الدمار الذي رأيته في سورية إدانة للتقاعس الغربي



لقد انقضى زمن التدخل العسكري. لكن يجب علينا أن نبذل كل ما في وسعنا ليشعر الأسد بالوجع

مسجد مدمّر في حلب، سورية، عام 2017. صورة علي حشيشو/ رويترز

في غفلة من القدر، كنتُ أتنقل عبر حافلةٍ من بيروت إلى دمشق، في اليوم الذي شنّت فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا غاراتٍ جوية على سورية. كانت المجموعة التي انضممت إليها في زيارةٍ رعوية رُتبت قبل أشهر، بناء على دعوةٍ من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، لتقديم الدعم والتضامن للمسيحيين السوريين. وصلت رسالة بريدية غير مباشرة لدعوة المشاركين، في أوائل آذار/ مارس. وبما أن طلب التأشيرة الخاص بي لدخول البلاد -على الرغم من أن لدي بيتًا لأكثر من عقدٍ من الزمان- قد تمّ رفضه في شباط/ فبراير؛ بدا الأمر يستحق تجربة هذا المسار، مع أنني وزوجي لم نتخيّل قطّ أننا سننجح. تمَّ قبولنا في الرحلة، ولكن التجربة كانت سريالية (غريبة)، في كل لحظةٍ منها تقريبًا.

اسم الشركة مالكة الحافلة (المعري للسفر والسياحة)، اختير على اسم الفيلسوف والشاعر السوري الأعمى من القرن الحادي عشر: أبو العلاء المعري، الذي يعتقد أن كتابه (رسالة الغفران) قد أثّر في (الكوميديا الإلهية) لدانتي. وقد عبّرت قصائده عن تشاؤم عصره، العصر الذي سادت فيه الفوضى السياسية والانحطاط الاجتماعي. أصبح “نباتيًا”، واعتمد العزلة منهجًا في حياته.

لقد تمّ التعامل مع مجموعتنا التي يقودها رجل دين، كجماعة ملكية طوال الوقت، حيث لم تكن هناك حاجة حتى إلى توسيخ أقدامنا والنزول من الحافلة على الحدود، الأمر الذي كان سرياليًا، خاصةً بالنسبة إلي، إذ كنتُ معتادًا على الوقوف في الطابور ساعات. لدى المرور عبر حواجز التفتيش، تتألق حافلتنا بشكل واضح بقدسية أولئك الذين كانوا على متنها. كانت رحلتي السابقة في أواخر عام 2014، لإنقاذ بيتي في دمشق من مستغليّ الحرب، حيث استلزمت تقديم علب السجائر للجنود، والتعرق الغزير، بينما كانت أياديهم تعبث في حقائبي.

عندما اشتريت المبنى المتهدم في مدينة دمشق القديمة عام 2005، فعلت ذلك كفردٍ خاص، من دون اختصارات أو تفضيلات. كافحت مدة ثلاث سنوات لإكمال ترميمه، مُحاربةً البيروقراطية الشبيهة بالمتاهة، حيث ساعدني فقط السوريون العاديون، ومنهم المهندس المعماري وفريقه من الحرفيين، والمحامي، ومدير البنك. عاش العديد من الأصدقاء الذين فقدوا منازلهم في الضواحي، بسبب قصف النظام هناك منذ عام 2012، بمعدّل خمس عائلات في بعض النقاط، وزاد أكثر بعد الهجوم الكيمياوي على الغوطة عام 2013، حيث امتلأت الساحة بالفرش. اليوم، تعيش أسرة واحدة فقط من أقاربي هناك، بناء على طلبي منذ عام 2015.

في الحي المسيحي من المدينة، نُقلنا إلى باصٍ أصغر كان قد شقَّ طريقه أمام قلعة دمشق نحو ساحةٍ للمشاة، مباشرة أمام القلب الروحي للمدينة: المسجد الأموي. أُبعد المصلون من فنائه الرائع على شرفنا، وأدخلونا إلى قاعةٍ للجمهور لم أكن أعلم بوجودها على الإطلاق، على الرغم من عشرات الزيارات السابقة. هنا، باشر المفتي العام –وهو أعلى سلطة إسلامية في البلاد- أحمد بدر الدين حسون، بأجواءٍ من اللطف، وتحدث عن متعة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين. تلاحظ منظمة العفو الدولية أن موافقة المفتي العام كانت من الأمور المطلوبة، لتنفيذ حكم الإعدام لما بين 5000 إلى 13000 معتقلٍ في سجن صيدنايا، منذ عام 2011.

