عن تدمير مخيم اليرموك الشاهد على نكبة الفلسطينيين



منذ اندلاع الثورة السورية، في آذار/ مارس 2011، وهي ما زالت في طورها الشعبي – السلمي، حاول النظام السوري إنكار مطالب الشعب السوري، بادعاء أن ثمة مؤامرة على سورية، وكان أول اتهام يوجّهه إلى الفلسطينيين في مخيمي اللاذقية ودرعا، كما جاء على لسان بثينة شعبان وغيرها من المسؤولين وقتذاك، وبرز في ذلك الوقت كلامُ رامي مخلوف (ابن خال رئيس النظام) الذي وجهه إلى “إسرائيل”، مستجديًا إياها الحفاظ على نظام الأسد، بقوله: “إن عدم الاستقرار في سورية يعني عدم الاستقرار في إسرائيل”.

بعد ذلك، حاول النظام تجنيد الفلسطينيين لصالحه ضد الشعب السوري، من خلال إثارته النعرة بين بعض المخيمات وجوارها، من خلال أزلامه الذين راحوا يبثون روح الكراهية والعصبية، بين أهالي المخيمات والمناطق المجاورة، وعندما فشل ذلك، في مخيم اليرموك مثلًا، حاول توظيف القضية الفلسطينية على جاري عهده، كورقة ابتزاز ومساومة، من خلال تشجيع الشباب على الذهاب إلى الجولان (في ذكرى 5 حزيران 2011)، التي يمنع السوريين من الذهاب إليها، حتى بعد استعادة مدينة القنيطرة (1973)، وذلك لاقتحام الحدود بدعوى “مسيرة العودة”، في محاولة لتوظيف مسيرة العودة التي جرت في ذكرى يوم النكبة 2011، حيث تمّ التضحية بـ 21 شابًا فلسطينيًا وجرح المئات، وهو ما أثار غضب الفلسطينيين، لا سيما في مخيم اليرموك، وأدى إلى اندلاع هبّة شعبية في المخيم في اليوم التالي، إبّان التشييع، ضد النظام وضد أعوانه في الفصائل الفلسطينية الموالية. أيضًا، لم يكن النظام مرتاحًا لمحاولة الفلسطينيين عدم مساندة النظام، أو النأي بمخيماتهم عن الصراع السوري؛ إذ بدأ في منتصف عام 2012 بقصف المخيم من منطقة القاعة وغيرها، في فترات متقطعة، لا سيّما بعد التحول نحو الصراع العسكري، الذي تسبب فيه النظام، بسبب قمعه الوحشي للمتظاهرين السلميين، وارتكابه المجازر في مناطق الحولة والتريمسة وداريّا والقابون وبابا عمرو، وكذلك قمعه بالدبابات والرصاص الاعتصام السلمي في ساحتي النواعير في حماة والساعة في حمص، في الأشهر الأولى للثورة. وكانت نتيجة كل ذلك تدهور الوضع في سورية، وقيام النظام بقصف عدد من المدن السورية بالبراميل المتفجرة والقنابل والقذائف الصاروخية، وإلى حد قصف مخيم اليرموك يوم 17/12/2012، بالطيران؛ الأمر الذي أثار موجة رعب هائلة بين أهالي المخيم، اضطرتهم إلى النزوح منه، في واقع يثير الريبة، وعديد من التساؤلات، وفيما بعد فرض حصارًا مشددًا على المخيم، بعد تشريد معظم سكانه، وتحويله إلى حقل رماية لقناصة ومدفعية النظام، ثم إلى منطقة صراع بين فصائل عسكرية، كما بينها وبين النظام، في واقعٍ لا يعرف أحد فيه كيف دخلت؟ وكيف يدخل تموينها وأسلحتها ومواردها التسليحية والمالية. علمًا أن كل المؤشرات تؤكد أن النظام ضليع في التلاعب بالفصائل العسكرية، لا سيّما مع سوابقه، في مخيم نهر البارد مثلًا (2007) مع تنظيم “فتح الإسلام”، الذي أعلن إمارة إسلامية، في حين أن صلته معروفة بالنظام السوري، وهذا يشمل فتح المجلس الثوري مثلًا، كما يشمل حركة “غرباء الشام” وزعيمها المقتول أبو القعقاع (محمود قول آغاسي) الذي عمل كداعية إسلامي وكمحرض على عمليات تفجيرية ضد الاحتلال الأميركي للعراق، في حين تبيّن أنه يعمل مع أجهزة المخابرات السورية، هذا دون أن ننسى قصة ميشال سماحة الوزير اللبناني الذي تمّ اكتشاف نقله مواد متفجرة، استلمها من المخابرات السورية لتفجيرها في لبنان وإثارة النعرة  والاقتتالات الطائفية مجددًا فيه.

