on
السوريون على مفترق طرق!
يخطئ من يعتقد أن بشار الأسد انتصر على الشعب السوري؛ ذلك أنه خسر المعركة منذ أن استخدم السلاح الفتاك ضد السوريين الذين طالبوا بالحرية من دون أي خلفية أخرى. فمن يلجأ إلى السلاح ضد شعبه المحتج سلميًا؛ فهذا دليل الخوف والضعف، وهو إعلان بالسقوط والانحدار.
اعترف العالم كله بأنه لولا تدخل “حزب الله” في عام 2012؛ لسقط النظام، وسمعتُ هذا الكلام شخصيًا من السيد ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، عندما سألته لماذا لا تلحظون التدخل الإيراني و”حزب الله”، أليس هو تدخلًا أجنبيًا؟ فقال لي: إن بشار الأسد طلب النجدة من حسن نصر الله، عندما طوق الجيش السوري الحر عام 2012 (وليس الفصائل المسلحة يا أمراء الحرب) دمشقَ، وكاد أن يسقط نظام العصابة.
وخاض الثوار صراعًا مريرًا مسلحًا ضد تحالف يشترك فيه جيش النظام وميليشيات شيعية وإيرانية و”حزب الله”، وكاد النظام أن يسقط من جديد في صيف 2015، وباعتراف الوزير الروسي لافروف: لولا تدخل روسيا لسقطت دمشق. وتدخلت روسيا بكل ما تملك من قوة عسكرية ودهاء دبلوماسي وسياسي وإعلامي؛ للحفاظ على نظام الأسد الذي اعتقدت القيادة الروسية خطأً بأنه هو من يحمي ويضمن مصالحها في سورية والشرق الأوسط. وأشدد على كلمة “خطأ”؛ لأن المعطيات اللاحقة، بالرغم من كل الانتصارات العسكرية التي حققتها روسيا كدولة عظمى ضد فصائل مسلحة ومدنيين مسالمين، تشير إلى أنه لا يمكن اعتبار ما حصل نصرًا للأسد، بل من الصعب تسميته انتصارًا مكتملًا لروسيا. فحسب المثل الشعبي (يضحك كثيرًا من يضحك أخيرًا). و”أخيرًا” هذه لم تأت بعد.
قال أحد الإعلاميين الروس إن بشار الأسد كسب الحرب، ولكنه لن يكسب السلام. أي أنه غير جدير وغير مؤهل ببناء سلام في سورية المقبلة. كسب بشار الأسد الحرب لكنه خسر نفسه وخسر نظامه، وأعتقد أن مواليه ليسوا في أحسن حال من التأييد، بعد كل ما تسبب به لهم من خسائر في الأرواح في أبنائهم.
كان نظام الأسد نظام عصابة مافيوي، وأصبح اليوم ألعن؛ لأن المافيات اليوم، بعد سبع سنوات من الصراع في سورية، أصبحت مكونة من الشبيحة والطائفيين الذين يصرخون ليل نهار: “اقتلوهم اطردوهم، ودعونا نعيش براحة وأمان.. دعونا نرقص ونسهر ونحتفل”. ولكن عن أي احتفالات يتحدثون؟ هل كالتي تنظم في المسجد الأموي من حفلات رقص ولطم وغناء. من أين أتى هؤلاء الحقراء المستهترين بتاريخ ومقدسات وكرامة هذا الشعب وهذه البلاد. ما هدفهم الحقيقي؟ هل هم مسلمون مثلًا؟ ومن هو مسلم؛ هل يحق له أن يلطم ويصرخ ويغني ويهتف ويتوعد، من داخل أعظم مسجد للمسلمين بناه الأمويون أصحاب الأمجاد العربية؟!
الأسد الخائن خسر نفسه وخسر سورية بل باعها من أجل كرسي أعرج، فيا ويل الأبله التافه. نسي هو وعائلته أن الشعب السوري بدأ معركة الحرية، ولن يتوقف عنها. وللصراع ضد النظام أشكال وأشكال، ومن طالب بحقه فحقه لن يموت.
طبعًا، يجب أن نعترف أنّ أخطر عدو في منطقتنا وبلدنا هو نظام ولي الفقيه، بنظرياته المتخلفة وسمومه الصفوية الشيعية الحاقدة. ويبدو أن كل ما يفعله نظام ولي الفقيه يناسب “إسرائيل” وأميركا؛ لذلك فهم يراقبون جرائم الأسد وإيران بدم بارد، مع بعض الانتقادات المتفرقة والاتهامات الخجولة بارتكاب جرائم، التي لا يتبعها موقف سياسي واضح.
