روسيا، تركيا وإيران أوجدوا للأمم المتحدة عملًا في سورية



وزراء خارجية الدول الثلاث يدعمون صيغة أستانا

عقد في موسكو لقاءٌ غير دوري (هو الثالث خلال شهر ونصف) لوزراء خارجية روسيا الاتحادية، تركيا وإيران، كُرّس لبحث الوضع في سورية. وحصل وزراء الخارجية على فرصة ليتحدثوا “فيما بينهم” بشأن سورية، بعد ضربة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها. وكان من المتوقع ألا يكون الحديث سهلًا، خاصّة مع إعلان أنقرة دعمها للضربة. وقد أُعلن أنّ موضوع اللقاء سيكون التحضير لعقد جولةٍ تاسعة من المباحثات في أستانا. غير أنّ المؤتمر الصحفي الذي عقد في ختام اللقاء خُصّص بمجمله تقريبًا ليعطي إجابةً للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا، الذي صرّح قبل عدّة أيامٍ بأنّ صيغة “أستانا وسوتشي” قد استنفدت. ولم تحظ هذه الاستنتاجات على موافقة موسكو، ولا أنقرة ولا طهران. وبيّن سيرغي لافروف للأمم المتحدة الأمور التي يجب عليها أن تهتم بها لتحريك التسوية السياسية في سورية، بدلًا من التصريحات السياسية “الغريبة”.

عقب المباحثات التي جرت السبت، بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران: سيرغي لافروف، مولود جاويش أوغلو، ومحمد جواد ظريف؛ صدر بيانٌ مشترك اتفق فيه المجتمعون -كما قال سيرغي لافروف- على “خطواتٍ محددة، ستتخذها الدول بصورةٍ جماعية أو منفردة”، لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 بشأن التسوية في سورية. أثناء مؤتمرهم الصحفي، لم يتطرق الوزراء إلى الخطوات المزمع اتخاذها، والتي وُصِفت في بداية المباحثات بـ “الإجراءاتٍ الجديدة”.

كان لقاء يوم السبت الثالث خلال شهرٍ ونصف الشهر. وقد سبق الاجتماع الثلاثي اجتماعات ثنائيّة روسية- تركية، وروسية- إيرانية. في كلّ هذه الاجتماعات كان الجميع يتحدّث عن متانة العلاقات، مؤكدين تكرار اللقاءات على مختلف المستويات، ويحاولون تجنّب المسائل الحادّة، أقلّه أمام الجمهور.

قال سيرغي لافروف: “اتفقنا على عقد لقاء غير دوري، على مستوى وزراء الخارجية لعملية أستانا، لمناقشة وضعٍ ليس بالسهل، بل لنقل معقّد، نشأ في سورية وحولها”.

كان من المهمّ بالنسبة إلى موسكو، تنسيق “إجراءات جماعية” للوصول إلى السلام في سورية، وسط “ظروف بالغة التعقيد”. كما أكّد لافروف على أنّ “السلام في سورية، كما أظهرت أحداث الأسبوع الأخير، لا يعدّ ضروريًا بالنسبة إلى الجميع. في كلّ مرّة تلوح إمكانية للتسوية في سورية، تتلقى هذه الإمكانية ضربةً من طرفٍ ما”. ولهذه الأحداث، يمكن أن نصنِّف الهجوم الذي شنّته الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا وبريطانيا. وكذلك الجهود التي تبذلها هذه الدول في إعداد خططٍ بديلة للتسوية في سورية، تستبعد روسيا وإيران. وإضافة إلى ذلك، جاءت مفاجئة التصريحات التي أدلى بها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا. حيث قال لراديو BBC Radio 4 Today من بروكسل، في أثناء اجتماع المانحين لسورية: إنّ “المبادرات التي جرت برعاية روسيا وصلت إلى حدودها القصوى”، مشيرًا إلى أنّ “صيغة أستانا” تضمّ ثلاثة أطراف: روسيا، تركيا وإيران، وأنّ الخطوات التي اتخذتها هذه الدول أدّت إلى تأجيج الصراع لا إلى خفض حدّته. أمّا “سوتشي”، فهي الأُخرى لم تؤدّ -بحسب دي ميستورا- إلى تشكيل لجنة صياغة الدستور السوري، كما كان مفترضًا.

جاء ردّ وزير الخارجية الروسي عنيفًا على هذه التصريحات؛ إذ قال للصحفيين الذي ألحّوا عليه بالتعليق على كلمات المندوب الخاص للأمم المتحدة: “لديّ ما أقوله بهذا الخصوص”. أشار لافروف إلى أنّ الأمم المتحدة كانت منذ البداية مدعوةً للمشاركة في مباحثات أستانا، وأنّ المبعوث الخاص أو نائبه قد شاركوا في جميع المباحثات. وأكّد لافروف أنّ بإمكان الأمم المتّحدة القيام بالكثير لتساعد بفاعلية في “تطوير عملية أستانا على كافّة الاتجاهات”. وبذلك يكون لافروف قد وضع برنامج عملٍ للأمم المتحدة:

الاتجاه الأوّل: مناطق خفض التصعيد. وعد الوزير الروسي بأنّ الحرب على الإرهابيين في سورية “ستكون بلا رحمة”، أينما كانوا وحيثما اختبؤوا. وأضاف: “على فصائل المعارضة المسلّحة وطنية التوجّه والراغبة فعلًا في السلام، أن تبتعد عن الإرهابيين، وأن تطردهم من مناطق خفض التصعيد هذه”. وشدّد على أنّ بإمكان الأمم المتحدة، التي لديها اتصالات مع غالبية الفصائل المسلحة الكبرى ومع القوى السياسية السورية الرئيسة، وكذلك مع من يوجّهها، أن توصل لهم فكرةً واضحة: “يجب عدم الاختلاط مع الإرهابيين، ويجب عدم عقد تحالفاتٍ معهم، ولو كانت تحالفاتٍ ظرفية”. ولم يشر الوزير، من باب اللباقة، إلى أنّ بعضًا من قادة هذه الفصائل يتعاون مع أنقرة، وبعضهم يقيم في الأراضي التركية.

الاتجاه الثاني، برأي الوزير، حيث يمكن للأمم المتحدة أن تكرّس جهودها: المسار الإنساني، حيث أكّد سيرغي لافروف: “نحن ندعو الأمم المتحدة إلى تجنب الخضوع للضغوطات عليها الهادفة إلى تسييس المساعدات الإنسانية. وبالطبع، لا تمتلك الأمم المتحدة الحقّ بالرضوخ لأولئك الذين يصرحون بأنّ المساعدات يجب أن ترسل إلى الموجودين في مناطق سيطرة المعارضة”.

في الختام، أعرب الوزير مرّةً أخرى عن استغرابه من كلمات المبعوث الخاص السيد دي ميستورا. “يبدو غريبًا بعض الشيء، عندما يحاولون الضغط عليه لينتقد عملية أستانا ونتائج مؤتمر سوتشي”، قال لافروف. وبحسب وزير الخارجية الروسي، فإنّ “إعلان سوتشي هو الدعم الحقيقي الذي يتمتع به دي ميستورا، لينجز بنجاح المهمّة الموكلة إليه وفق القرار 2254 بشأن سورية”. وفي ما يشبه الرد على كلام دي ميستورا حول عدم تشكيل اللجنة الدستورية، أشار لافروف إلى محاولات بعض الجهات للحيلولة دون تشكيلها، وكذلك محاولات عرقلة البدء بحوارٍ بين السوريين. في البيان المشترك، وافقت روسيا وتركيا وإيران على عقد مشاوراتٍ مشتركة، بين ممثلين رفيعي المستوى عنهم، وبين الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاصّ إلى سورية بهدف تسهيل إطلاق عمل اللجنة الدستورية.

على النقيض من أولئك الذين يدّعون باستنفاذ أستانا إمكانيتها، أكّد الوزراء الثلاثة عزمهم عقد الجولة التاسعة من المفاوضات منتصف شهر أيار/ مايو. على التوازي مع جولة أستانا المرتقبة، أعلنوا عن عقد اجتماع لمجموعة عمل تبحث مسألة تحرير المحتجزين/ الرهائن، وتسليم جثث القتلى والبحث عن المفقودين بلا أثر.