بناء على كل ذلك؛ فإن ما يجري هو محاولة تدمير مبرمج من النظام لمخيم اليرموك، الذي يعدّ عاصمة اللاجئين الفلسطينيين، والشاهد على نكبة الشعب الفلسطيني، وما يجري هو محطة خطيرة في مسلسل تصفية قضية اللاجئين، وتصفية حق العودة. والمشكلة أن ما يجري يتم تحت غطاء المقاومة والممانعة، وبتهمة القضاء على الإرهاب، علمًا أن الجميع يعلم أن تنظيم (داعش) هو منظمة إرهابية عملت على إرهاب الشعب السوري، في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، كما عمل على محاربة الفصائل المعارضة، أكثر بكثير مما قاتل النظام السوري، وكلنا يعلم أن النظام لم يقصف ولا مرة، ولا ببرميل واحد، قوافل (داعش) السيّارة التي كانت تتحرك بحرية من بادية العراق إلى بادية الشام، وأن كل قصة (داعش) تقف وراءها أطراف عديدة، أهمها إيران، والقوى الموالية لها في العراق، وكلنا يذكر قصة الهروب من سجن أبو غريب، والاستيلاء على مدينة الموصل مع أسلحة أربع فرق عراقية وأموال البنك المركزي، وهو ما حصل في منطقتي دير الزور والرقة التي انسحب منهما النظام (2013 ـ 2014). والسؤال هنا هو هل قتال (داعش) يستوجب هذا التدمير الشامل والمنهجي لمخيم اليرموك، علمًا أن كل منطقة المخيم وجوارها كانت ساقطة عسكريًا، وكان النظام يتعمد تركها محاصرة، كي يتفرغ لمناطق أخرى، بدلًا من الانشغال بها، وتمكين أهلها من العودة إليها، لأنه بذلك يوفر على نفسه عبء رصد قوات كبيرة للسيطرة عليها، كما أن ذلك ينسجم مع هدفه، وهدف حليفته إيران، بتغيير الواقع الديموغرافي في دمشق وما حولها.

وفي الحقيقة، منذ البداية -كما بيّنا- اشتغل النظام على وصف ما يجري ضده بأنه مؤامرة، وأن ما يجري هو مكافحة للإرهاب، وأن الأمر يتعلق بمحاربة اتجاهات دينية وطائفية متطرفة، وقد فعَل كل شيء من أجل تشويه ثورة السوريين، وإنكار حقهم في الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، وهذا شيء طبيعي من نظامٍ حوّل سورية إلى “جمهورية” وراثية، وصادر حقوق المواطنين، وقيّد حرياتهم، وهيمن على مواردهم، وأغلق مجال التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي عندهم.

وباختصار: إن مخيم اليرموك هو منطقة مثل كل المدن السورية، وواقع الفلسطينيين مثل واقع السوريين، في ظل هذا النظام، الذي يقتل ويدمر ويشرد، بَيد أن ما يحصل من تدمير منهجي للمخيم، من قبل هذا النظام “الممانع” و”المقاوم”، والذي اشتغل منذ وجوده على توظيف قضية الفلسطينيين، إنما هو قتل للشاهد الحي على النكبة، وهو قتل لحق العودة. وفي الغضون، لا ننسى أن هذا النظام هو ذاته الذي أسهم في تدمير مخيمات الفلسطينيين في لبنان، من تل الزعتر وضبية إلى صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ونهر البارد، وذلك قبل وجود (داعش) و(جبهة النصرة)، وقبل الثورة السورية. هذا لمن يريد أن يرى الأمور على حقيقتها.


ماجد كيالي


المصدر
جيرون