هجمات صاروخية من طراز خائن!



كرهي للعنصرية الإسرائيلية يجعلني أضيق ذرعًا، بمن يؤيد البربرية الأسدية بذريعة تحرير فلسطين والمقاومة للمشروع الصهيوني! كرهي للإمبريالية المتوحشة يجعلني أضيق ذرعًا، بمن يؤيد البربرية الأسدية بذريعة مقاومة المشاريع الغربية والإمبريالية الأميركية! ربّما يكون استمرار هذا النظام الأحادي المتوحش في السلطة هو الرافع الأهم لتنفيذ المشاريع الصهيونية والإمبريالية والإيرانية والروسية، في المشرق العربي، وفي ذلك دهاء خبيث شيطانيّ يُشهد به للنظام، ولكن على حساب الشعب السوري!

الكثير من المثقفين العرب والسوريين المؤدلجين ماركسيًا وقوميًا، أو المنتفعين ماديًا، لم نسمع صراخهم إلا عند حدوث الهجمات الأميركية–الغربية الأخيرة! حسنًا أستطيع تفهم ذلك، فليس بالأمر الهيّن أن تتعرض منطقة في وطن الإنسان لهجوم أجنبي غريب، وأستطيع تفهم ذلك وربّما مشاركتهم الرأي في حالة عدم وجود ازدواجية معايير. الإنسان هو الإنسان والإجرام هو الإجرام، ولا فرق أن تُقتل ظلمًا بأيدي أبناء الوطن أو الغرباء! الإنسانية لا تتجزأ، من وقفَ سابقًا ضد مجازر الإبادة الجماعية، ومن ضمنها مجازر الكيمياوي التي ارتكبتها السلطة الأسدية في الغوطة وخان شيخون مثلًا، يحق له التحفظ على أو إدانة الهجمات الأميركية–الغربية الأخيرة أو إدانة الهجمات الإسرائيلية المتكررة السابقة على مواقع السلطة السورية، ومن وقف سابقًا ضد الغزو الأجنبي الروسي والإيراني والأميركي للأراضي السورية؛ يحقّ له إدانة الهجمات الأميركية–الغربية، أول البارحة!

عمومًا ليس بالإنسان الطبيعي من يفرح لتدمير أسلحة دفع ثمنها هو وأبناء شعبه، أسلحة من المُفترض أن تُستخدم للدفاع عن حدود الوطن وردع العدوان، وهذه هي الوظيفة الأساسية للجيش في عُرف الشعوب المتحضِّرة، ولكن، عندما يتم استخدام هذه الأسلحة في إرهاب هذا الشعب وتنفيذ جرائم ضد الإنسانية بحقه، لا يجوز النظر إلى هذه الأسلحة من منظور ستاتيكي، فالسلاح ليس خيّرًا أو شرّيرًا بحد ذاته، ولا توجد هويّة جوهرانية للسلاح، موقفنا من أي حدث، حتى تدمير أسلحة أو قتل جنود، يجب أن يكون مربوطًا بالسياق السياسي والأخلاقي، وبالدور الذي يقوم به هؤلاء الجنود وهذا السلاح!

أتفهّم تمامًا التباس الموقف من الضربات الأميركية–الغربية على مواقع النظام السوري، وهذا يجعل الكثير من المثقفين العرب يقفون بحزم لصالح السلطة السورية، ضد الهجمات الأميركية–الغربية، بدافع الحميّة القبلية الوطنية أو العربية، ولكن لهؤلاء ينبغي القول: ماذا لو كنتَ أنتَ أو أطفالك –لا سمح الله- من ضحايا البربرية الأسدية! ومن هنا ينبغي تفهّم مشاعر قطاع كبير من السوريين المعذّبين. ثمّ هل لديكَ بديل أو حل عملي يستطيع وقف آلة القتل الأسدية وتخفيف عذابات الشعب؟!

هدف الضربات الأميركية السابقة على مطار شعيرات (نيسان/ أبريل 2017) أو الضربات الأميركية الغربية الأخيرة كان واضحًا: تدمير وتقليص قدرات السلطة السورية على استخدام السلاح الكيمياوي. وسياق الضربات واضح لا يحتمل الشطط والتأويل، لم يقل الأميركيون أو الغربيون أو حتى الإسرائيليون إنها تهدف إلى إسقاط النظام السوري، فهذا ضد مصالحهم. جانب كبير من القضية يتعلّق بالهيبة الأميركية عالميًا ومحاولة ترقيعها، وجانب منها يتعلق بتحجيم نفوذ “حزب الله” وإيران في سورية، أما الهيبة الأميركية فهي ليستْ شأننا! وأما تدمير أي قدرات كيمياوية للنظام السوري، فهو خبر مفرح للناجين من مجازر الإبادة الكيمياوية السابقة أو السوريين الذين عاينوا موت إخوتهم عبر وسائل الإعلام. أما تحجيم أو طرد نظام ولاية الفقيه من سورية، فهذا مصلحة سورية بامتياز. إن إسقاط النظام السوري ليس من قائمة الأهداف الأميركية والغربية، ليس لكونهم لا يملكون القدرة، ولكن لكونهم لا يملكون المصلحة وغير مستعدين للتكلفة! حيث يوجد خشية حقيقية من حدوث فراغ سياسي في حال سقوط النظام السوري، بما قد يعيد السيناريو الليبي وسيطرة الميليشيات، وهناك خشية من انتشار السلفيات الجهادية ومشتقات (داعش)، بما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي، كما أنّ وجود النظام السوري بشكله الحالي الضعيف مرغوب من قبل روسيا، لضمان مصالحهم على المدى المتوسط والبعيد.

هل “الصواريخ الإمبريالية” استهدفت المدنيين السوريين أم مواقع عسكرية! هل استهدفت آلة القتل الأسدية أم الأبرياء؟ هذا سؤال ضروري! ليس الجيش السوري بشكله الحالي جيشًا وطنيًا بل هو جيش خاص لعائلة الأسد (سورية الأسد – بالروح بالدم نفديك يا بشار)، وهو مسؤول عن جرائم إبادة جماعية، وبالتالي لا داعي للتباكي على الإنسانية والوطنية. بالمقابل يجب إدانة أي هجوم أميركي-غربي، يستهدف مدنيين كما حدث سابقًا في هجوم لقوات التحالف الأميركي في حزيران/ يونيو 2017 أدى إلى قتل نحو 150 شخصًا في ناحية المنصورة، بينهم نساء وأطفال.

ثمة إشكالية تظهر في أن يطلب سوريون كُثر من الولايات المتحدة إسقاط النظام السوري، عبر اجتياح عسكري أو دعم مباشر، أقول حتى لو تمّ ذلك، لا أعتقد أن المصير سيكون أفضل من مصير العراق ما بعد صدام حسين! الإشكالية الأكبر هي في قصور وتشرذم الجسد السياسي السوري، والمعارض منه على وجه الخصوص! يمكن للشعوب الحية أن تستفيد من دعم أو تدخّل خارجي، في حال وجود قوى حيوية وطنية جامعة، وفي حال وجود توازنات وتوافقات دولية وإقليمية تسمح بذلك! ولا يبدو ذلك بالقريب.


حمزة رستناوي


المصدر
جيرون