on
ماذا بعد الضربة الأميركية؟
مع انتهاء الضربة العسكرية الأميركية على مواقع عسكرية تابع للنظام السوري؛ بدأ الجدل حول أهمية هذه الضربة وأهدافها، ومن ثم تداعياتها على المستويين العسكري والسياسي.
وإذا كان الجميع تقريبًا يتفقون على أن الضربة محدودة في رسائلها العسكرية؛ فإنهم يختلفون حول رسائلها وتداعياتها السياسية.
من الضروري جدًا النظر إلى الضربة، من المنظار الأميركي، لا من منظار الأطراف المتصارعة في الساحة السورية، لأن ذلك سيعني إبعاد أي موقف أيديولوجي مسبق، أو محاولة تحميل الضربة ما لا تحتمل، كما فعلت المعارضة التي وصفت الضربة بالهزيلة، وكما فعل التيار الداعم للنظام الذي عدّ الضربة تقوية للنظام لا إضعافًا له.
بعيدًا من هذه المواقف، لا بد من تحديد الموقف الأميركي بدقة، فليس المطلوب أميركيًا إسقاط النظام عسكريًا، وليس المطلوب تدمير البنية العسكرية له، لما يمكن أن يؤدي ذلك إلى فوضى، حسب رؤية صناع القرار في واشنطن.
إن هدف الضربة يتعلق في الظاهر بالخط الأحمر الكيمياوي، وهو ما عبّرت عنه واشنطن صراحة، حين قالت إن الضربة جاءت لترسيخ ردع قوي، ضد إنتاج ونشر واستخدام أسلحة كيمياوية، وتحقيقًا لهذا الهدف، تمّ استهداف ثلاثة أهداف رئيسية، هي: مركز للأبحاث العلمية بالقرب من دمشق على صلة بإنتاج الأسلحة الكيمياوية، ومركز قيادة على مقربة من العاصمة، ومنشأة لتخزين أسلحة كيمياوية بالقرب من مدينة حمص.
إن هذه الضربة لم تحفظ ماء وجه ترامب فحسب، بل وسّعت من الخط الأحمر الأميركي، فلم يعد غاز السارين هو الخط الأحمر، بل أصبح الكلور ضمن الخط الأحمر على ما يبدو، والغاية من ذلك أن الإدارة الأميركية تريد إيصال رسائل سياسية حادة، إلى موسكو قبل دمشق، تتجاوز المسألة الكيمياوية، مفادها أن الخطوط الحمراء الأميركية-الإسرائيلية، سواء المعلنة أو المضمرة، لا يجب تخطيها، وأي محاولة لتخطي ذلك ستقابل بقوة السلاح.
ضمن هذه المعادلة الاستراتيجية، يمكن فهم طبيعة الضربة الأميركية، فلا هي ضعيفة ولا هي قوية، إنها ضربة دقيقة تحقق الهدف منها، وإذا كان البعض توقع أن تستمر الضربة عدة أيام؛ فهذا وهمٌ، لأن النظام لا يملك قدرة على الصمود لمثل هذه الضربات مع التراجع الحاد في منظومته العسكرية.
لكن السؤال المطروح: هل ستساهم هذه الضربة في دفع المسار السياسي قدمًا إلى الأمام؟ الجواب في تقديري: لا، لأسباب كثيرة:
أولًا، أن الضربة العسكرية ليست لهذا الهدف، وهي ليست بالقوة الكافية لإرعاب النظام وروسيا لتقديم تنازلات سياسية. وثانيًا، أن الولايات المتحدة لم تكن في يوم من الأيام جادة حيال السلام السوري، ولم نشهد موقفًا أميركيًا قويًا إلا في المناسبات المتعلقة بالسلاح الكيمياوي، كما جرى عام 2013، حين وافق النظام التخلي عن سلاحه الكيمياوي، بعد التهديد الأميركي بتوجيه ضربة قوية، وما نجم عن ذلك القرار الدولي 2118 تحت الفصل السابع، وثم عام 2015 حين صدر القرار الدولي 2209 تحت الفصل السابع أيضًا، ثم العام الماضي مع ضرب مطار الشعيرات، وأخيرًا الضربة العسكرية قبل أيام.
كل هذه المناسبات مرتبطة بالشأن الإسرائيلي، لا بالشأن السوري، بمعنى أن التهديد الأميركي بعدم استخدام السلاح الكيمياوي ليس لحماية الشعب السوري، فقد قُتل بالأسلحة التقليدية أضعافٌ مضاعفة مما قتل عن طريق السلاح الكيمياوي.
التصريحات التي صدرت عن الدول التي نفذت الضربة بدأت تتحدث عن وجوب العودة إلى مسار الحل السياسي من خلال جنيف، وترافَق ذلك مع تقديم واشنطن وباريس ولندن مشروع قرار في مجلس الأمن، يجمع لأول مرة المسألة الكيمياوية والمسألة الإنسانية والمسألة السياسية؛ الأمر الذي يوحي بتوجه غربي نحو تحريك المسار السياسي.
لكن عمليًا، على أرض الواقع، يختلف الأمر؛ فالولايات المتحدة لا تمتلك رؤية واضحة للسلام السوري، وكل ما تمارسه إلى الآن ردة فعل، فهي قادرة على ضرب جهود الآخرين السياسية، كما فعلت في سوتشي، وقادرة على ضرب الجهود العسكرية للآخرين، كما فعلت في دير الزور، غير أنها فشلت إلى الآن في تقديم رؤية للحل.
لا يعني ذلك أن واشنطن لا تمتلك رؤية نهائيًا أو أنها متخبطة في سورية، فمن يراقب تطورات الأحداث منذ عامين؛ يجد أن ثمة مسارًا ميدانيًا مرسومًا بعناية: في البداية أطلق مسار أستانا برضى أميركي، ثم تمّ القضاء على “تنظيم الدولة الإسلامية” استراتيجيًا، لتبدأ عملية العودة التدريجية إلى ثنائية النظام/ المعارضة، ثم جرى دفع الفصائل المسلحة إلى الشمال، لتكون تحت عباءة دولة واحدة هي تركيا، وجرى حصر المنظمات الموصوفة بالإرهاب، في بقعة جغرافية محددة (إدلب)، كل ذلك يؤكد أن ثمة مسارًا متفاهمًا عليه دوليًا، لكن هذا المسار لم يصل بعد إلى عتبة التسوية، في ظل عدم اكتمال المشهد الميداني، وفي ظل انفتاح هذا المشهد على احتمالات متعددة.
مرحلة ما بعد الضربة لن تكون مرحلة السياسة، بقدر ما ستكون مرحلة توسيع المعارك، ومن يراقب التصريحات الروسية مؤخرًا؛ فسيجد هدوءًا في هذه التصريحات قبل الضربة، وحدّة فيها بعد الضربة، وصلت إلى حدّ التهديد بتسليح النظام بصواريخ (300-S)، والأمر ذاته بالنسبة إلى إيران التي أعلنت، على لسان علي أكبر ولايتي، أن إدلب ستكون الوجهة التالية للنظام السورية والقوى الحليفة له.
حسين عبد العزيز
المصدر
جيرون