آفاق عودة اللاجئين السوريين لديارهم



أصدر مركز (كارنيغي) للشرق الأوسط في بيروت، دراسة جديدة بعنوان (أصوات مهمشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن)، تناولت خيارات اللاجئين السوريين في لبنان والأردن، حول قضية العودة إلى ديارهم.

ذكرت الدراسة، أمس الأربعاء، أن الحرب في سورية أنتجت أكبر أزمة لاجئين في التاريخ الحديث. حيث فرّ نحو 5.5 ملايين سوري من وطنهم، ونزح 6.1 ملايين منهم داخل البلاد. ومع ذلك، تخفق مساعي إنهاء النزاع -سواء أكانت عبر مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة أم عبر مفاوضات أستانا التي ترعاها روسيا وإيران وتركيا- في أخذ مخاوف اللاجئين وحاجاتهم وشروطهم الأساسية للعودة إلى موطنهم، في الاعتبار.

أشارت الدراسة (أنجزها كل من: مها يحيى، جان قصير، خليل الحريري)، إلى أن كلا مساري مفاوضات السلام (جنيف وأستانا)، يفترض ضمنًا أن اللاجئين سيعودون إلى ديارهم، فور إبرام اتفاق السلام، لكن بحسب الشهادات التي استمع إليها معدّو الدراسة، يبدو أن هذا مستبعد للغاية.

تقول الدراسة: “اللاجئون الذين يفكرون في العودة يسعون إلى ضمانات تشمل سلامتهم الجسدية، والحصول على الخدمات الأساسية، وفرص العمل، والحق في العودة إلى مناطقهم الأصلية، ويُساورهم القلق من الأحكام التي سيتضمّنها أي اتفاق سياسي مُحتمل، ومن الطريقة التي ستتم فيها عملية انتقال السلطة، وما إذا كانت العدالة ستأخذ مجراها”. وهم يريدون أيضًا ضمانات بأنهم لن يتعرّضوا لأذى عند عودتهم.

بحسب الدراسة، ساهم تركيز المجتمع الدولي على المساعدات الإنسانية، واحتواء أزمة اللجوء، ووقف سيل الهجرة إلى أوروبا، في تجاهل معالجة الأسباب الأساسية للنزاع، أو تحسين ظروف اللاجئين. وسرى افتراض بأن اللاجئين في مقدورهم البقاء إلى ما لا نهاية في الدول المضيفة، ريثما ترتسم معالم اتفاق سياسي في سورية.

في لبنان والأردن، تحديدًا، وضع سيل اللاجئين الكبير والمفاجئ ضغوطًا هائلة على قدرات مؤسسات الدولة، وفاقم المشكلات الاقتصادية والمالية، ومشكلات البنى التحتية القائمة أصلًا. ونجم عن ضيق الفرص الاقتصادية المتاحة تنافسٌ حادّ، بين اللاجئين أنفسهم وبين المجتمعات المضيفة، على الأعمال غير الماهرة في القطاع غير الرسمي والوصول إلى الخدمات.

على الرغم من أن الأردن ولبنان يجابهان تحديات هائلة، فإن الدراسة وجدت أن الوضع في سورية أبعد ما يكون من كونه ملائمًا لعودة اللاجئين. فالظروف الأمنية في مسقط رأس العديد من اللاجئين ما تزال متقلبة الأحوال، إما نتيجةً للنزاع المسلّح المتواصل أو لاحتمال التعرّض إلى اضطهاد النظام السوري، في المناطق التي يسيطر عليها. ثم إن عودة جماعية الآن للاجئين ستفاقم فقدان الأمن على الأرجح، بسبب التنافس الحادّ على الموارد والبنية التحتية المحدودة.

قدّر صندوق النقد الدولي تكلفة إعادة الإعمار في سورية، بما يراوح بين 100 إلى 200 مليار دولار. وفي أكبر عشر مدن في البلاد، دُمِّر أكثر من ربع المساكن جزئيًا أو كليًّا، بحلول 2017، خصوصًا في المدن التي خرجت عن سيطرة النظام فترة من الوقت. مستويات الدمار كانت أكبر بكثير في دير الزور وتدمر (41 في المئة في كلٍّ منهما)، وحلب وحمص (30 في المئة في كلٍّ منهما)، ودرعا (15 في المئة). وهذا يشكل عائقًا كبيرًا أمام عودة اللاجئين إلى ديارهم.

ومع استعادة النظام السوري السيطرة على مناطق عدّة؛ تصاعدت الدعوات في الدول المجاورة، المطالبة بعودة اللاجئين إلى بلادهم. لكن اللاجئين يرهنون عودتهم بشروط، لطالما أُهملت إلى حدّ بعيد في خضم المساعي السياسية الرامية إلى إيجاد حل للنزاع السوري.

لفتت الدراسة النظر إلى أن “غالبية اللاجئين، على الرغم من تفاقم التحديات التي تواجههم، لا يرغبون في العودة، ما لم يتوافر انتقال سياسي يضمن سلامتهم وأمنهم، والوصول إلى القضاء والعدل، وحق العودة إلى مسقط الرأس”.

وعلى الرغم من أن توفير الفرص الاقتصادية والسكن اللائق يُعدّ من أولوياتهم، فإنها لا تُعدّ من متطلبات العودة. وفي المرتبة الأولى، أظهرت مواقف اللاجئين بجلاء أن وجود حل سياسي مستدام، وعودة جماعية وطوعية، هما على السواء رهن عمليات سلام دولية تأخذ أصواتهم بالحسبان.

خرجت الدراسة بعدد من التوصيات، أهمها:

1ــ تقتضي العودة الآمنة والمستدامة للاجئين إرساء إطار عمل، يقرّ بالجذور السياسية للأزمة السورية، ولا يكتفي باحتساب أبعادها الإنسانية وحسب، وبأن السلام مستحيل من دون العدالة، ويعترف بحقّ اللاجئين في العودة إلى مسقط رأسهم.

2ــ لا يمكن ضمان الأمن والسلامة سوى من خلال عملية سياسية، ترسي آليات حكم شاملة، وتضع حدًّا لإفلات المجرمين من العقاب، وتيسّر إعادة الدمج ونزع السلاح، وتوفر القدرة على الوصول إلى القضاء والعدل.

3ــ ينبغي ألا يساهم تمويل إعادة الإعمار في تعزيز النظام السوري، من دون قصد. لذا، قد يكون بدء تمويل إعادة الإعمار على نطاق ضيق في مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام، بديلًا أمثل في دعم مساعي إعادة الإعمار المحلية.

4ـــ يجب أن يكون التمويل مشروطًا بعودة اللاجئين إلى منازلهم والحصول على ملكياتهم. ولا بدّ من إرساء عملية تدقيق، تثبت عدم ضلوع الكيانات المحلية التي تتلقى تمويلًا دوليًا بجرائم حرب، وتتأكد من أنها ليست واجهة للنظام.

5ــــ يجب احترام حق اللاجئين في العودة. وفي سبيل تشجيع البلدان المضيفة، على التزام سياسات توفر حاجات اللاجئين الأساسية، حريّ بالدعم الدولي أن يجمع بين المساعدات الإنسانية والاستثمارات الاقتصادية التي تهدف إلى خلق فرص عمل لمواطني البلدان المضيفة واللاجئين على السواء. (ن.أ).


جيرون


المصدر
جيرون