رغم خطابية ترامب، من المرجح أن يكون الانسحاب الأميركي من سورية فوضويًا



أهداف الرئيس -هزيمة (داعش) وردع استخدام الأسلحة الكيمياوية- يمكن أن يتبيّن أنها أهداف بعيدة عن التحقق.

لافتة في تظاهرة في الفلبين ضد الضربات الأميركية على سورية. تصوير: مارك كريستينو/ وكالة حماية البيئة

قال عضو بارز في مجلس الشيوخ الجمهوري: إن دونالد ترامب ما زال مصممًا على سحب القوات الأميركية من سورية في “أسرع ما يمكن”، على الرغم من قراره في الأسبوع الماضي شنّ ضربات صاروخية ضد أهدافٍ حكومية.

وبحسب ما قيل، فإن الرئيس أخبر جنرالاته هذا الشهر أنه يريد أن ينهي مهمة ما يقرب من ألفي جندي أميركي في سورية ضد (داعش) على الفور، وأن يعيدهم إلى الوطن، وذلك تماشيًا مع تعهده في تجمعٍ، بأن الانسحاب وشيك.

أقنع القادة الأميركيون ترامب بالانتظار لأشهر قليلة، حيث وضحوا له أن طرد (داعش) من معاقلها المتبقية على طول وادي الفرات، لن يكون أمرًا بسيطًا.

في غضون أيام من مطالبة ترامب بانسحاب الولايات المتحدة المفاجئ، كان يأمر بأكبر عملية عسكرية في سورية حتى الآن: إطلاق دفعة من 105 صواريخ من السفن والطائرات الأميركية والفرنسية والبريطانية، لمعاقبة هجومٍ بالأسلحة الكيمياوية منسوبٍ إلى نظام بشار الأسد.

في حديث إلى الصحفيين في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، قال بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إنه لا يعتقد أن ضربات نهاية الأسبوع الماضي الجوية ستقللّ من رغبة الرئيس في سحب القوات الأميركية من الصراع.

وأضاف: “أعتقد أن الرئيس ملتزمٌ جدًا بالخروج من سورية في أسرع وقتٍ ممكن، ولا أرى أي شيء يغير ذلك”، وتصادم الجمهوري من ولاية تينيسي مرارًا مع ترامب، الذي لا يسعى لإعادة انتخابه هذا العام، لكنه يقول إنه ما يزال يتحدث إلى الرئيس، في كثيرٍ من الأحيان، بشأن السياسة الخارجية.

“أنا لا أرى أن هذه الإدارة تحاول، بأي حالٍ من الأحوال، صياغة ما يحدث على الأرض، من حيث علاقته بالنظام، عندما دعونا روسيا، للمساعدة في الأسلحة الكيمياوية، قمنا بتسليم البلد إلى روسيا. إنه [مطلب] روسيا وإيران لتحديد ما الذي سيحدث في سورية. عندما لا تساعد في تشكيل أو صياغة ما هو موجود على الأرض، وأنت في اجتماعاتٍ دبلوماسية، فأنت تتحدث فقط”.

يزعم كوركر أنه لمواجهة عبء الاستقرار وإعادة البناء في سورية، فإن روسيا وإيران ستقتنعان بوجهة نظر الولايات المتحدة التي مفادها أن هذا غير ممكن، طالما الأسد باقٍ في السلطة.

سوزان رايس، مستشارة أوباما للأمن القومي، قدّمت حجةً مماثلة هذا الأسبوع، مشيرةً إلى أن إدارتَي ترامب وأوباما واجهتا معضلاتٍ مماثلة في سورية، وطرحتا سياساتٍ مماثلة. وقالت رايس: إن قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على تمويل إعادة إعمار سورية ستعطي واشنطن نفوذًا على طاولة المفاوضات، لم تمتلكه من خلال القوات على الأرض.

وكتبت في تعليق في (نيويورك تايمز): “من دون أموالنا، ستتحملّ روسيا وإيران، وهما لا تملكان القوة الاقتصادية، المسؤوليةَ عن دولةٍ فاشلة للغاية”.

كما اكتشفت الولايات المتحدة في فيتنام وأفغانستان والعراق، في الحروب الأهلية المعقدة للبلدان الأجنبية، أنها ما إن تدخل فيها، يصعب الانسحاب منها. ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد أن سورية ستكسر هذا النموذج، مهما كان القائد الأعلى للقوات الأميركية مترددًا ومعارضًا للتدخل.

سعى ترامب لتحديد أهداف الحرب الأميركية في سورية بهدفين: هزيمة (داعش) بشكلٍ مدوٍّ، وردع استخدام الأسلحة الكيمياوية. حتى مع مثل هذه الأهداف المحددة بدقة، فمن المرجح أن يكون الانسحاب الأميركي فوضويًا.

