من الصفدي إلى البطش… الجريمة نفسها



اغتيل عالم الطاقة الفلسطيني فادي البطش، صباح السبت، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، ليذكرنا بحوادث اغتيال مشابهة حدثت في السنوات الماضية، وبحادثة إعدام لعلماء كان آخرهم العالم باسل خرطبيل الصفدي، الفلسطيني السوري مطور البرمجيات، الذي كشفت زوجته أنه أُعدم داخل معتقله، في أحد الفروع الأمنية بدمشق، بعد انقطاع التواصل معه.

الشهيدان كانا يتمتعان بقيمة علمية عالمية عالية، وهما في مقتبل العمر، الأول قضى تحت التعذيب في زنزانة الأسد، والثاني اغتيالًا على أيدي عملاء الموساد في العاصمة الماليزية كوالالمبور. وما يجمع بينهما، فضلًا عن أنهما فلسطينيان، أنهما ينتميان إلى بيئة العلم والمعرفة العلمية والإنسانية، اكتسباها وقاما بتسخيرها خدمة للمجتمع، ولطالما شكلت هذه البيئة عدائية ورعبًا مطلقًا، عند الطاغية في دمشق، والمحتل في تل أبيب، الذي يرى بدوره أنّ كل نجاح يحققه أصحاب الأرض ينذر بمخاطر كبيرة على وجوده. إذا دققنا في أسباب ملاحقة الصفدي، واعتقاله قبل أعوام قليلة، وتنفيذ جرم القتل تحت التعذيب بحقه، وملاحقة البطش وقتله بكاتم صوت؛ وجدنا أن عقلية المجرم تنتمي إلى جذر واحد ضارب، بين تل أبيب ونظام الطاغية.

نتناول قضية البطش وخرطبيل ليس لأنهما عالمان فلسطينيان، بقدر ما نقصد تشخيص حالة العداء، وإدانة عمليات القتل التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي على علماء عرب، على مر التاريخ، لكن تكرارها في السنوات الأخيرة من قبل نظام الأسد ضد السوريين، على مختلف انتماءاتهم الطبقية والعلمية، يجعلنا نقيم حالة التعاطف التي يبرزها جمهور الممانعة مع الضحية التي تنتمي إلى لون واحد يقوم باغتيالها العدو، ليتم تجاهل وإنكار من يقوم الأسد بقتله، فإذا قُدّر للسوريين وللفلسطينيين كشفُ وتدوين جرائم الأسد، بحق شباب سورية وفلسطين وخيرة علمائها ورجالها؛ فإن أهوالًا وصدمات كثيرة لن تكفيها مجلدات لتسجيل معاناة الضحايا.

نستحضر قضية مقتل العالم باسل خرطبيل، مع مناسبة اغتيال العالم البطش، لأن الواقعتين ليستا شاهد إثبات على مجرم واحد فقط، لكن، مع أسف كبير، شكّل نموذج القتل الأول المرتبط بزنازين سفاح الممانعة بدمشق، علامةً على طريق إنكار الضحية من قبل أهلها، كما بقية الضحايا الذين تبرأ منهم غطاؤهم السياسي والمعنوي. إن ما سهّل عملية الاعتداء على البطش ليس أن خرطبيل قُتل تحت التعذيب، فالمجرم والجريمة في دمشق يسمحان بابتلاع كل الجرائم المحيطة حوله؛ ففي غمرة الهجوم على مخيم اليرموك وتدمير ما تبقى منه، ما يسمح أن يطل في النتيجة عملٌ جرمي في كوالالمبور. وبجانب عشرات الغارات والبراميل وصواريخ الطائرات وقذائف الدبابات، لن تظهر جريمة مثل هذه، وهو حال تنفيذ كل الجرائم التي استطاع المحتل تمريرها من بالوعة النظام الجرمية.

لكنها تطرح من جديد، مواقف تثير الأسئلة، عن الإرهاب الممارس على الفلسطيني داخل زنازين المسلخ البشري في دمشق، الذي تتأرنب جبهة عريضة من فصائل فلسطينية من الاقتراب والحديث عن قضيتهم، بينما بمقدور تلك الجبهة، الممتدة من حي المزرعة إلى المزة في دمشق وفروعها في رام الله وغزة وعمان وبيروت، إصدار بيانات تنديد وشجب بجريمة الموساد في كوالالمبور، ولديها القدرة على أن تلوذ بصمت؛ إذا تعلق الأمر بسفاح شعبهم.

الأمر مرتبط أيضًا، بغارات الولايات المتحدة على مواقع النظام، ذات الجبهة المتفننة بإصدار بياناتها القاضية رفض القصف الغربي، لكنها راضية على قصف المكان الذي نبت فيه ريشها وجناحها، قبل أن تنتقل إلى مزرعة النظام، لتراقب من هناك حال سورية وفلسطين، هل يصح أن ندين جريمة وننكر أخرى؟ وهل نفرق بين بطش وبطش؟ نعم. في منطق المجرم وحلفائه يمكن الفصل بين الجريمة المحرمة والفاشية المسموح بها، هذا حال كل سورية مع الجريمة التي أنكر بعض أهلها موت أبنائهم، ولم يسمح لهم بإقامة مجالس عزاء.

من يغتالهم العدو، يحاطون بأحبتهم، نرى وجوه الأمهات والخالات والعمات، ينتحبن في وداعهم، أما من يقضي في زنازين السفاح الصغير، فتغيب الصورة تمامًا، حيث تباد كل العائلات بلا بواك ودون عزاء، تحرق الجثث في أفران بشرية وتدفن بأرقام أمنية، لذلك يبقى التنديد بجريمة عن أخرى، لإقامة فرق بين ضحية وأخرى، بينما المجرمان في تل أبيب ودمشق لهما عدو واحد، أحسنا الاستفادة من بعضهما، فرق بالضحايا ووحدة بالأهداف تلك رسائل مقتل البطش، ومن قبله الصفدي، وكل شهداء سورية وفلسطين إلى تدمير اليرموك.


نزار السهلي


المصدر
جيرون