نازحو دير الزور يهبون مخيمهم لمهجري دوما



“عند بداية تهجير أهلنا في الغوطة، ووصول أهالي دوما إلى مدينة الباب؛ قررنا نحن -نازحي المنطقة الشرقية في مدينة الباب- أن نقدّم لأهلنا المهجرين، المخيمَ الذي نجهزه، في محيط المدينة.

على هذا النحو، بدأ أبو عبد الله الديري، مدير مخيم (ضيوف الشرقية) الواقع في محيط مدينة الباب، سردَ تفاصيل قصة المخيم الذي منحه نازحو دير الزور لمهجري دوما.

مخيّم (ضيوف الشرقية) أُنشئ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بتبرعات المغتربين من أبناء المنطقة الشرقية الذي أرسلوا نحو 60 ألف دولار؛ إلى ذويهم النازحين في الباب بريف حلب الشمالي، بهدف شراء قطعة أرض لتنصب فوقها الخيام، ومن ثم يتم نقل النازحين إليها، وتخليصهم من الأعباء المالية التي يتحملونها جراء ارتفاع آجار المنازل.

ولكن المبلغ لم يكف لإنهاء الأعمال، فقد بقيت المرافق الصحية من دون تجهيز، إضافة إلى أن عدد الخيام بقي أقل من العدد المستهدف. وحينها لم تستجب المنظمات لعمليات ترميم النواقص، فبقي المخيم على حاله إلى أن جاء مهجرو دوما.

مع وصول أولى قوافل مهجري دوما إلى الباب؛ بادر الأهالي إلى إبلاغ المنظمات العاملة في الاستجابة، باستعدادهم لتقديم المخيم في وضعه الراهن، لأهالي دوما.

أوضح الديري لـ (جيرون): “قمنا بهذه المبادرة، بهدف إيصال رسالةٍ منا للعالم أجمع: الشعب السوري ما زال بخير، وأننا -نازحي الشرقية- على الرغم من معاناتنا، وعدم استجابة المنظمات الإغاثية المحلية والدولية لمعاناتنا، قررنا أن نُؤْثر على أنفسنا، ونقدّم المخيم لأهلنا من الغوطة، وكما يقول الله -عزّ وجل- في القرآن الكريم: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}”.

اضطر أهالي الغوطة إلى القبول بالشروط الروسية والرضا بخيار التهجير، بعد ست سنين من الحصار والقصف المتواصل، وبعد عدة هجمات بالأسلحة الكيمياوية. أبو أحمد -وهو أحد مهجري دوما- قال لـ (جيرون): “للأسف، هُجّرنا بشكل قسري من الغوطة، ولم نكن نريد هذ المصير، وتحملنا كثيرًا من القصف والحصار، والحمد لله، بعد وصولنا إلى الشمال، نحن الآن بألف نعمة، وعلى الرغم من أننا نقيم في خيم، نشعر وكأننا في بيوتنا، بسبب ما رأيناه من كرم الناس، ومن الخدمات الكثيرة التي تحاول المنظمات تأمينها لنا. كرم الضيافة أنسانا جزءًا من معاناتنا”.

بعد تقديم نازحي دير الزور المخيم؛ بادرت منظمة (جنى وطن) والمجلس المحلي في الباب، إلى محاولات تأمين دعم للمخيم، لإتمام تجهيز بعض النواقص.

المهندسة نسرين الريش، رئيس مجلس إدارة منظمة (جنى وطن)، قالت لـ (جيرون): “أبلغتنا إدارة المخيم أن الأهالي -بعد أن شاهدوا مأساة الغوطة- وافقوا على منح المخيم لمهجري دوما المقرر وصولهم إلى الباب. كانت مبادرة رائعة تندرج ضمن التكافل الاجتماعي، ورد الجميل لأهل الغوطة، لأنهم ذاقوا الوجع والتشرد قبلًا”.

أضافت نسرين: “نسّقنا مع المجلس المحلي وإدارة الكوارث التركية (آفاد)، وجاءت الاستجابة بسرعة، وتمّ توفير الخيم اللازمة، وقام المجلس المحلي بتجهيز الحمامات، كما أن مكتب (أوتشا) أيضًا استجاب لنا. الآن المخيم يتسع لـ 330 خيمة، و45 هنغارا يتسع كل منها لـ 8 عائلات. طاقة المخيم الاستيعابية الحالية 690 عائلة، وهناك إمكانية لنحو 100 خيمة إضافية، ونحن حاليًا نقوم بإدارة المخيم”.

وأوضحت أن “بعض المنظمات بدأت تقديم مساعدات لعائلات المخيم، حاليًا هناك تعاون مع منظمات عدة، وهي توفر للنازحين حصصًا غذائية وخبزًا ومواد غير غذائية، والعمل مستمر لتقديم احتياجات أهلنا المهجرين، وهناك بعض العوائل بدأت تغادر المخيم، بعد أن تمكنت من تأمين منزل في الريف الشمالي”.

تشكل مبادرة الإيثار التي قام بها نازحو الشرقية تجربة فريدة من نوعها، وعلى الرغم من تخلي جميع المنظمات الإقليمية والدولية عن مساعدتهم عند تهجيرهم، فإنهم قدموا من خلال هذه التجربة نموذجًا مميزًا عن التكافل الاجتماعي عند السوريين. وعلى الرغم من تشابه الظروف المأسوية، فإنهم أبدوا تقديرًا عاليًا لأهل الغوطة الشرقية، وصمودهم في وجه آلات القتل والحصار التي مارسها عليهم نظام الأسد مدة ست سنين.

يُذكر أن (منسقو الاستجابة في الشمال السوري) أكدوا تهجير أكثر من 40 ألف شخص، من سكان القطاع الأوسط في الغوطة، و5 آلاف من مدينة حرستا، ونحو 20 ألف من مدينة دوما، و1300 من حي القدم، خلال الفترة الممتدة بين 15 آذار/ مارس، إلى 24 نيسان/ أبريل الحالي.


سامر الأحمد


المصدر
جيرون