الروائي الإريتري “حـجـي جـابـر”



الكتابة الصادقة تغرف من الذات لكنها لا تتوقف عندها! الصحافة قدمت لي الكثير وجوّدت أدائي الروائي! لا يمكن إنكار التأثير الذي تركه الأدب المصري في عموم الأدب العربي

في مدينة “مصوع” المطلة على سواحل البحر الأحمر في إريتريا، وُلِد الروائي حجي جابر، قبل أن ينتقل مع أسرته إلى مدينة جدة السعودية، إبان القصف الإثيوبي لإريتريا، عمل في الصحافة السعودية، كما عمل مراسلًا لبعض الفضائيات الأوروبية، ثم سرعان ما شرع في دخول عالم الرواية. من إصداراته رواية (سمراويت) التي حازت جائزة الشارقة للإبداع، ورواية (لعبة المغزل)، ورواية (مرسى فاطمة) التي تتناول إشكالية عصابات الاتجار بالبشر.

شبكة (جيرون) الإعلامية التقته؛ وكان لنا هذا الحوار:

– كيف بدأت سفينة حجي جابر الإبحار بين شواطئ الأدب، وتحديدًا في بحار الرواية؟

= حدث كل شيء بالمصادفة المحضة. علاقتي بالرواية لم تكن تتعدى القراءة ومتابعة جديدها، لكنّ نقطة التحوّل كانت حين عدت أخيرًا إلى وطني، بعد ثلاثين عامًا من الاغتراب. هذه العودة أثارت شجوني وفجّرت أسئلة لم أقوَ على كتمانها. من هنا كانت الحاجة إلى الكتابة، وتحديدًا الرواية، فهي المجال الوحيد الذي استوعب حاجتي للبوح، للشكوى وللتساؤل. كتبتُ (سمراويت)، ولأنها قوبلت بشيء من الرضا، فقد أدخلني ذلك إلى عالم الرواية بشكل أكبر، وهأنذا أحاول مواصلة المشوار.

– في (سمراويت)، رأينا حياة البطل منقسمة في ثنائية متقاطعة، بين جدة وأسمرا، حالة تنازع بين الوطن والغربة، فهل كنت تكتب عن نفسك، أم أن التشابه غير مقصود ومن قبيل المصادفة؟

= نعم، كنتُ أكتب نفسي دون أن يتحوّل العمل إلى سيرة ذاتية. الكتابة الصادقة تغرف من الذات، لكنها لا تتوقف عندها. في (سمراويت) كتبتُ حالتي، لكني تقاطعتُ مع ملايين المغتربين والهائمين على وجوههم في المنافي. (سمراويت) كانت قصة شتات، ومن منا لا يعيش تلك الحالة بطريقة أو بأخرى.

– هل يمكن أن تحكي لنا شيئًا عن بداية تشكل العمل الأدبي؟ ما الذي يأتي أولًا: فكرة عامة، أم موقف ما، أم حبكة، أم شخصية ما؟

= باعتقادي، أني أتبع مشروعًا حددته لنفسي منذ البدء، وهو الكتابة حول أريتريا وعنها. هذا الأمر يسهّل عليّ كثيرًا الخطوات التالية. بالضرورة أنا أبحث عن فكرة، وأتمهّل كثيرًا قبل اعتمادها؛ بل أقوم باختبارها ومقاومتها، حتى أتثبتْ أنها بالفعل تصلح فكرة روائية، ثم تتناسل الخطوات في أعقاب ذلك، الإطار الفني والحبكة والشخصيات إلى آخر ذلك. أنا من النوع الذي يرسم مخططًا شبه كامل في ذهنه، قبل الخوض في الكتابة، وذلك يستغرق فترة طويلة، قد تصل إلى عام كامل من التفكير وحده.

– كيف اقتربتَ من عوالم الاتجار بالبشر وعصاباتها في رواية (مرسى فاطمة)؟

= (مرسى فاطمة) كانت التجربة الأولى لي في الكتابة عن المكان ومن خارجه. في (سمراويت) كتبت عن أماكن أعرفها؛ لذا جاءت التجربة أخف وطأة. احتجتُ في عملي الثاني إلى كثير من القراءة والاستقصاء، جمعتُ شهادات للناجين، وشاهدتُ مقاطع فيديو كثيرة، بعضها لقنوات مصرية اهتمت بهذا الأمر. وأنا سعيد أن النص في النهاية جاء قريبًا في تفاصيله الدقيقة التي تمنح الإيهام للقارئ، بأنه يقرأ شيئًا، يحدث أمامه بالفعل.

– هل يؤثر عملك كصحفي على إبداعك كروائي؟

= سمعت بعض التعليقات بأني استخدمت لغة صحفية في عملي الأول، ولهذا حاولتُ، وما أزال، جاهدًا، ألا أقع في هذا المأزق مرة أخرى، عدا ذلك أرى أن الصحافة قدمت لي الكثير، وجوّدت أدائي الروائي، الذي يعتمد في أحد أوجهه على البحث والاستقصاء.

– بالمناسبة، هل الروائي يُولَد بموهبته، أم أن الأمر يحتاج إلى دراسة؟

= الموهبة وحدها لا تصنع روائيًا، ولن يستطيع الاستمرار، هي تخلق روائي العمل الواحد، لكن الاستمرار والنمو بحاجة إلى دراسة ومثابرة وقراءة متواصلة، وتجويد لا ينتهي، وانفتاح على الملاحظات دون تحرّج.

– ما رأيك -بصراحة- في مستوى الأدب والشعر المحلي في إريتريا، مقارنةً مع الأدب والشعر في الدّول العربيّة الأخرى؟

= في إريتريا مواهب كثيرة، لكن ثمة ظروفًا عديدة لتأخر ظهورها على السطح، منها ما له علاقة بأوضاع البلد والقمع والاستبداد، ومنها ما له علاقة بالمبدع نفسه الذي يحتاج إلى من يأخذ بيده، دون استثمار ما حوله من فرص. أنا متفائل أن الفترة المقبلة ستشهد ولادة أدباء إريتريين كثر، تكون لديهم القدرة على الظهور بين الأدباء العرب.

– ولكن، كيف تقيّم حضور الأدب العربي (أقصد هنا أدب بلاد الشام، أو الشمال الأفريقي، أو الخليج العربي) في المشهد الثقافي في إريتريا؟

= إريتريا -في أحد أوجهها- هي جزء من العالم العربي، ومن يكتبون بالعربية فيها تأثروا كلهم بشكل أو بآخر، بالمنتوج العربي الممتد، سواء أكان ذلك في الشعر أم السرد. ربما ساعد في ذلك أننا -الإريتريين- قضينا أعوامًا طويلة في المنافي، بعضها كان عربيًا في مصر أو سورية أو الخليج، وكلها تركت بصمات لا يمكن إنكارها على الأدب العربي في إريتريا.

– مسك الختام، قلت عنها “الوطن المؤجل الذي أنتظر حلوله كما نشتهي”، فهل تفتقد إريتريا؟

= نعم، بكل تأكيد أفتقد إريتريا التي نتمنى، والتي مات والدي وجدي وجدتي، دون أن يحظوا بها. أنتظر الوطن الذي ننعم فيه بالكرامة والحرية، وقد تخلصنا من الاستبداد والقمع والطائفية المقيتة. إريتريا كانت جميلة وستعود يومًا كما نتمنى أن تكون قريبًا.


أحمد مصطفى الغـر


المصدر
جيرون