الضربة وما بعدها: واشنطن تقلب الطاولة ساعة تشاء



يرى كثير من المراقبين أن الملف السوري، بعد الضربة الثلاثية التي شنتها كل من واشنطن ولندن وباريس ضد النظام السوري، لن يكون كما قبلها، لا سيما أن الضربة -على محدوديتها- حملت رسائل عدّة، وستترك أثرًا في مسار القضية، ربما يغيّر مسار الملف ويحرف الطريق أمام روسيا وإيران.

تقول عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة سهير الأتاسي: “لا أعتقد أن بإمكاننا الحديث عن تغيّر جذري في المعطيات، بعد ضربة ما زال بإمكاننا تقييمها، بوصفها محدودة وجزئية وسطحية، لم تؤثر في نظام الأسد وحلفائه بالعمق”، مشيرةً، في حديثها إلى (جيرون)، إلى أن “أبعادها السياسية ليست واضحة بعد، سوى أن واشنطن تقول عبر الضربة إن بإمكانها قلب الطاولة عندما تريد، كما بإمكانها تحجيم روسيا التي كانت لها اليد الطولى في الملف السوري، بكافة أبعاده”.

أضافت: “أعتقد أن المفاوضات -كما المقايضات- حامية الوطيس، ولا أعتقد أن مصير نظام الأسد أو تحقيق مصلحة السوريين في الخلاص من مجرم حرب، من النقاط الجوهرية في المقايضات الجارية، والتي قد تشهد ضربات جديدة لدعم الموقف الأميركي فيها”. ورأت أتاسي أن “على السوريين استثمار ما جرى ويجري، من دون التعويل بشكل حقيقي عليه؛ فما زال بإمكان السوريين التقاط أنفاسهم والإصرار على استعادة المسار الحقيقي للثورة، كما يمكنهم رفض المسار الروسي لجنيف، والتشبث بالقرار 2118 الذي تخلّوا عن الحديث عنه لصالح القرار 2254، الذي سجل تراجعًا كبيرًا عما سبقه من قرارات”.

من جهة ثانية، عدّ المنسق العام لـ (تجمّع مصير) أيمن أبو هاشم، أن الغاية من الضربة الثلاثية هي “تغيير قواعد اللعبة السياسية وليس تغيير النظام”، موضحًا لـ (جيرون) أن الضربة “بمثابة رسالة من أميركا وحلفائها، بأنهم لن يقبلوا بشرعنة الوجود الإيراني في سورية، وهذا سبب اقتران الضربة بالتصريحات حول ضرورة العودة إلى مسار جنيف؛ ما يعني بدء مرحلة جديدة من المساومات السياسية، سيكون التناقض فيها بين روسيا وإيران أكثر وضوحًا من قبل”.

رأى أبو هاشم أن “الضربة لها أهداف داخلية أيضًا، بالنسبة إلى رؤساء الدول المتحالفة، وتحديدًا للرئيس (الأميركي) ترامب الذي يواجه مشكلات داخلية كبيرة، ويريد الهروب منها نحو عمل خارجي، تحت شعارات أخلاقية كضرب نظام الأسد لاستخدامه الكيمياوي في سورية”.

أضاف: “علينا أن لا نستغرب أن مثل هذه الضربة وغيرها -طالما أن تغيير النظام ليس من أولوياتها- تصبّ في سياق تكريس مناطق النفوذ في سورية، ومن الوهم أن نراهن على أميركا وحلفائها في إنقاذ الشعب السوري، فهم عمليًا شركاء روسيا في إبقاء نظام الأسد، على الرغم من كل فظائعه وجرائمه، وخلافاتهم على محاصصة الكعكة السورية بينهم، وليس على إنصاف حقوق السوريين”.

في السياق، يرى الأستاذ الجامعي محمد نور حمدان أن “الضربة الأميركية هي بمثابة استثمار من أميركا للأوضاع في سورية، ومحاولة لتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب، وبخاصة بعد وصول النظام إلى الغوطة، والعملية هي عملية تحصيل مصالح بين الدول الكبرى على أرض سورية، بعد أن فقد النظام أي تأثير وأصبح مجرد أداة”.

أضاف لـ (جيرون) أن “التفاهمات الدولية لن تبقى على حالها بل ستوجد تغيّرات، وما يمكن التعويل عليه هو اختلاف المصالح بين الدول، وبالتالي يمكن أن يكون هناك تغيير للنظام، ضمن صفقات بين هذه الدول”، معقّبًا “بالتأكيد لن يكون ذلك التغيير في مصلحة النظام المجرم الذي لم يعد يملك أي قدرة على التأثير”.

كما قال الكاتب السوري المعارض مازن عدي، في حديث إلى (جيرون): إن “الضربة قد تُستأنف، ولن تنتهي قبل تحقيق نتائج ملموسة يمكن توظيفها سياسيًا، وغرضها توجيه رسالة ردع إلى العالم، بخصوص من يستخدم السلاح الكيمياوي”.

تابع: “آخر ما تفكر به الأطراف الدولية والإقليمية المتنازعة هو مصلحة الشعب السوري، ويهمها بالدرجة الأولى مصالحها المباشرة والاستراتيجية، وقد يعطي إدخال شيء من التوازن في معادلات الوضع السوري، من تقليص للنفوذ الإيراني والحد من التغول الروسي، فرصةً لحلٍ سياسي يضع حدًا للكارثة المستمرة الواقعة على الشعب السوري، ولا يسد الطريق أمام مطالبه التي ضحى من أجلها الكثير والكثير. وهذا يفسر جانبًا من الترقب والرغبة، لدى أوساط من الشعب السوري، في معاقبة النظام المجرم المدعوم من شريكيه الإيراني والروسي”.

في الموضوع عينه، قال رئيس الهيئة السياسية السابق في إدلب رضوان الأطرش: “في اللحظة التي كان فيها طيران التحالف الثلاثي يقصف أهدافًا محددة للنظام، كان طيران النظام يقصف المدنيين في ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، والكل يعلم أن رأس الإجرام والإرهاب يكمن في القصر الذي منه صدرت التعليمات باستهداف دوما، ومن قبلها خان شيخون بالغاز القاتل”.

وأضاف خلال حديثه إلى (جيرون): “لو أن العالم جادّ في القضاء على رأس النظام؛ لفعل ذلك من أيام الثورة الأولى التي طالب فيها الشعب بتغيير النظام”، وعدّ أن الشعب السوري “بات ينظر إلى هذه الضربات على أنها تخدم مصالح الدول، التي جعلت من سورية ساحة لتصفية حساباتها، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، والأمر الآخر عندما يتم استهداف أماكن يعتقد بأنها تحوي مستودعات الأسلحة الكيمياوية فقط، وتترك باقي الأهداف التي من خلالها يُقتل الشعب أيضًا، هي إشارة واضحة إلى تغاضي المجتمع الدولي عن ذلك. الأهداف التي تخدم الشعب السوري في المقام الأول هي إطاحة رأس النظام والتأسيس لعهد سياسي جديد في سورية المستقبل”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون