الحصار، فالإمطار بالقنابل، فالاستيلاء: هذه هي اتفاقات المصالحة في سورية.



صار ما يُدعى “اتفاقات المصالحة” الوسيلةَ القسرية للحكومة السورية؛ كي تروض المناطق التي أصبحت خارج سيطرتها، كما تكتب المحامية والباحثة ماريا سوسنوفسكي.

طفلة سورية تلعب بأرجوحة مكسورة في مدينة (حزة) في الغوطة الشرقية في ضواحي العاصمة السورية دمشق. STRINGER/AFP/Getty Images المراسل غير الدائم لوكالة الصحافة الفرنسية/ الصورة من موقع

يتضمن مصطلح المصالحة -عادة- نوعًا من الاتفاق الودي بين الخصوم السابقين. وهي تذكر بآلية العدالة الانتقالية في النموذج الجنوب أفريقي. على أي حال، في سياق الحرب الأهلية السورية، فإن اتفاقات المصالحة هي في معظم الأحيان غير مبجلة.

بعيدًا من تقديم أي شكل من المصالحة بالمعنى التقليدي، فإن هذه الاتفاقات هي وسيلة قسرية إضافية، تستخدمها الحكومة السورية كي تستعيد الجماعات التي أصبحت خارج سيطرتها. ففي معظم الأحيان، تنجز الحكومة هذا الأمر، عبر خلق بيئة الحصار حول المنطقة، وتزيد من عدم قدرة السكان في الوصول إلى الأمان، والطعام والاحتياجات الإنسانية الأخرى، عبر وابل من القصف الجوي.

تدفع هذه الظروف القاسية الجماعات داخل المناطق المحاصرة، إلى أن تمارس ضغطًا هائلًا على قادتهم للوصول إلى نوع من الاتفاق مع الحكومة، كي تخفف المعاناة. يتضمن هذا عادة إجلاء عناصر محددة من السكان وعودة سيطرة الحكومة السورية على المنطقة.

مثل هذا الأمر، يمثل هذا النوع من الاتفاقات بالنسبة إلى معظم السكان الذين يعيشون في مناطق “المصالحات”، حلًا مفروضًا أو شروط استسلام، أكثر مما هو أي شكل من أشكال المصالحة.

شراء الوقت

شكل تهجير[1] الجماعة المسلحة التي تسيطر على داريّا في آب/ أغسطس 2016 نقطة تحول في استخدام الحكومة السورية لاتفاقات المصالحة، كاستراتيجية في استعادة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. حتى اتفاق داريّا، فإن اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية[2] قد استخدمت مع مختلف المجموعات عبر سورية.

بدأ هذا في برزة[3]، شمال دمشق، وبعد ذلك بقليل حصل وقف إطلاق النار في حمص القديمة[4] برعاية الأمم المتحدة في شباط 2014. وقد شُجعت[5] عبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، بأمل شراء الوقت من قبل المعارضين، للوصول إلى نوع من حل سياسي.

يمكن أن نرسم رابطًا استراتيجيًا، بين اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية واتفاقات المصالحة. بينما لم يكن لدى الحكومة برنامج عمل قابل للنقاش، من أجل مسار وقف إطلاق النار المحلي واتفاقات المصالحة المعقودة، فقد كانتا أسلوبًا عسكريًا، يُستخدم كي يُجبر مناطق الثوار على الإذعان، إما مباشرة أو في وقت متأخر. وهو الحصيلة الأساسية في كلتا الحالين.

يجب ألا تخفي الطبيعة الظرفية لوقف إطلاق النار المحلي حقيقة أنهما يمسكان المكان، حتى تكون الحكومة في وضع يمكن أن تستعيد الوحدة. إن قدرة الحكومة السورية على تشكيل رافعة لوقف إطلاق نار محلي، تليه اتفاقات مصالحات، قد تعززت بعد التدخل الروسي[6] في الحرب الأهلية، الذي بدا في شهر أيلول/ سبتمبر عام 2015.

اكتسبت الحكومة السورية مدعومة بالقوة البشرية والجوية الروسية، قدرة أكبر على فرض الحصارات، واضعة الأساس لاتفاقات المصالحة الراهنة المعممة أكثر مما هي لاتفاقات وقف النار المحلية.

جاءت اتفاقات المصالحة في معظم الحالات حول الشؤون العسكرية، وعبر الضغط الاجتماعي، كما في تجمعات سرغايا في الزبداني ومحجيه في درعا. ففي هذه الاتفاقات المفروضة اجتماعيًا، أرسلت الحكومة رسائل (واتساب) إلى المقيمين تخبرهم أن يضغطوا على قادتهم؛ من أجل اتفاقية مصالحة، مقابل إعفائهم من سنة من الخدمة العسكرية.