لكن الخاسر الأكبر هو روسيا؛ لأنها تورطت في سورية، وسترون أن كلامي صحيح مئة بالمئة. فالمناطق الغنية اقتصاديًا في سورية هي بيد الأميركيين، والقوات الأميركية موجودة بجوار القوات الروسية، وليست بعيدة منها، ويمكن أن تزعجها متى شاءت؛ وهذا يقلق الروس. كما أن إيران نفسها غير مرتاحة من المواقف الروسية التي تظهر مؤشرات بأن روسيا ليست متمسكة بشخص الأسد، بينما هذا الأمر خط أحمر بالنسبة إلى إيران التي صرفت عشرات المليارات على حمايته، خاصة أنه باع سورية للإيرانيين.
روسيا منذ تغيير الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش عام 2014، بدأت تتورط يومًا بعد يوم؛ إذ اضطرت إلى ضم القرم وتحملت أعباء اقتصادية، وجلبت لنفسها عقوبات اقتصادية هائلة من الدول الغربية، طالت العصب الحساس في الدولة الروسية: كبريات شركات النفط وشركات الأسلحة والوزراء والبنوك، ورجال الأعمال المقربين من الرئيس الروسي، وتبعتها حملة دبلوماسية شرسة ضد روسيا، نتج منها طرد عشرات الدبلوماسيين الروس من كل الدول الغربية. وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ روسيا.
الأوضاع الاقتصادية تسير نحو الأسوأ، وهناك احتجاجات وتظاهرات رمزية، لكنها تعبّر عن واقع معيشي صعب، وكذلك ما يتعلق بالحريات مثل إغلاق (تليغرام) الذي أحدث ضجة عالمية. حتى إن الرئيس الإيراني انتقد الأمر واعتبره تقييدًا للحريات. تصوروا!
ويبقى الشاغل الأكبر للروس اليوم الإجابة عن سؤال: ماذا بعد؟ ما العمل مع بشار الأسد؟
روسيا بحاجة إلى استقرار في سورية، لكي تستثمر نتائج تدخلها، وتعوّض نفقاتها في سورية. فهي لم تتدخل لسواد عيون بشار بل تريد الثمن الاقتصادي، الذي ليس سهلًا الحصول عليه في ضوء التحديات والمنغصات في سورية.
تُظهر وسائل الإعلام الروسية وآراء الخبراء المتزايدة أن هناك قناعة في القيادة الروسية بأن بشار ليس رجل المرحلة القادمة. فهو أضعف من أن يحمي نفسه. هذا من منطلق مصالحها، وليس من منطلق مصلحة الشعب السوري. وقد وصفه إعلامي روسي بأنه كلب ابن كلب.
اليوم، بدأت روسيا تقترب من الحقيقة التي حدثناها عنها، من أول سنة في الثورة، وهي أن مصالح روسيا ليست مع نظام مجرم وقاتل، بل مع الشعب السوري الذي ربطته علاقات تاريخية ودية مع الشعب الروسي. فلماذا فرطت روسيا بهذا الرصيد التاريخي السياسي؟ سؤال لا نعرف عنه جوابًا مقنِعًا سوى أنها مشيئة رأس الهرم!
ولكن السوريين، بعد سبع سنوات قاسية، اكتشفوا من هو الصديق ومن هو العدو، وعرفوا من يتاجر باسم الثورة، ومن حرف الثورة عن مسارها في أسلمتها وعسكرتها.
السوريون اليوم على أبواب مرحلة حقيقية، نعيش مخاضها، وهي ولادة حركة ثورية مقاومة مختلفة عن كل هذه الظواهر التي عايشناها وعانينا منها، من معارضات وفصائل وأمراء حرب ومرتزقة ومتسلقين وووووو.
تجربتنا مريرة، ولكنها غنية بالدروس والعبر، وواجبنا الاستفادة منها.
الثورة مستمرة ومتجددة. ولكن احذروا، أيها السوريون، كلَّ من يتاجر باسم الدين والقومية، فهم سبب البلاء. إنّ شعبنا معتدل ولا يقبل التطرف، والخطاب الديني المتشدد ليس من روح السوريين، بل هو دخيل عليهم ومصطنع. وعلينا بناء كيان سياسي نظيف مستقل بعيد من أي صبغة دينية وقومية وطائفية.
لن يقبل السوريون بتكرار مآسي الماضي؛ فقد عرفوا طعم الحرية والتفكير الحر، ولن يستطيع أحد بعد اليوم مصادرة إرادة السوريين.
محمود الحمزة
المصدر
جيرون