مسارات دي ميستورا ولافروف



اعتبر ستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي إلى سورية، أن الضربات الغربية لنظام بشار الأسد غيرُ مفيدة للحل السياسي، وأن التصعيد العسكري الأخير يضرّ بالمسار السياسي، وجاء حديث المبعوث الأممي، مطابقًا لما صرّح به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في أثناء اجتماعه معه، وفي السياق، علّق وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغر: إن الضربة “لم تأت بمزيد من الاستقرار إلى سورية، أو بضمانات، أو دفعة جديدة لتقدم تسوية الأزمة في سورية”.

المبعوث الدولي وممثل الخارجية الروسية يعرفان أن التسوية التي يرعاها ممثل الأمين العام نُسفَت منذ ستة أعوام، بضربات نظام الأسد التي شملت كل المناطق، وصولًا إلى ما أُطلق عليه توافقًا “مناطق خفض التصعيد” التي خرق النظام وموسكو كل بنودها، من خلال عملية دمار واسعة وقتل وتهجير، كان آخر فصولها في الغوطة الشرقية، يتبعها جنوب العاصمة، وجميعها مناطق “خفض تصعيد”. لكن حديث دي ميستورا عن الضربة الغربية لمواقع الأسد، وتهديدها مسار الحل السياسي، يدخل في إطار ضخ مزيد من الأكاذيب الممجوجة والمكشوفة؛ فبعد كل الجرائم، يُهدد لافروف -كذبًا- بأن بلاده ستزوّد النظام بصواريخ (إس 300)، وهو يعرف أنه لن يجرؤ على استخدامها على غير السوريين، كما هو حال كل السلاح الذي بحوزته.

يروّج دي ميستورا مع الجانب الروسي كذبة أن الضربة الغربية “تهدد المسار السياسي”، لكن عدوان الأسد وموسكو على عموم الشعب السوري، وتقويضه حياة ملايين السوريين، لا يهدد مستقبل سورية، الذي كشف عنه كلام نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، حين قال: “إن موسكو لا تعلم كيف سيتطور الوضع في سورية، في ما يتعلق بالحفاظ على وحدة أراضيها”، بالطبع، هذه التصريحات وغيرها تأتي بعد انتصارات مزعومة من قبل موسكو والأسد، بأن مناطق السيطرة غير الروسية باتت -في واقع الأمر- ضمن نطاق الترسيم العسكري، وتبقى مشكلة الربط بينها بحاجة إلى عملية سياسية، يتفق فيها أصحاب المسارات على تسميتها، وفق المنظور الروسي والإيراني والغربي والإسرائيلي والأسدي، بما يضمن لكل طرف مساره و”كوريدوره” الخاص.

على هذا الأساس، كثّفت موسكو والنظام الضربات الوحشية على السوريين، بغية إيجاد مسار مغاير، وهو ما تنطوي عليه اعتبارات دي ميستورا للمسارات السياسية المنسوفة، دون التطرق إلى إرغام نظام الأسد على القبول أساسًا، بمسار جنيف الذي نسفته براميل وطائرات وغاز بوتين وبشار الأسد. في السياق عينه أيضًا، ينمّ كلام ريابكوف عن جهل موسكو في قضية وحدة الأراضي السورية: أستبقى قائمة أم لا، مع أن التباكي عليها كلّف ملايين الضحايا، بسلاح روسي وإيراني وأسدي، هدف بالأساس إلى تكريس تقسيم طائفي ومذهبي.

إذًا؛ ثمة فرق بين الأدوار الملعوبة والمواقف التي تُعبّر عنها موسكو ودي ميستورا، بشأن وحدة الأراضي السورية، لكن ما هو جوهر الاتفاق والمسار الذي يُقر به ممثل المجتمع الدولي مع موسكو وطهران وأنقرة في جولته الأخيرة؟ بعد استعادة النظام السوري زمام السيطرة عسكريًا، يبدو أن الأسد سيبقى حاجة دولية، بغض النظر عن مآل الجغرافيا والديموغرافيا السورية في التهجير والقتل، إلا أن تلك الأدوار لم تكن سوى مقدمات لتمرير جرائم أخرى، ظهرت بمؤشرات نسف كل العملية السياسية، وهي مطلب السوريين الوحيد من كل الثورة التي صرخوا فيها بوجه الطاغية: “ارحل”، وطالبوا بالاحتكام إلى مواثيق المعاهدات الوطنية والدولية التي تضمن لهم حريتهم في تقرير مصيرهم.

غير أن الإرهاب الذي مارسه الأسد وحلفاؤه على الشعب السوري نسَف كل الشعارات، وقتل ودمّر آمالهم، باستعادة أجواء التفاؤل بالحرية التي سرعان ما انحصرت في جرائم ومجازر، شكلت مسارات “طبيعية” لسلوك النظام.

خشية موسكو ودي ميستورا، على وحدة التراب السوري، هي كذبة وخدعة أخرى، تُغطّي جرائم تكاثرت فوق مسارات السوريين، وحجبت نظر المجتمع الدولي وضميره عنها.


جيرون


المصدر
جيرون