لم يفصح الوزراء عن السوريين الذي دعوا إلى الجولة التاسعة من مفاوضات أستانا، لكن من المفترض أن تشارك المعارضة المسلّحة في أعمال مجموعة العمل. وفي الوقت نفسه، أكّد وزير خارجية روسيا من جديد، أنّ مشاركي إطار أستانا يعدّون تصريحات بعض ممثلي المعارضة الخارجية، التي تضع شروطًا مسبقة للمفاوضات، “غير بنّاءة”. ومن بين هذه الشروط، المطالبة بتغيير النظام وتسليم قادة سورية للمحاكمة بصفة مجرمي حرب.

وحول هذا الأمر، قال سيرغي لافروف: “هذه المطالبات ليست تتناقض مع جوهر ونصّ قرار مجلس الأمن 2254 وحسب، ولكنها موجّهة صراحةً إلى تعقيد أكبر للجهود المنصبّة على استئناف العملية التفاوضية، مع الأخذ بالاعتبار نتائج الاختراقات التي توصّل إليها مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي.

من جانبه، أكّد محمد جواد ظريف أنّ مؤتمر أستانا “هو العملية الوحيدة التي استطاعت التوصل إلى تحقيق تهدئةٍ ما في سورية، وهو العملية الوحيدة التي تستطيع، بمشاركة الأمم المتحدة، الوصول بالوضع السوري إلى سلامٍ عادل”.

بالروح نفسها، تحدّث مولود جاويش أوغلو فقال: “هي المبادرة الدولية الفعّالة الوحيدة”. وكان الصحفيون، كما وزراء خارجية روسيا وإيران، ينتظرون تصريحه بترقب واهتمام خاصّ، بسبب دعم أنقرة للضربة الغربية على سورية، ونتيجة التصريحات التي صدرت عن الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، حول ضرورة الاقتراب من موقف تركيا، وإبعادها من روسيا وإيران. لكنّ تركيا تبقى حتى الآن وفيةً للشراكة مع روسيا وإيران. لم ينسَ جاويش أوغلو التعليق على “جهود عزل” عملية أستانا، إذ قال: “نعتبر أنّ ذلك لا يتناسب إطلاقًا مع مفاهيم العدالة”، وأكّد استمرار العمل في إطار الثلاثية.

على خلفية هذه الكلمات؛ تلوح وجهة النظر التركية بشأن الضربات الأميركية، وكذلك رؤيتها للوضع في شمال سورية، وخاصّة في ما يتعلّق بمستقبل الحزب الكردي “الاتحاد الديمقراطي” الذي تعدّه أنقرة إرهابيًا، وتواصل الصراع معه. في حين تعدّ موسكو وطهران بعض فصائل المعارضة السورية المسلّحة القريبة من أنقرة إرهابيةً، وإن لم تصرحا بذلك علنًا.. وعلى الرغم من ذلك، تبقى “ترويكا أستانا” غير قابلة للهدم.

خلص سيرغي لافروف إلى أنّ “إيران، تركيا وروسيا، بغض النظر عن بعض الاختلافات في مقرباتنا (ونحن لا نخفيها)، تعمل للمساعدة في إيجاد طرقٍ محدّدة للتسوية، وفي مساعدة السوريين أنفسهم للاتفاق حول المصالحة الوطنية، وحول كيفية العودة ببلادهم إلى الحياة السلمية. ونحن نقوم بهذه الأمور في إطار المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة”.

Россия, Турция и Иран нашли работу для ООН в Сирии.Главы МИДов трех стран поддержали астанинский формат اسم المقالة الأصلية كاتب المقالة صحيفة كومر سانت. 28.04.2018 مكان وتاريخ النشر https://www.kommersant.ru/doc/3618679?from=four_mir

رابط المقالة سمير رمان ترجمة
سمير رمان


المصدر
جيرون