on
الملعب المقبرة: اكتشاف أكبر مقبرة جماعية في الرقة
عثر فريق (الاستجابة الأولية) المُلحق بمجلس الرقة المدني، يوم 19 نيسان/ أبريل، على جثث مدفونة في ملعب ثانوية الرشيد وسط مدينة الرقة. وقد اكتشف الفريق الجثث “المجهولة”، في أثناء عمله على إعادة تأهيل مبنى “القصر العدلي” المجاور، حسب ما أشارت صفحة المجلس المحلي على (فيسبوك). إلّا أن تواصل أعمال الفريق في الموقع، خلال اليومين التاليين، كشف عن مقبرة جماعية كبيرة، قد تكون الأكبر في المدينة حتى الآن، إذ تُشير التقديرات الأولية إلى أن العدد يراوح بين 300 و500 جثة، والرقمان صادران كلاهما عن المجلس ذاته، يومي 21 و22 من الشهر.
أثار هذا الكشف موجةً من التساؤلات والمخاوف بين أهالي الرقة، عن تاريخ هذه المقبرة في هذا المكان بالذات، وعن هويات القتلى المدفونين فيها: أهم من المختطفين والمعتقلين الذين غيبهم تنظيم (داعش) إبّان سيطرته على المدينة أم من غيرهم! -وقد عززت من هذه المخاوف حقيقةُ أن المقبرة تقع بجانب القصر العدلي الذي حوّله تنظيم (داعش) في مرحلة ما إلى مقرّ أمني، يضمّ سجنًا في قبوه- أم أنهم من المدنيين الذي استُشهدوا خلال قصف قوات التحالف الدولي والميليشيات الكردية للمدينة، في أثناء عمليات القتال للسيطرة عليها!
مبدئيًا، ثمة إشارات إلى أن المقبرة حديثة نسبيًا، وأنها تعود إلى فترة معركة السيطرة على الرقة التي جرت بين شهري حزيران وتشرين الأول 2017، وأنها أُنشئت غالبًا في أثناء حصار المدينة وقصفها اليومي في تلك الأشهر، لأن التنظيم والمدنيين أيضًا كانوا عاجزين حينذاك عن الوصول إلى المقابر الواقعة خارج المدينة، كما يبدو أنها مقبرة مختلطة، لمدنيين قضوا في القصف ومقاتلين ينتمون إلى تنظيم (داعش)، وربما تظهر تنويعات أخرى مع استمرار عمليات استخراج الجثث في الأيام اللاحقة. وما يقوي هذا الفرض هو تحديد ثلاث هويات، من الجثث المدفونة في المكان حتى الآن: إحداها لمقاتل “داعشي” من الجنسية التونسية، وجثتان لمدنيين من الرقة، هما طفل وسيدة، عرّف عن هويتي جثتيهما أحد المدنيين الرقيين كان قد ظهر في مقطع فيديو في المكان، موضحًا أنهما جثتا ابنه وشقيقته اللذين استُشهدا في أثناء حملة التحالف والميليشيات الكردية على المدينة، فاضطروا إلى دفنهما في هذه المقبرة، لانعدام الخيارات أمامهم وقتذاك.
طريقة تعامل فريق “الاستجابة الأولية” مع هويات الجثث لاقت انتقادات من متابعين، إذ رأوا فيها تقصيرًا في مسألة فحص الجثث وتعيين هويات المقتولين، باستخدام أساليب علمية حديثة، مثل فحص الحمض النووي، أو بإتاحة الفرصة أمام السكان لمحاولة التعرف عليها من خلال العلامات المميزة وبقايا الثياب وغير ذلك مما يمكن أن يعين في تحديد هوياتها، بينما أشار المجلس المحلي، في خبره المقتضب والمبهم المنشور قبل يومين في صفحته على (فيسبوك) عن الواقعة، إلى أنه “تمّ التعامل معها (الجثث) أصولًا، وفق ترتيب وترقيم يقوم به الفريق”، في إشارة منه إلى منهجه في استخراج الجثث، ونقلها إلى المقابر الرسمية على أطراف المدينة، إلى حين تحديد إجراءات أكثر دقة ونجوعًا.
مبدئيًا أيضًا، تُعدّ هذه المقبرة أكبر كشف من نوعه لمقبرة جماعية، بعد هزيمة وانسحاب تنظيم (داعش) من المنطقة؛ إذا صحت التقديرات الحالية عن أعداد الجثث المدفونة فيها. لكن ليس من المرجح أن تجيب مقبرة “ملعب الرشيد” عن مصاير آلاف المختطفين والمعتقلين الذين أخفاهم التنظيم، منذ فرض سيطرته على الرقة مطلع العام 2014؛ إذ كان التنظيم قد اعتقل واختطف ناشطين ومقاتلين في (الجيش الحر) وإعلاميين ومعارضين له وللنظام السوري من مختلف المناطق السورية، وتُقدّر أعداد هؤلاء بأكثر من سبعة آلاف شخص، لم يظهر لهم أي أثر حتى اليوم. ولذلك يُرجح المتابعون العثور على المزيد من المقابر الجماعية الجديدة، وأن يتم تحديد أماكن مقابر جماعية بجانب مقار التنظيم الأمنية ومعسكرات الاعتقال التي كان يديرها في “العكيرشي”، شرقي الرقة، و”الملعب البلدي” في وسط الرقة، وسد الفرات في مدينة “الطبقة”، إضافة إلى استخراج جثث في مواقع مُحددة يُعرف أن التنظيم قد استخدمها، في تصريف جثث معارضيه الذين قتلهم أو ماتوا تحت التعذيب في معتقلاته، مثل “الهوتة”، قرب ناحية سلوك في الريف الشمالي، وبحيرة “المنصورة”، خلف سد البعث، غرب مدينة الرقة.
لا يكاد توجد في الرقة أسرة واحدة لم تفقد فردًا أو أكثر منها، خلال السنوات الخمس الأخيرة، سواء بقصف النظام لها بالطيران وصواريخ (سكود) بين لحظة فقدانه السيطرة عليها مطلع العام 2013، أو في أثناء احتلال تنظيم (داعش) منذ كانون الأول/ ديسمبر 2014، أو بقصف قوات التحالف والميليشيات الكردية لها منذ صيف العام 2015. لكن لا تتوفر حتى الآن إحصاءات شاملة وموثقة عن أعداد ضحايا كل مرحلة من هذه المراحل، ولا عن العدد الكلي لهؤلاء الضحايا. لكن ناشطين محليين يُغلبون أن يكون عدد ضحايا التحالف والميليشيات الكردية من المدنيين أكبر، في حين أن عدد ضحايا تنظيم (داعش) من الناشطين والمعارضين أكبر، بينما يقع النظام في منطقة وسطى بينهما، إذ كان قصفه على الرقة في تلك المرحلة غير تمييزي، وإن كان عدد الضحايا المدنيين أكثر من عدد ضحاياه من المعارضين، ومن مقاتلي (الجيش الحر) والفصائل الإسلامية.
في المقابل، فإن قلة من أهالي الضحايا يعرفون أماكن دفن شهدائهم من المدنيين الذين دُفنوا في مقابر موقتة، في الحدائق العامة وأفنية البيوت، إبّان الحملة العسكرية الأخيرة على الرقة، فيما توجد قلة أخرى لا تزال تنتظر انتشال جثث أقارب وأحبة من تحت ركام آلاف البيوت المدمرة التي تحولت بدورها إلى قبور موقتة لأهلها.
إبراهيم العبد الله
المصدر
جيرون