباشر، وعبر الميليشيات أيضًا، وكان استنتاج هؤلاء أن القرار بإسقاط النظام، أو رحيله قد اتُّخذ، وسوف يتحقق مباشرة، أو بعد أيام من حدوث الضربة.

حين “غرّد” ترامب مُعلنًا قراره بتوجيه ضربة قوية للنظام السوري، وبدأ الحشد العسكري الواسع؛ وقفَ العالم على رأسه وأعصابه ينتظر الساعة الموعودة.. ولمّا تأخر ذلك أيامًا؛ كثرت التأويلات عن وجود مفاوضات بين الأميركيين والروس حول الوضع السوري، وما هو أكثر بما يخصّ مصير الأسد، وجاءت الضربة فجر الرابع عشر، وتبيّنَ -عبر المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع ورئيس الأركان الأميركيين، وتصريحات الرئيس الفرنسي ورئيسة وزراء بريطانيا- أنها كانت محدودة، واستهدفت منشآت النظام المنتجة للأسلحة البيولوجية، وأنها انتهت، بتأكيد الرئيس ترامب ذلك، في حين تتواتر أخبار عن وجود تباين داخل البيت الأبيض، بين الرئيس وبولتون من جهة، ووزير الدفاع من جهة أخرى الذي كان يُصرّ على ضربات محدودة، كما حدث، بينما كان الرئيس يتجه إلى تنفيذ ضربات ساحقة، وشاملة.

طبعًا، النظام يحتفل بالانتصار الكبير الذي حققه في “مواجهة العدوان الثلاثي”، وفي تصدّي دفاعاته الصاروخية للصواريخ الأميركية والفرنسية والبريطانية، وأنه أسقط 71 من أصل أزيد من 100 صاروخ! بينما تدل الوقائع أن القدرات التقنية الأميركية قادرة ببساطة على تعطيل كل وسائل وفعل الرادارات وعمل الصواريخ المضادة. ما يعني أن هناك مستوى عاليًا من الدجل، على طريقة انتصارات الأنظمة في عزّ هزائمها! والمضحك أيضًا أن الروس يشاركون في هذه الفبركة، بما يتخطى إعلام الدولة السوفيتية الأبعد عن رواية الحقائق بحدّها الأدنى.

واضح أن النظام يريد أن يقول إنه لم يتأثر، وإنه باق، وإنه مقاوم، بينما خلف الصواريخ التي أطلقت، يختبئ واقع سياسي جديد، سيفصح عن نفسه في الفترة القريبة القادمة.

بغض النظر عن الأهداف التي قصفت؛ فإن مما لا شكّ فيه أن هذا التحالف الأطلسي وجّه عدة رسائل قوية باتجاهات متعددة، نختصرها بالتالي:

1 – رسالة قوية لروسيا، تضعها في حجم مختلف عمّا لعبته في الأعوام الأخيرة، وتفرّدت عبره بالملف السوري، وأكثر من ذلك إبلاغها أنها عاجزة عن حماية هذا النظام، وعن تغطيتها للوجود الإيراني المرفوض، وسيكون لذلك أثره على لقاءات أستانا، وسوتشي، وعلى مستقبل العملية السياسية.

2 – رسالة قوية للنظام السوري، كعنوان للإجرام ضد شعبه، وإنذار له بمعاقبته في حال استخدم الكيمياوي مرة أخرى، بينما تكثر الحكايات عن مواقف هذا الحلف من مصيره، وعدم القبول باستمراره.

3 – رسالة قوية لإيران التي وقفت عاجزة عن فعل شيء يحمي النظام ووجودها، وبخاصة أن بعض المعلومات تشير إلى استهداف قوات “حزب الله” في القصير.

4 – تخطي هذه الدول لمجلس الأمن، وقدرتها على استخدام القوة من خارجه، ودون العودة إليه. وهي ليست المرة الأولى، إذ أقدمت الولايات المتحدة على غزو العراق (2003) دون قرار من مجلس الأمن، أو في بعض العمليات التي قامت بها في سورية وغيرها.

السؤال الذي يطرح نفسه، بعد هذه الضربة المركّزة: هل ستشهد العملية السياسية طورًا جديدًا، جدّيًا، ومختلفًا عن السابق؟ وهل تنوي الولايات المتحدة الأميركية، ومعها حلفاؤها، وضع ثقلهم في الحل السياسي، وفرض قرارات الشرعية الدولية؟

لم تسفر الإدارة الأميركية حتى الآن عن نيّات واضحة، تجاه الحل السياسي في سورية، وقد تركت الأمر لروسيا تصول وتجول، فهل يمكن لنتائج ما حدث أن ترتبّ معطيات جديدة تعيد صياغة المعادلة، ووضع روسيا ضمن حجمها المناسب؟

هذا هو الرهان الإيجابي الذي يأمله الشعب السوري، بأن تفتح هذه الضربات الباب للحل السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية، وبإشراف أممي فاعل، وإن لم يتبلور ذلك؛ فإن أثر هذه الضربة سيكون عابرًا، وقد يقوّي وضع النظام.


عقاب يحيى


المصدر
جيرون