في كلتا المجموعتين، وقبل الاتفاقية، كان ما يزال حوالي ثلاثين بالمئة من الناس يتلقون رواتبهم من أعمال القطاع الحكومي، وعرض النظام لاحقًا أنهم عندما يؤدون خدمتهم العسكرية -في القوى الاحتياطية وليس في الخدمة العسكرية الأساسية– فإنهم سيستمرون بتلقي رواتب القطاع الحكومي، إضافة إلى رواتب الخدمة الوطنية. وبينما كان هناك بعض الاعتقالات، فقد بقي معظم الناس في بيوتهم ولم يهجروا.

تشديد شروط الحصار

من جهة أخرى، الاتفاقات العسكرية المفروضة التي امتدت بين أسبوع (في جوبر على سبيل المثال) إلى أربعة أشهر (في داريّا) مع ظروف حصار مشددة ومستمرة، وقصف جوي أشد، لدرجة أن الناس الذين سبق أن عارضوا النظام بشدة يلتمسون إنجاز الاتفاق.

تُظهر اتفاقات المصالحة المكتوبة ميزة تعاقدية شبه قانونية، وتسوية تكذبها حالة المرونة من جانب وحيد لموقعيها. فبينما دفعت معظم الجماعات بقوة كي تتضمن عبارات تتعلق بإطلاق سراح المعتقلين كجزء من الاتفاقات، فقد كان لها فعالية ضئيلة، وضئيلة جدًا، فيما إذا أطلق سراح أحد في النهاية.

بعد أيام، أسابيع، وربما أشهر من القصف، بهدف الإذعان مع قشرة من الشرعية الدولية في ما يتعلق بالتهجير القسري[7]، تقدّم شروط الاتفاقات -نظريًّا- خيارًا: أسيبقى أو يغادر. لكن العديد قد أخبروا من قبل الحكومة أن أسماءهم موجودة في القائمة، مما يعني أنه في حال بقائهم، فإنهم سيخضعون للاعتقال وكل ما يستتبع ذلك في سورية.

يعني هذا -عمليًا- تعذر قبول المصالحة، من قبل المقاتلين وعائلاتهم، إضافة إلى القادة السياسيين، من مثل أعضاء المجلس المحلي، وكذلك الناشطون فإنهم سيختارون أن يهجروا، إلى إدلب عادة.

في الوقت نفسه، فإن الرجال، والنساء والأطفال الذين يبقون يجب أن “يسووا” أوضاعهم الشرعية مع الدولة. يتضمن ذلك الذهاب عبر تحقيقات أمنية وتجنيد إلزامي، إذا كان الشخص ملائمًا، وتوقيع وثيقة تعترف فيها بأنك جزء من العصيان، معطيًا الحكومة النفوذ عليك حتى نهاية حياتك.

في بعض المجموعات المصالحة، مثل القصير، عرضت الحكومة أن تؤخر التجنيد لثمانية أو تسعة أشهر، ولكنها بدأت إدراج الأسماء في الجداول، في اليوم الأخير للموعد تمامًا.

يضاف إلى ذلك، فإن هؤلاء الذين بقوا في مناطق المصالحات مثل المعضمية، والتل، والقابون ووادي بردى يتحتم عليهم المرور عبر نقاط التفتيش، فيسهل على الحكومة أن تحدد الناس الذين لم يسووا وضعهم.

ضمان الخضوع

لنضيف الإهانة إلى الأذى، لم يكن هناك تحسن ملحوظ في شروط الحياة، بعد المصالحة، بالنسبة إلى العديد من الجماعات. وصول المنظمات الإنسانية والإغاثية يبقى عقبة رئيسية.

وفوق ذلك، فإن التزويد بالخدمات من قبل الحكومة السورية للمقيمين، يقدم بطريقة تبقيهم يائسين وتابعين- تابعين نظرًا إلى اعتمادهم على دمشق، لتزودهم بخدمات معينة، مثل الإجراءات الطبية، لكنهم يائسون لأن دمشق لن تساعدهم كل الوقت، لتذكرهم بخضوعهم لها.

كان لدى المقيمين الذين تم إجلاؤهم من داريّا إلى مخيم التهجير الخاضع لسيطرة الحكومة في الحرجلة، جنوب دمشق، انطباعات من أنهم سيكونون قادرين على العودة إلى داريّا، بعد فترة محددة، انتهت بهم إلى الحصول على القليل من الخدمات الطبية أو المساعدة الإنسانية، وكانوا غير قادرين على المغادرة خوفًا من التحقيقات الأمنية.

