حق العودة.. لكن سوريّاً



لم يعد الحديث عن حقّ العودة مرتبطاً حصرياً بالشأن الفلسطيني، بل أصبح، منذ أعوام، عراقياً، نتيجة الهجرة الكبيرة للعراقيين السنّة من مناطق واسعة في بغداد، بسبب الحرب الأهلية الداخلية (لمزيد من التفصيل يمكن العودة إلى كتاب ديبورا أموس “أفول أهل السنة: التهجير الطائفي ومليشيات الموت وحياة المنفى بعد الغزو الأمريكي للعراق”، الشبكة العربية للأبحاث والنشر)، ثم يتم الحديث اليوم عن حماية “حق العودة” للسوريين المهاجرين، والأغلب مهجّرون، بسبب الحرب الأهلية الداخلية، وبطش النظام والفوضى والرعب، إلى وطنهم.
وفي ضوء الوقائع والتطورات الراهنة، في سورية، فإنّ إمكانية تحقيق حق العودة لدى نسبة كبيرة من السوريين المهجّرين (قرابة 7 ملايين شخص)، ليست أفضل حالاً من الفلسطينيين، فهنالك في سورية عملية “هندسة ديمغرافية” على أسس طائفية جارية بصورة متسارعة ومنهجية، وتؤدي في نهاية اليوم إلى فقدان نسبة كبيرة من السوريين أملاكهم ومنازلهم في سورية.
حلل هذه الوقائع، بدرجة كبيرة، الكاتب والباحث السوري الصديق، سلام الكواكبي، في ندوة إطلاق تقرير مهم لمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، عُقدت الأسبوع الماضي في عمّان، بعنوان “أصوات مهمّشة.. ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن”. إذ قدّم الكواكبي تفصيلاً مهماً لمعطياتٍ عديدة، منها أنّ نسبة كبيرة من المنازل التي هدّمت في حلب ومدن أخرى لا تقوم على أساس الملكية، فهي أقرب إلى العشوائيات والبناء غير القانوني والمنظم، لذلك يفقد سكّانها المهجّرون حقّهم فيها بمجرد ما قُصفت وسويّت بالأرض، وهذا ما حدث.
وضع اليد على الأملاك والاستيلاء عليها، وبروز مافيات تشتريها بأسعار هزيلة، وتبيعها للسكّان الجدد، على أسس طائفية، من الظواهر المنتشرة المنهجية اليوم، ويعزّز هذه المنهجية الجديدة المرسوم العاشر الذي أصدره الرئيس السوري، بشار الأسد، في شهر إبريل/نيسان الجاري، والذي يقوم على حق الدولة في إعادة التنظيم، يسمح بإحداث مناطق تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي، يتم فيها حصر الملكيات الخاصة، وتسجيلها من جديد في السجل العقاري، على أن يكون هذا التسجيل نهائياً في نهاية فترة الطعن المقدرة بـ 30 يوماً من تاريخ حصر أملاك المنطقة الإدارية.
وبناءً على هذا المرسوم، الجميع مطالب بإعادة تسجيل ملكيته العقارية والزراعية، ومن لم يقم بذلك في المدة المحدّدة يفقد حقّه في ملكيته، ويستطيع تفويض أحد أقاربه، لكن هذه الإجراءات الضبابية سمحت ببث فوبيا لدى المهاجرين بفقدانهم ملكياتهم، ما استغلته المافيات النشيطة حالياً في شراء هذه الملكيات بأسعار زهيدة، وهو ما حذّر منه محامون ونشطاء سوريون معارضون بأنّ ذلك وسيلة خلفية غير قانونية، لتغيير الملكيات وشراء الممتلكات وإكمال عملية الهندسة السكانية الجارية!
فوق كل ما سبق، هنالك عوامل موضوعية عديدة تمنع السوريين حالياً من العودة. وقد أثبت التقرير أنّ أغلبية اللاجئين تشترط وجود حالةٍ من الأمن لعودتها إلى وطنها، وهو ما لم يتحقق برأيهم إلاّ بعملية انتقال سياسي للسلطة وتحقيق العدالة الانتقالية، لأنّ البديل عن ذلك “حروب صامتة” داخلية تقوم على الثأر والانتقام، وهو ما لا يبدو أمراً قابلاً للتحقق، على الأقل في المدى المنظور، ما يعني أنّ مسار ومشروع التغيير الديمغرافي وإعادة التنظيم سيبقى جاريا.
لا تبدو هنالك أي مشكلة لدى النظام السوري في عدم عودة اللاجئين السوريين، بل ينظر إليهم كثيرون من أنصار النظام خونةً وأعداء للوطن، وهي الفلسفة التي عزّزها بشار الأسد وإعلامه في الأعوام الماضية. ويكشف الكواكبي عن اجتماعٍ تسربت معطياته، جرى بين الأسد وسفراء سورية في الخارج، قائلاً لهم: صحيح أنّ هنالك سبعة ملايين سوري تقريباً هجّروا، ومئات الآلاف قتلوا، لكنّنا كسبنا في نهاية اليوم “مجتمعاً متجانساً”!
يبدو أنّ موضوع اللجوء والحديث عن حق العودة سيصبح أحد الموضوعات المستقبلية، نظراً لما تطرحه سوسيولوجيا اللجوء من نتائج، وتؤدي إليه من تداعيات اجتماعية وثقافية وسياسية على البلدان الطاردة والمستقبلة، وما تُحدثه من نتائج نفسية واجتماعية وثقافية عديدة، خصوصا عند الحديث عن الأجيال القادمة، في كل من سورية والعراق واليمن وليبيا، التي تعاني حروباً داخلية وأهلية، ذات أبعاد طائفية أو مناطقية وجغرافية.

(*) كاتب أردني


العربي الجديد


المصدر
جيرون