كلا الهدفين، مع أنهما حقيقيان، يمكن أن يبقيا بعيدين من التحقق. حتى بعد غارات الأسبوع الماضي الجوية، ترك ترامب خطوطه الحمراء بشأن الأسلحة الكيمياوية غير واضحة. ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل مجددًا، إذا تم استخدام الكلور فقط في الهجوم، أو ما إذا كان استخدام عامل الأعصاب ضروريًا، ليشعل المزيد من الضربات العقابية. نظام الأسد، الذي استخدم الكلور لإخلاء مناطق المتمردين، قد يُتوقع منه اختبار ذلك الحد.

قد تكون هزيمة (داعش) واحدةً من تلك المهمات التي تثبت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الدوام أنهما على وشك تحقيقها. تتحدث الدعاية الخاصة بالجماعة عن مرحلة سبات، مع استعداد الخلايا النائمة لأن تتجدد، كلما توقف الضغط العسكري.

“استنادًا إلى الاتجاهات الحديثة للهجمات المتزايدة، واندفاع (داعش) الواضح، من أجل إعادة تنشيط الخلايا النائمة بالكامل، يمكننا أن نتوقع المزيد من الزيادات في أنشطة الجماعة في الأشهر المقبلة”، كما كتب حسان حسان، وهو زميل في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن، في جريدة (ناشيونال).

الجماعات المتطرفة مثل (داعش) تتغيّر بطرق، بحيث يصبح من الصعب تدميرها بشكلٍ مباشر. في جنوب سورية، هناك فرع لـ (داعش)، يُدعى “جيش خالد بن الوليد”، في حالة تصاعد، ولم يستهدفه حتى الآن لا النظام ولا تحالف الولايات المتحدة المناهض لـ (داعش).

يرجع السبب في ارتقاء “جيش خالد بن الوليد” جزئيًا إلى قرار ترامب بتوقيف برنامج تدريب وتجهيز (الجيش السوري الحر) في الجنوب، الذي كان معمولًا به في عهد أوباما، هذا الجيش الذي يتعرض الآن لضغوطٍ من النظام والجماعة المتطرفة الجديدة. من المرجح أن تتطلب المحافظة على عدم عودة (داعش) في الشمال، التمسك بالحلفاء الأكراد هناك. لقد أقرّت القيادة المركزية الأميركية، بأن الهجوم التركي ضد الأكراد أعاق الجهود ضد معاقل (داعش) في وادي الفرات الأوسط.

قال كوركر إنه يمكن أن يتصوّر وجود وحدةٍ أميركية مخفضة، تساعد في تلك المناطق بـ “الحكم على الأرض”. وقد يعني هذا بدوره دعمًا عسكريًّا لأجلٍ غير مسمى للقوات الكردية في الشمال، الذين يتعرضون لضغوط من جميع الأطراف، ومن ضمنها تركيا، الحليف في (الناتو).

تحالف آخر قد يجذب الولايات المتحدة، لأسباب لا علاقة لها بأهداف الحرب الحالية. فهناك صراعٌ إسرائيلي-إيراني يغلي ببطءٍ، حيث إن الحرس الثوري الإسلامي ينشئ قواعد أرضية وجوية أقرب إلى الأرض الإسرائيلية، ومن الصعب تخيّل موقف الولايات المتحدة على مثل هذا الصراع، إذا ما نشب.

إن البقاء خارج هذه المعركة سيكون أصعب، إذا تقدّم ترامب في نيته المعلنة بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، الشهر المقبل، وإذا ردّت طهران بتصعيد تخصيب اليورانيوم؛ فمن المرجح أن ينزلق الخليج مجددًا إلى حافة حربٍ جديدة كبرى، ومن المتوقع أن تكون سورية ساحة المعركة المركزية فيها.

لم يتخلَّ ترامب البتة عن التناقضات، وسياسته السورية ليست استثناءً. يبدو أن الرئيس عازم على المواجهة مع إيران بسبب برنامجها النووي، في الوقت الذي يسعى فيه لتفادي المواجهة مع إيران في سورية. سيكون من الصعب جدًا القيام بالمهمتين في الوقت نفسه.

اسم المقالة الأصلي Despite Trump rhetoric, US withdrawal from Syria likely to be messy الكاتب جوليان بيرغر، Julian Borger مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 20/4 رابط المقالة https://www.theguardian.com/world/2018/apr/20/chemical-warfare-and-isis-hobble-trump-to-syria عدد الكلمات 945 ترجمة أحمد عيشة
أحمد عيشة


المصدر
جيرون