بطريقة مشابهة، فإن المقيمين الذين تركوا حمص القديمة منذ أربع سنوات قادرون على العودة نظريًا؛ لكن، يجب عليهم أولًا العبور عبر عدد كبير من التحقيقات الأمنية- العملية التي لا يجرؤ على مواجهتها معظم المقيمين، بسبب الخوف.

في ضوء الطبيعة الإلزامية لاتفاقات المصالحة؛ من الضروري أن يتوجه انتباه العالم الآن، وليس لاحقًا، إلى أكثر من 1،5مليون مواطن[8] تائهين في إدلب، حيث عشرات الآلاف منهم سبق أن هجروا نتيجة اتفاقات المصالحة.

ففي كانون الثاني/ يناير، استخدمت الحكومة غطاء مناطق خفض التصعيد، كي تستولي على البنية التحتية لسكة القطار[9] التي تصل دمشق وحلب بإدلب.

بعد أن تصالح الغوطة الشرقية بشكل يتعذر اجتنابه، فإن من المنطقي أن الرئيس بشار الأسد طبقًا لقسمه المحدد[10] بأن يستعيد كامل البلد، سيوجه اهتمامه إلى هذا المعقل الأخير الذي لا يقبل المصالحة. إذا لم يكن هناك طريق نجاة ولا مكان آخر ليُهجروا إليه، فإن كل هؤلاء الناس سيخضعون لإرادة الدولة رغمًا عن إرادتهم أو سيموتون.

لو أني أجريت مقابلة، كإحدى مديرات لمنظمة عابرة للحدود، سأقول: “الهجمات دائما أكثر ضراوة، بعد وقف إطلاق النار. إذا كان هناك وقف لإطلاق النار؛ عرف الناس أن الشيطان قادم“.

– الأرقام واللون الغامق هي عناوين أو إشارات لمقالات للعديد من الكتاب التي سبق نشرها في مواقع مختلفة. ألمترجم

[1] ANNE BARNARD: “Residents Abandon Daraya as Government Seizes a Symbol of Syria’s Rebellion” AUG. 26, 2016, https://www.nytimes.com/2016/08/27/world/middleeast/syria-daraya-falls-symbol-rebellion.html

[2]

[3] Sadek Abed Alrahman and Karen Leigh: “In Barzeh, Two Versions of a Truce” March 10, 2014, https://www.newsdeeply.com/syria/articles/2014/03/10/in-barzeh-two-versions-of-a-truce

[4] AL JAZEERA: “Civilian evacuations from besieged Homs begin” 8 Feb 2014, https://www.aljazeera.com/news/middleeast/2014/02/un-says-ready-deliver-aid-syria-homs-2014261756812934.html

[5] Nadim Houry: “Making Local Ceasefires Work in Syria” 15 Dec 2014, https://www.hrw.org/news/2014/12/15/making-local-ceasefires-work-syria

[6] AL JAZEERA: “Russia carries out first air strikes in Syria” 30 Sept 2015 https://www.aljazeera.com/news/2015/09/russian-carries-air-strikes-syria-150930133155190.html

[7] Rule 129. The Act of Displacement   https://ihl-databases.icrc.org/customary-ihl/eng/docs/v1_rul_rule129

[8] Turkey | Syria: Developments in Idleb Governorate and Western Countryside of Aleppo (as of 15 February 2017) https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/turkey-syria-developments-idleb-governorate-and-western-countryside

[9] Turkey | Syria: Recent Developments in Northwestern Syria (Idleb Governorate and Afrin District) (as of 30 January 2018) https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/turkey-syria-recent-developments-northwestern-syria-idleb-governorate-0

[10] Syrian president Bashar al-Assad vows to retake whole country https://www.theguardian.com/world/2016/feb/12/syrian-president-bashar-al-assad-vows-to-retake-whole-country

العنوان الأصلي Besiege, Bombard, Retake: Reconciliation Agreements in Syria الكاتب ماريكا سوسنوفسكي هي محامية مجازة ومرشحة لشهادة (الدكتوراه في الفلسفة) من جامعة مالبورن. تركز أبحاثها على وقف إطلاق النار، وكيف يمكن أن تؤثر في القوى الفاعلة المحلية، مع تركيز خاص على الشرق الأوسط المصدر نيوزديلي الرابط https://www.newsdeeply.com/syria/articles/2018/03/28/besiege-bombard-retake-reconciliation-agreements-in-syria المترجم وحدة الترجمة والتعريب
وحدة الترجمة في مركز حرمون


المصدر
جيرون