العنصرية ضد السوريين في لبنان تتصاعد اضطرادًا



تتصاعد النبرة العنصرية، والدعوات الإقصائية، في الإعلام اللبناني، وفي أوساط كثير من السياسيين اللبنانيين، ضد اللاجئين السوريين في لبنان، ونلاحظ ذلك أكثر وأكثر مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية؛ إذ تشتد اللهجة والخطاب المتعصب، وصولًا -على ما يبدو- إلى حاصل انتخابي أكبر، وحرصًا على الصوت التفضيلي المنبثق عن القانون الانتخابي اللبناني الجديد. ويردّ متابعون ذلك الأمرَ إلى نزعات طائفية، وإلى مواقف سياسية واجتماعية من الوجود السوري على الأرض اللبنانية. حول هذه النزعة العنصرية، سألت (جيرون) بعض المختصين والمتابعين للحالة اللبنانية، عن رأيهم حول الأسباب؟ وما أهمية انتشارها في هذه الفترة أكثر من سواها؟

طلال مصطفى، الباحث في (مركز حرمون للدراسات المعاصرة)، اعتبر أن “العنصرية الممارسة من قبل بعض اللبنانيين، تجاه السوريين، ليست بجديدة، وأن جذورها تعود إلى تاريخ فصل لبنان عن سورية، على إثر إعلان الاستقلال لكلا الدولتين عام 1946 عن الانتداب الفرنسي، حيث لم تعترف الدولة السورية بدولة لبنان، استنادًا إلى أن لبنان جزء من سورية، وقد تعزز هذا الكره اللبناني للسوريين، من بعد دخول قوات النظام الأسدي إلى لبنان مع الحرب الأهلية عام 1975، وما قامت به هذه القوات من ممارسات فاشية تجاه اللبنانيين، تشبه ما تمارسه الآن تجاه السوريين، على إثر ثورة 2011، حيث أصبح أصغر جندي أسدي في لبنان يتحكم بمصاير اللبنانيين، ويمارس عليهم أبشع الصور المهينة، والجميع يعرف مرحلة الوصاية الأمنية السورية في تلك المرحلة، واستمرت تلك الممارسات حتى بعد خروج القوات الأسدية عام 2007، حيث تُركت ميليشيا (حزب الله) تمارس سلطتها الأمنية والسياسية بديلًا عنها”.

أضاف مصطفى: “هذه الكراهية اللبنانية لهذه الممارسة الفاشية، من قِبل النظام السوري، أُسقطت على المواطنين السوريين، وبخاصة على الفئة الأكثر ضعفًا وهشاشة: العمال السوريين، لعدم قدرتهم (أي اللبنانيين) على إظهار وممارسة هذا الكره تجاه النظام الأسدي، خوفًا من أن يطالهم ثانية، أو خوفًا من أن يطالهم ممثلو النظام في لبنان: (حزب الله) وغيره”.

ردّ مصطفى ذلك إلى خلفيات، منها “عنصرية صادرة عن فئات لبنانية نتيجة كرهها للنظام الأسدي، ونتيجة ما لاقت من عنف فاشي إبّان وجوده في لبنان، وهذا ما يعزز ثقله الانتخابي في هذه المناطق اللبنانية المعارضة للنظام الأسدي وحلفائه في لبنان، وخوفًا من إحداث تغيير ديموغرافي ديني ومذهبي في لبنان مستقبلًا. وأيضًا ثمة عنصرية صادرة عن اللبنانيين الذين يُعدّون حلفاء للنظام الأسدي، وعلى رأسهم (حزب الله)، نتيجة تعليمات من الأجهزة الأمنية السورية على أرضية أن هؤلاء معارضون للنظام الأسدي، وهاربون من الخدمة في الجيش الأسدي؛ ما اضطر ميليشيا (حزب الله) إلى التدخل العسكري إلى جانب النظام، لتسد الفراغ الذي حدث نتيجة هروب أغلبية الشبان السوريين من الخدمة العسكرية. وعلى ذلك؛ فإن أنصار نظام الأسد في هذه المناطق اللبنانية الموالية، يمارسون الكره والعنصرية تجاه السوريين، اعتقادًا منهم أن السوريين هم السببُ وراء ما يحدث في سورية، واضطرار أولادهم (ميليشيا حزب الله) إلى الذهاب، والقتال في سورية، وعودة العديد منهم قتلى”.

الباحث اللبناني الدكتور فضيل حمود قال لـ (جيرون): “ظاهرة العنصرية ضد الأشقاء السوريين تتصاعد، في بلد تمّ تصنيفه الثاني عالميًا بالعنصرية، بعد الهند، والأول عربيًا، وفق موقع (إنسايدر مونكي) الأميركي الذي صنف أكثر من 25 دولة عنصرية في العالم عام 2016. إضافة إلى العوامل التاريخية الشائكة والمؤلمة، أهمها وصاية واحتلال جيش نظام الاستبداد السوري للبنان نحو 30 سنة، وثمة عوامل حديثة فاقمت ذلك، وتفسر تفشي الظاهرة الفاشية المشينة والمدانة. كما أن هناك شبه عدم وجود دولة، عمليًا، وانتشار الفوضى والفساد، حيث لا يوجد رادع لحماية الضعفاء عمومًا، واللاجئين السوريين خصوصًا، ولا يوجد تنظيم (على كافة الصعد) لهذا الوجود الإنساني الطارئ الكبير بالنسبة إلى عدد السكان”. وأرجع ذلك أيضًا إلى “انخراط وتدخل ميليشيا (حزب الله) في سورية لإنقاذ نظامها، وإلى تفاقم الفقر والبطالة وتفشي الجرائم، في ظل تدهور اقتصادي غير مسبوق، وإلى إثارة وتحريض واستغلال المخاوف والهواجس الأقلوية المذهبية من أكثرية قوى ونخب السلطة وأحزابها وأدواتها الإعلامية خصوصًا، وأخيرًا في الحملة الانتخابية البرلمانية المزمع إجراؤها، في 6 أيار/ مايو المقبل؛ حيث الموضوع السوري والموقف منه وخاصة اللجوء من أهم عناوينها. ليكون اللاجئ السوري (كبش محرقة) والحلقة الأضعف، في هذا المشهد المأسوي”.

الناشطة السورية نسرين الريش المختصة بشأن اللاجئين السوريين في لبنان، عدّت أن “الفكر العنصري، ضد المعارضين في سورية عمومًا، يروج أن كل معارض إرهابي، كذلك الأمر في لبنان على اعتبار أن القوة التي تمتلك القبضة الحديدية في لبنان، هي نفسها القوة الموجودة في نزاع سورية ممثلة بـ (حزب الله)، وتجاوب أغلب الفئات الأخرى مع هذا الفكر، حيث يجري إقناعها بأن جميع السوريين في لبنان دواعش وإرهابيون؛ فيكون التعامل معهم على هذا الأساس بأقصى درجات العنصرية، بالفعل والقول، ومن الحوادث الأشهر ما جرى من إحراق مخيمات، واغتصاب نساء، وقتل وجرائم واعتقالات من دون محاكمات، والشهداء الذين سقطوا تحت التعذيب، وأيضًا قطع الأرزاق والمنع من العمل، وكان آخر هذي الممارسات عنصرية الطلاب اللبنانيين في المدارس ضد الطلاب السوريين”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون