“الشرف” بين مجتمَعين



تتناقل المجتمعات العربية والإسلامية فكرةً موروثةً، تقول إن الغربيين يفتقرون إلى الشرف، بل إنه معدوم عندهم. وقد بنوا أساس تلك الفكرة على الحرية الجنسية التي يتمتع بها الغربيون، وبخاصة تلك التي تتمتع بها الأنثى الغربية، في اللباس وبناء العلاقات العاطفية. بينما تفتخر المجتمعات العربية والإسلامية، بكونها رائدة في الشرف، حيث يرتبط مفهومه بجسد المرأة وغشاء البكارة، وتبني عائلات كاملة تاريخَ شرفها على أساس هذه الفكرة، لذا نسمع عن العديد من قصص جرائم الشرف. المرأة في هذه المجتمعات هي عبارة عن سلعة مختومة لزوجها المستقبلي، وهي أيضًا روبوت، تتحرك وتعيش وتتصرف كما تفرض عليها العادات. فهل سألت هذه الشعوب نفسها سؤالًا بسيطًا: هل كان يمكن لتلك الدول الغربية المتحضرة التي وصلت إلى المريخ واكتشفت الخارطة الجينية واخترعت الكمبيوتر ووسائل الاتصال والقنوات الفضائية والعلاج بالليزر، ألا يكون لديها أدنى شرف ولا أخلاق؟!

عشت طفولتي ومراهقتي في الشرق، وعشتُ شبابي في الغرب، وعلى ذلك؛ فإن ما وجدته، من خلال تجربتي البسيطة في كلا المجتمعين، هو أن هناك اختلافًا جوهريًا في مفهوم الشرف. في الشرق يرتبط الشرف بجسد المرأة فقط، بينما في الغرب فهو مرتبط بمفاهيم عدة، منها قواعد العمل وعلاقة الناس ببعضهم وعلاقتهم بالدولة، وهي تقوم على أسس الأمانة والصدق والإخلاص، وهذا يطبق على الجنسين، كما يرتبط مفهوم الشرف في الغرب بالشفافية والوضوح، ولا يميّز بين المرأة والرجل البتة؛ لأنها كائن حر مثلها مثل الرجل، ويعدّ التحرش بالمرأة والطفل جريمة يعاقب عليها القانون بصرامة.

في المجتمعات العربية، تتحمل المرأة وحدها مسؤولية شرف عائلتها الممتدة التي تشمل كل من حمل كنيتها، ثم تزداد بعد زواجها لتحمل مسؤولية شرف زوجها وأهله، فإن عبثت بجسدها، وفق قواعد المجتمع الذكوري؛ فإنها ستجلب العار لهم، لذا يتمّ تلقينها منذ طفولتها مبادئ الشرف المرتبطة بجسدها تحديدًا، ويُرسَم لها مخطط لحركتها وأسلوب كلامها ونوع لباسها؛ فتفقد حقها الإنساني في الاستقلال والحرية، كما تفقد ثقتها بنفسها، وتتحول إلى تابع ينفذ ما يؤمر به، حتى في اختيار دراستها وعملها وشريكها. وتلعب العوامل الدينية دورًا رئيسًا في تحديد مفهوم الشرف، حيث يصبح أقصى طموحها أن تتزوج لـ “تنستر” وتنجب الأولاد. لذلك قد نجد امرأة شرقية تدافع عن قمع الرجل لها، باعتباره حقًا له. وهي بذلك تتماهى مع الأفكار التي زرعت في عقلها. ذلك العقل الذي يعتبره الرجل الشرقي ناقصًا لا يصلح للتفكير والإبداع والفن والعلم. وهكذا تستمر منظومة المفاهيم المتوارثة التي يتبناها المجتمع الشرقي ويقدّسها، والتي لا تجلب له سوى التخلف والغربة عن ركب الحضارة والمعاصرة.

كم يبدو غريبًا، في أيامنا هذه، أن يستخدم الشرقي عبارات تطعن شرف الأم والأخت والابنة، ليهين خصمه ويحقره. وهو في الوقت ذاته لا يجد في تشريعات المجتمعات الغربية، وما تحمله من أفكار سامية وعدالة ومساواة في الحقوق بين المرأة والرجل، سوى أنها مجتمعات فاسدة، كافرة، لا تعرف الشرف. وعندما تسأله عن مَواطِن الفساد، فإنه يركز على جسد المرأة، كمثال صارخ على الانحلال. في المقابل، لو حدّثت الغربي عن معنى الشرف، لتكلّم عن احترام حقوق الآخر، ونبذ العنصرية، والمساواة بين المواطنين. والحقيقة أن محاولة شيطنة الغرب، من خلال وصم تحرر المرأة وتعزيز وجودها الفاعل في نهضة الدول الغربية، هي محاولة فاشلة تلوي عنق الحقيقة عن سابق قصد؛ ذلك أن الغرب وصل إلى منح الحرية للمرأة وضمان حقوقها، بعد مسيرة طويلة من الكفاح ضد الميراث الثقافي المرتبط أساسًا بتماهي السلطة الذكورية الحاكمة مع رجال الدين التابعين لها.

أخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى أن هذا المقال يسلط الضوء على مفهوم الشرف، عند أغلب المجتمعات العربية والإسلامية، ولا يشمل بالتأكيد جميع طبقاتها ومكوناتها، فهناك العديد من الأمثلة عن نساءٍ كسرن ذلك المفهوم المتخلف، وأصبحن قدوة في مجتمعاتهن، وهناك أيضًا نسبة كبيرة من الرجال ممّن ينبذون مفهوم الشرف المرتبط بحسد المرأة. ويبقى أن أشير إلى حاجة المجتمعات الشرقية، ولا سيما العربية والإسلامية، إلى العمل على بناء منظومة أفكار متطورة، تستفيد من حضارة الغرب إلى جانب الموروث الخاص النقي من شوائب التأويل الديني المخادع، وذلك من خلال تعليم الأطفال أن مفهوم الشرف يعني الصدق والإخلاص والأمانة، في كل مجالات الحياة.


رانيا توفيق الحلاق


المصدر
جيرون