نفذت الضربة وماذا بعد؟



يمرّ النظام الدولي بمرحلة تحول بالغة الأهمية، سواء في التطورات المثيرة التي أتت عليها تصريحات الرئيس الأميركي ترامب، ردًا على مجازر الأسد الكيمياوية، أو تلك التي تلتها في المعسكر الدولي، وتوّجت بتوجيه ضربة صاروخية على مواقع عسكرية للنظام السوري، جلها دخلت مرحلة تصعيد تصريحات، وتروٍ وحذر تارة أخرى، كما يطلق الفرنسيون عليها تجنب “الحرب”، وكأن ما يتعرض له الشعب السوري ليس حرب إبادة.

تتقاطع التصريحات الأولية لقادة دول فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، بعد الضربات الأخيرة، عند التأكيد أن لا هدف لهم في إطاحة نظام الأسد، مع أن منظمات دولية وحقوقية تتبع هذه الدول، تتهم رأس النظام بارتكاب جرائم حرب، أي تجيز إطاحته وتقديمه للمحاكم الدولية، وهذا صحيح، إذ لا مشكلة للغرب ولا كل العالم مع وظيفة الفاشي بدمشق، إلا إذا شعر المجتمع الدولي بأنه انحرف عن مساره قليلًا، فهو يحتاج إلى بعض التأديب والتصويب.

حرفُ الانتباه عن النزاع الأساس يلقي بظلاله على ما بعد الضربات الصاروخية، على قضية خلاص السوريين من الطاغية، إذ لا تهمهم تصريحات بوتين ولا نتنياهو ولا ترامب أو تيريزا ماي. الأسد الصغير في قلب هذا التحول والتطور هو الذي ينظر إليه السوريون، حالة التأرنب التي يظهر بها مركونًا جانبًا، لصالح تصريحات المحتلين الروس والإيرانيين، كأصحاب فضل لاستخدامه أداة تدميرية للمجتمع السوري.

نيكي هايلي، مندوبة أميركا في مجلس الأمم المتحدة تقول إن بلادها متيقنة من استخدام النظام السوري للسلاح الكيمياوي 50 مرة في سورية، ويتأكد السوريون أن بلادها تكذب ألف مرة، بشأن الخطوط الحمراء وملف حقوق الإنسان، وأن التغييرات الكبرى للمواقف لا تحدث فجأة عبر اكتشافات لحظية، إنما هي نتيجة لتغييرات تحدث في الواقع، ومرّات موت السوريين بمئات آلاف الضحايا، من جراء هجمات براميل وصواريخ وقنابل لا تقلّ بشاعة عن الغازات السامة، تعني أن الأمر كله واضح وكاف، ليتيقن المرء من وظيفة النظام السوري، في المجتمع الدولي.

لم يسكت هذا المجتمع عن طغاةٍ أقلّ شأنًا وإجرامًا، في التاريخ المعاصر، حتى في الثورات العربية، لم يُمهَل طغاة كما يُعطى للأسد حبل نجاة للمضي في ارتكاب جرائم، الأسد الصغير أعطي الضوء بمختلف ألوانه ليقوم بالمهمة، التي لم تنجز بعد على الرغم من فداحة آثارها الجوهرية، بحيث بات لاسم الأسد حاجة نفسية في المجتمع السوري، أكثر من أي وقت مضى على الأقل، وهي تمتد تدريجيًا، لتزيد الفجوة من جديد بين المجتمع الدولي، والشعب السوري الذي عبّر عن نفسه بشكل الرفض والانتفاض على همجية الأسد، فتُرك إلى اليوم يُقتَل ويُدمّر بمختلف أنواع السلاح، وسُمح للسفاح أن يمد لسانه في وجه العالم.

الضربات الصاروخية على مواقع النظام لا أثر لها عمليًا، فهي تأتي بالاتفاق مع الجانب الروسي الذي سحب سلاح النظام إلى مواقعه، من جانب آخر، ينظر النظام إليها على أنها عوامل مفيدة لتلميع صورته، طالما أن السيادة “مخردقة” لأبعد حد، المهم الصورة التي تمّ بثها للأسد الصغير يحمل حقيبته داخل قصره، بغض النظر عن تدمير ثلاثة أرباع سورية، المهم أنه موجود لتكملة الجريمة، في الوقت عينه تكيّف الأسد مع ضربات إسرائيلية وغربية، بعدما أدرك السوريون وظيفته المرتبطة معها، المهم أن الأسد موجود كوظيفة جرمية، لن تنتهي بضربات غربية تحابي وظيفته، ولا ينبغي أن يفهم هنا أن الضربات لها علاقة بإزاحة الطاغية أو الضغط عليه، بقدر ما تظهر أنها مكملة لما يقوم به السفاح.

تُظهر الضربة الصاروخية، مجددًا، المؤامرةَ المزدوجة التي يتعرض لها الشعب السوري، وأن السقف الذي لا يستطيع تحمله المجتمع الدولي، من جراء الضغط الأخلاقي والإنساني والسياسي الذي يئن تحته بفعل جرائم الأسد، لن يتحقق دون العمل على رفع الظلم عن كاهل الشعب السوري، والكف عن محاباة السفاح، بإرسال إشارات اطمئنان للوظيفة التي نجح الأسد بالقيام بها، خصوصًا في مجال تدمير مقدرات المجتمع السوري العسكرية والبشرية والاقتصادية والنفسية، ودون أن تقوم الضربات الغربية أو الإسرائيلية بإنجازها، فإنجازات الأسد الصاروخية والبرميلية تفوق بكثير ما أطلق من ضربات، يمكن أن تؤخر عدالة وحرية ينشدها السوريون، ويبقى السؤال: ماذا بعد الضربة الصاروخية، هل سيكمل الأسد مهمته بالقتل والتدمير، من دون كيمياوي وسارين، كما يسمح التوافق الدولي على مهمته؟


نزار السهلي


المصدر
جيرون