إن رداء المرأة الإجباري المغطى ضَمِن لي عدم الكشف عن هويتي في الصورة الرسمية، مع أنني كنت غاضبةً، لأني اكتشفتُ في وقت لاحق أن حبوب القلق التي أُعطيت لي كانت بنصف حجم حبوب الرجال، وهو تعبير عن فجوة الجندرة في شكل آخر.

في حمص، محطتنا التالية، مررنا بعددٍ لا يحصى من الملصقات المروّعة للرئيس السوري: بشار الأسد، بشكلٍ رئيس في نظارته الداكنة، وزيّه العسكري، والشعار الذي يؤكّد لشعبه أنه يحمي سورية من “الإرهابيين”. قبل الحرب كان الأسد يبدو بلباسه أكثر بساطة، على دراجة يأخذ ابنه إلى المدرسة، أو يزرع الأشجار برفق على جانب الطريق.

احتفالات عيد الجلاء في قلعة حلب. “وُزعت علينا أعلام سورية صغيرة لنلوح بها ونصرخ “حرية” متبوعةً بـ “حلب” عندما يُطلب منا ذلك. صورة: يوسف بدوي/ وكالة حماية البيئة

كانت حمص خالية على نحوٍ صادم وغير متوقّع، مساحات من الدمار، فقط مسجد خالد بن الوليد الشهير الذي أعيد ترميمه على عجلٍ من قبل قسم البناء العسكري، ليتم مشاهدته من بعيد. إنها قوقعة فارغة للعرض، مثل الكثير من الأشياء الأخرى.

كنا في حلب بمناسبة عيد الجلاء في سورية في 17 نيسان/ أبريل، ووصلنا في الوقت المناسب لحضور حفلٍ موسيقي، أُعدَّ خصيصًا لنخب البلد داخل القلعة. وبينما كنا نقترب مشيًّا على منحدرٍ لأحد أعظم القطع المعمارية العسكرية في العالم، نظرنا إلى الأسفل حيث الأسواق والمساجد المدمرة، ووُزعت علينا أعلامٌ سورية صغيرة للتلويح بها وصراخ “حرية”، ثم “حلب”، عندما يُطلب منا ذلك. بدا الأمر وكأنه صدى قاسٍ لأوائل الهتافات السلمية المطالبة بالحرية عام 2011. الحرية الآن وفق شروط النظام فقط.

بالعودة إلى دمشق، في 19 نيسان/ أبريل، زرتُ منزلي وشاهدت عاجزةً من فوق السطح كيف تنطلق الطائرات المقاتلة من مطار المزة في وضح النهار فوق وسط دمشق، وتلقي القنابل العنقودية على الحجر الأسود، الضاحية الجنوبية.

“محاصرون” كانت الكلمة التي سمعتها مرارًا وتكرارًا من أصدقائي السوريين، مسلمين ومسيحيين، لوصف مأزقهم. في الوقت الذي يُناقش فيه العالم شرعية الضربات الجوية، بالنسبة إلى من هم على الأرض، فإن العمليات ليست إلا كلامًا فارغًا. لم يشر أحد من أصدقائي إلى الضربات، عارفين أن مصيرهم لم يتغير، قد يُقتلون إذا تجرؤوا على الاحتجاج، أو أن يخضعوا لإرادة الأسد. لقد فات الأوان على الغرب، وعلى المجتمع الدولي أن يتدخل عسكريًا في سورية، كان ينبغي أن يتم ذلك في 2011 أو 2013 على أبعد تقدير، قبل أن تدخل الدولة الإسلامية أو روسيا لملء الفراغ غير الخاضع للقانون الذي تجاهلناه.

الآن الخيار الوحيد هو الحفاظ على جميع أشكال الضغط على نظام الأسد، وعلى بوتين، ليشعرا بالوجع. في الماضي، أذعن الأسد للضغط بسرعة، مثلما حدث عندما سحب قواته من لبنان في غضون أسابيع، بعد الغضب الدولي من اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان السابق، عام 2005. الأسد وبوتين متصلان عبر حبلٍ سري في الوقت الحاضر، لكن إذا قُطع الحبل؛ فسيُترك الأسد منزوعًا من درعه الروسي، وسيستسلم بأسرع مما يتخيله أي شخص. كل ما نحتاج إليه هو سياسةٌ موحدة ومتماسكة، وهذا شيء مفقودٌ، للأسف، حتى الآن.

اسم المقالة الأصلي The ruins I saw in Syria stand as a rebuke to western inaction الكاتب ديانا ديركي، Diana Darke مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 1/5 رابط المقالة https://www.theguardian.com/commentisfree/2018/may/01/syria-rebuke-western-inaction-military-intervention-assad ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون